يقام على أرض مصر أكبر المحافل الثقافية فى العالم العربى أجمع، إذ يستمر معرض القاهرة الدولى للكتاب بدروته الـ55، فى استقبال جمهوره الذى تخطى المليون والنصف مليون زائر، ليؤكد على استثنائية تلك الدورة فى تاريخ المعرض، ومدى حرص القراء على اقتناء الكتاب والقراءة، والمشاركة القوية فى الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة التى يتم تقديمها ضمن برنامج المعرض وفى مقدمتها أنشطة الطفل وندوات البرنامج الثقافى وضيف الشرف.
وقد شهد المعرض خلال الأيام الماضية منذ فتح أبوابه للجمهور إقبالا كبيرا للغاية على أجنحة الكتب التى أطلقتها وزارة الثقافة، وعدد من دور النشر، من أجل التشجيع على القراءة واقتناء كم كبير من الكتب، فتجد داخل أروقة المعرض كتبا تبدأ من جنيه واحد فقط، تتنوع ما بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والتاريخية.
ويواصل جناح الهيئة العامة المصرية للكتاب فى المعرض فى استقبال الرواد، خاصة على الكتب التى تختلف أسعارها من 1 جنيه وحتى 5 جنيهات، إلى جانب سور الأزبكية الذى يسجل أرقاما قياسية فى استقبال الجمهور وبيع الكتب فى مختلف المجالات مثل الدينية والثقافية والدينية والتاريخية والأكاديمية فى العلوم والهندسة، إلى جانب الكتب التعليمية والروايات والقصص البوليسية، وغيرها.
بجانب الكتب المخفضة داخل سور الأزبكية تجد أيضا مجموعة من المعروضات النادرة التى جذب الزوار مثل نوادر الكتب التى تتخطى الـ90 عاما، والصحف الورقية القديمة التى يعود تاريخها لأكثر من 100 عام، وسعرها يتجاوز الـ1000 جنيه، ومن بين تلك الجرائد اللفائف والمصرى والمصور، وجاءت عناوينها كالآتى: «ولد لمصر والسودان.. ولى العهد أحمد فؤاد»، خطاب العرش.. الحكومة لن تتراجع عن خطتها التى نالت الإجماع.. جلالة الملك يهنئ الشعب بالنصال، و«جلالة مولانا الملك يشرف النادى المصرى فى لندن»، و«مشروعات ومشكلات ما بعد الحرب».
كما تشهد تلك الدورة الاستثنائية من معرض الكتاب إقبالا كثيفا من القراء على الروايات سواء الرومانسية أو البوليسية، إلى جانب الكتب التى تخص علم الأبراج فمنها ما يتحدث عن الأبراج وصفاتها وعلاقاتها مع بعض، وهناك سلسلة كتب أخرى لكل برج على حدة، كما تصدرت كتب التنمية البشرية المشهد فى حجم مبيعاتها والتى تتمثل أيضا تنوع فى عناوينها والتى تتحدث عن مختلف الأفكار وتقدم نصائح للقراء حول الخبرة الحياتية وكيفية التعامل مع الآخرين وهكذا.
وجذب جمهور معرض الكتاب جناح المشغولات اليدوية التابع لوزارة التنمية المحلية، إذ يضم العديد من المشغولات اليدوية بأسعار مخفضة، والتى تشمل الملابس والسجاد والديكورات والإكسسوار، وأدوات من النحاس، والزخارف، بأسعار رمزية.
كما يعد المعرض ساحة متميزة لاستقبال كبار الشخصيات العامة سواء الفنية أو الرياضية أو السياسية، إذ استقبلت الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، إرنستو بيياجاس، وزير السلطة الشعبية للثقافة بجمهورية فنزويلا، فور وصوله لمصر للمشاركة بفعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب.
وخلال اللقاء، رحبت وزيرة الثقافة، بنظيرها الفنزويلى، وثمنت أهمية المشاركة الأولى للجانب الفنزويلى بمعرض الكتاب، كونها تمثل إضافة قوية للمعرض على صعيد التنوع الثقافى الذى يستهدف المعرض تفعيله على كل الأصعدة.
ومن جانبه، نقل وزير الثقافة الفنزويلى، تحية السيد نيكولاس مادورو، رئيس جمهورية فنزويلا، إلى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، وثمَّن دور مصر فى حل قضية فلسطين، معبرا عن احترامه وتقديره لجهود الدولة المصرية فى هذا الصدد، معربا عن أهمية هذه المشاركة كونها تمثل نقطة انطلاقة لتفعيل المزيد من التعاون الثقافى والفنى بين الدولتين، واختتم اللقاء بشكر وزيرة الثقافة المصرية على حفاوة الاستقبال، متمنيا المزيد من التعاون المثمر والإيجابى بين الجانبين.
وأضاف صبرى حافظ، أن الأديب العالمى نجيب محفوظ عندما قرأ إحدى مقالاتى النقدية عن إحدى أعماله الأدبية اعتقد أننى ناقد حاصل على بعثة أجنبية، قبل أن يكتشف عن طريق الناقد الكبير رجاء النقاش أننى من رواد صالونه الثقافى.
وتابع: أن «محفوظ» شكره على مقاله أمام الجميع، وحرص على أن يجلس بالقرب منه، مشيرا إلى أنه لم يكن يتوقع أن يدرس الأدب العربى الحديث فى أوروبا، ويكون حلقة وصل بين الأدبيات الشرقية والغربية.
وأضاف «حافظ» أنه حصل فى البداية على فرصة للتدريس فى جامعة اكسفورد، لكنه بعد عام واحد فقط قرر الاستقالة والعودة إلى مصر والتدريس فى إحدى جامعاتها لكنه لم يحصل على أى وظيفة فى مصر، وذلك لأن كلية الآداب لم تقبله كونه خريج تربية اجتماعية ولم يعتبروه من قبيلتهم، وهو ما جعله يعود إلى أوروبا والتدريس فى إحدى جامعاتها وهو ما تحقق وظل يدرس هناك حتى إحالته إلى التقاعد من جامعة لندن.
وأكد أنه رغم أنه درّس فى جامعات أوروبا، وإدراكه بأنه يمثل جسرا بين الثقافة العربية والغربية، إلا أنه حرص على الكتابة باللغة العربية فى جميع مقالاته إلا دراساته الخاصة التى كتبها بالإنجليزية ليحصل على الترقية فى الجامعة.
وفى لقاء شعرى حل الشاعر العراقى الكبير شوقى عبدالأمير، ضيفا على معرض الكتاب، والذى كشف أن رحيله إلى باريس كان محفزا من قصة خليل خورى حول رامبو، حيث قرأ كتابا يضم قصائد ونصوصا أدبية لرامبو، وشعر بالحاجة إلى قراءته بلغته الأم، قرر بعدها بتحمل نفسه أن يتعلم اللغة الفرنسية، مؤكدا أن حبه لهذه اللغة كان الدافع الرئيسى لتعلمها، ولولا هذا الحب لما درسها.
وأشار إلى أنه لم ينظر إلى فرنسا كدولة مستعمرة، حيث وجد أن الناس فى باريس، خاصة المثقفين، كانوا يعارضون سياسات بلادهم الاستعمارية، وأكد أن الأدب هو عالم مستقل لا يخضع للسياسة، مشددا على فصله بين العبقرية الإبداعية والأفكار السياسية.
وأكد شوقى عبدالأمير، أنه بعد سفره للإقامة فى باريس اكتشف أن اللغة العربية بها مواطن جمالية عن نظيرتها الفرنسية والإنجليزية، ومن هذه المواطن هو كثرة الأفعال، كما أن الاستعارة فى العربية أسهل وكأنها مثل المياه، وبالدراسة حاول الاستفادة من كل هذه المواطن الجمالية فى أشعاره.
كما احتضن الصالون الثقافى فى المعرض، مؤتمر «الترجمة من العربية وإليها.. جسر الحضارات»، بمشاركة المترجم الألمانى «كريستين يونجه» الذى قدم لمحة عامة حول الأعمال العربية المترجمة إلى اللغة الألمانية، حيث أشار إلى أن نسبة الترجمة من العربية إلى الألمانية تبلغ ثلاثة فى المئة فقط، فى حين يصل معدل الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى 70 فى المئة من إجمالى الترجمات من لغات مختلفة.
وأوضح «يونجه» أن هذا النسبة المنخفضة لا تعكس الدور المهم الذى يلعبه العرب فى عالم الترجمة، وأن من بين الكتب العربية الأكثر ترجمة إلى الألمانية، تأتى أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ فى المقدمة، حيث قامت جائزة نوبل التى فاز بها «محفوظ» بدور محورى فى تعزيز اهتمام الناشرين بترجمة أعماله، مشيرا إلى أنه فى المرتبة الثانية فى قائمة الترجمات من العربية إلى الألمانية تأتى قصة ألف ليلة وليلة.
من جانبها، أوضحت كارمن رويث، أستاذة الفلسفة والآداب فى جامعة مدريد، أن إسبانيا تتمتع بخصوصية خاصة فى عمليات الترجمة من العربية الأندلسية إلى الإسبانية الحديثة، مضيفة أن هذا يعود إلى حقيقة أنه فى هذه الحالة يتم الترجمة من تراث إسبانى، وفى الوقت نفسه من التراث العربى.
وأشارت «رويث»، إلى أن الجامعات فى إسبانيا، وخاصة فى مجال الدراسات الإنسانية، تولى اهتماما خاصا لعمليات الترجمة، مؤكدة على أن الترجمات من لغات أخرى تصل إلى القراء من خلال الأندية القرائية والمدارس، كما أن هناك متخصصين فى إسبانيا يعنون بترجمة النصوص الدينية القديمة، وذلك نظرا لوجود عدد كبير من المسلمين الذين أصبحوا مواطنين إسبان.
وتناولت تجربة ترجمة أحد المترجمين لعمل نجيب محفوظ «الحب تحت المطر» إلى الإسبانية، حيث تم رفض نشر الترجمة فى ذلك الوقت، ولكن عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، زادت شهرته وانتبهت دور النشر لأعماله.
كما نظمت القاعة الرئيسية فى المعرض ندوة تحت عنوان «التراث الثقافى وترسيخ الهوية المصرية»، بمشاركة حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، والنائب عمرو عزت، والدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة لشؤون التراث اللامادى، وذلك بالتعاون مع شباب تنسيقية الأحزاب، وأدارها النائب نادر مصطفى، والذين أكدوا على ثبات ورسوخ الهوية المصرية، مظهرا عمقها فى التاريخ، وأن مصر قد مرت بالعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، ورغم ذلك تظل قوية وقادرة على التغلب على التحديات. استعرض نموذجا لذلك فى نكسة عام 1976 وكيف نجحت مصر فى تجهيز جيش قوى والفوز فى حرب أكتوبر 1973.
كما أكدوا على أهمية الثقة فى الهوية كوسيلة لتحقيق النجاح فى التغلب على الأزمات، كما أن هذه الثقة تأتى من عمق التاريخ والموقع الجغرافى لمصر، حيث يمتد التاريخ المكتوب لأكثر من 7000 سنة، والتاريخ غير المكتوب يمتد لمئات الآلاف من السنين، وأشار إلى أهمية جغرافية مصر ونهر النيل، الذى يمر فى 13 دولة، ولكن مصر هى البلد الوحيد الذى استفاد منه بشكل إيجابى، محولا إياه إلى مصدر للزراعة والتنمية، بينما بقية الدول تواجه تحديات مختلفة.
كما أشاروا إلى أن مصر هى مهد الحضارة، ولكن التراث المصرى يمر بأزمة ثقافية بسبب العوامل المتعلقة بالعولمة وتكنولوجيا المعلومات، محددين عدة توصيات للخروج من هذه الأزمة من خلال نشر الوعى والثقافة فى مختلف أنحاء مصر من خلال مشروع وطنى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة