تواصلت اجتماعات مجلس حلف بغداد فى العاصمة التركية «أنقرة» منذ أن بدأت يوم 28 يناير 1958 وحتى يوم 30 يناير- مثل هذا اليوم، لمناقشة كيفية مواجهة الوحدة بين مصر وسوريا التى كانت خطوات إنجازها تتسارع وأعلنت فى 22 فبراير 1958، وتتبع الدكتورة «فادية سراج الدين» وقائع هذه الاجتماعات الخطيرة فى كتابها «الغرب والوحدة المصرية السورية».
تذكر «سراج الدين»، أنه من واقع محاضر هذه الاجتماعات، فإن وزير الخارجية البريطانية «سلوين لويد»، طرح ثلاثة بدائل لمقاومة هذه الوحدة، أولها «أن نقبل الوحدة المقترحة، وثانيها، أن نعارضها بضراوة مستخدمين كل الوسائل المتاحة لنا لنمزقها على الفور، وثالثها، أن نقبلها ظاهريا ونعمل على تحطيمها النهائى».
وحسب «سراج الدين، فإن «لويد» شرح بدائله الثلاثة، قائلا: «برغم أن البديل الثانى بالتأكيد الحل المثالى الذى ننشده، إلا أن الفشل فى تحقيقه وانعكاساته المحتملة سيكون نصرا دبلوماسيا للروس، أما إذا تبنينا البديل الثالث وهو «قبول الوحدة ظاهريا والعمل على تحطيمها» فسيكون أمامنا مجالات عديدة للعمل، منها أننا نستطيع تأييد وحدة عربية بين الأردن والعراق والسعودية، ونستطيع تشجيع المعارضة داخل سوريا، والقيام بحملة إعلامية لتصوير الوحدة على أنها صفقة خاسرة بالنسبة للشعب السورى، الذى سيفقد بالتأكيد استقلاله بعد الوحدة، نتيجة لما سيترتب عليها من إذابة سوريا فى مصر.
بعد أن تحدث «لويد»، طرح وزير الخارجية الأمريكية «فوستر دالاس» وجهة نظره، قائلا: «الوحدة ستكون لها آثار خطيرة على المصالح الغربية وعلى الدول العربية الأخرى، والأمر لن يكون مجرد سيطرة عبدالناصر على العالم العربى، بل سيطرة السوفييت، إذ أن هناك احتمالا كبيرا بأن عبدالناصر تحرك بتأييد من السوفييت، وإذا ما تبنى الغرب موقفا سلبيا إزاء الوحدة المقترحة، فسيكون هناك خطر كبير لابتلاع الأردن ولبنان يليهما العراق والسعودية، ومن الضرورى مقاومة هذه الوحدة، ولا بد أن يتم ذلك بشكل عاجل جدا»، وأقر دالاس ما ذكره «لويد» عن خطورة العداء المكشوف للوحدة، وأنه ينبغى الإقدام على تلك الخطوة إلا إذا كانوا على ثقة تامة من قدرتهم.
تعلق «سراج الدين»: على هذا النحو، كان القلق والخوف والرفض، هو ما ربط بين جميع المتحاورين، ونشأ فيما بينهم تحالف قوى على هدف محدد، هو ضرورة مقاومة الوحدة، وكان السؤال هو: كيف؟، تجيب «سراج الدين: «كانت هناك ثلاث خصائص أساسية تميز المنهج الذى قررت الولايات المتحدة - حسب ما أعلنه دالاس - أن تتبناه، الأولى: أن الولايات المتحدة لن تتخذ المبادرة فى مواجهة الوحدة.. الثانية: أن أى مبادرة لا بد أن تأتى من قبل دولة عربية وليس من جانب دولة غربية.. الثالثة: أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساندة أى مبادرة عربية فى هذا المجال.
تؤكد «سراج الدين»: أن دالاس أكد أن الموقف الأمريكى من هذه الوحدة سوف يرتهن إلى حد كبير على مواقف الدول العربية منها، وقال: «إذا لم تكن هناك دولة عربية مستعدة للعمل ضد الوحدة، فلن يكون هناك ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به إزاءها».
تسجل «سراج الدين» ملاحظة تؤكد أنها جديرة بالانتباه وهى: أن دالاس لم يخف شكوكه فى وجود طرف فى المنطقة تستطيع الولايات المتحدة العمل معه والاعتماد عليه فى تحقيق أهدافها، بل إنه أعلن ذلك بقوله: لسنا واثقين من أن هناك دولة عربية مستعدة أن تعمل بتأييد من الولايات المتحدة، واستطرد قائلا: فى الواقع، الشخصان الوحيدان اللذان على استعداد للقيام بعمل فعال فى المنطقة هما عبدالناصر وبن جوريون «رئيس وزراء إسرائيل».
تذكر «سراج الدين»، أن البريطانيين وافقوا على هذه السياسة الأمريكية، التى ترتكز على أصدقاء الغرب فى المنطقة ومساعدتهم، فأقر «لويد» على ما ذكره «دالاس» بأن إجهاض وحدة مصر وسوريا لا بد أن ىجرى بأيد عربية بدلا من أيد غربية، وأن موقف بريطانيا يتطابق مع موقف أمريكا كل التطابق، وقال: نحن لن نقوم بأى مبادرة، لقد حاولنا ذلك فى العام الماضى ولم ننجح فى تحقيق أى شىء..وكان من رأى لويد: أن رد الفعل إذا ما جاء من جانب الدول الغربية، فلن ينتح عنه سوى اتهامها بالإمبريالية، ولهذا فإن المطلوب هو رد فعل عربى موحد، يؤدى إلى نموذج جديد للتعاون العربى وإلى تجمع عربى آخر، وأكد لويد أنه إذا حدث هذا فإن بريطانيا سوف تؤيده.
تستخلص «سراج الدين» من هذه المناقشات «أن الخطوط الأساسية للمنهج الأمريكى البريطانى انحصر داخل فكرة واحدة، هى تحميل أصدقاء الغرب فى المنطقة مهمة التصدى للوحدة، دون أن يكون للغرب دور ظاهر فيها، فاللعبة ستكون مباراة بين مصر والدول العربية الأخرى، والغرب سيكون جزءا غير مرئى من هذه اللعبة، وسيكتفى برد الفعل، وفى ضوء ذلك سعت الأطراف الغربية إلى العراق ليحارب مصر وسوريا ويتصدر هو ترتيب عملية تمزيق الوحدة.