دعا الزعيم الوطنى مصطفى كامل، المصريين، إلى تقديم عرائض إلى الخديو عباس الثانى للمطالبة بالعفو عن مسجونى حادثة دنشواى، لكى يمحو أثرا من آثار الظلم الذى وقع بالأبرياء من شهداء هذه الحادثة، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية».
وقعت هذه الحادثة فى قرية «دنشواى» بمحافظة المنوفية يوم 13 يونيو 1906»، وضحاياها كانوا فلاحين فقراء، وجلادوها من الضباط والجنود إنجليز، ووفقا للرافعى: «بدأت بوصول كتيبة من نحو 150 ضابطا وجنديا من قوات الاحتلال الإنجليزى إلى منوف، فى طريقهم من القاهرة إلى الإسكندرية، وأبلغ خمسة ضباط منهم مأمور مركز منوف برغبتهم فى صيد الحمام فى دنشواى، التابعة لمركز الشهداء، وطلب المأمور من عبدالمجيد بك سلطان أحد أعيان قرية «الواط» تجهيز مركبات للضباط لتوصيلهم من «كمشيش» إلى «دنشواى».
يذكر»الرافعي»، أن الضباط الخمسة انقسموا إلى فريقين، واحد يصطاد الحمام من على الأشجار، وفريق يصطاد من أجران القمح، حيث كانت هذه الأيام هى أيام حصاد المحصول، وفى جرن محمد عبدالنبى، صوب ضابط بندقيته نحو حمامتين، فصاح شقيقه «شحاتة» محذرا والشيخ حسن على محفوظ، لكن الضابط لم يستجب، فأصاب «أم محمد» زوجة محمد عبدالنبى، واشتعلت النار فى الجرن، فأقبل الرجال والنساء والأطفال صائحين: «الخواجة قتل المرأة، وحرق الجرن»، وأحاطوا بالضابط، فجاء باقى زملائه لإنقاذه، وتصاعدت الأمور بوصول شيخ الخفر والخفراء لتفريق الجموع الغاضبة، لكن الضباط ظنوا بهم شرا فأطلقوا النار عليهم، وأصيب شيخ الخفر فى فخذه واثنين آخرين منهم خفير، فصاح الأهالى: «شيخ الخفر اتقتل، شيخ الخفر اتقتل»، وهجموا على الضباط بالطوب والعصى فأصيب الماجور «بين كوفين» قومندان الكتيبة، وجرح الملازمان سميث ويك، وبورثر بجروح خفيفة، وأحاط الخفراء بهم، وأخذوا منهم أسلحتهم وحجزوهم إلى أن جاء البوليس وحملوهم إلى المعسكر.
وعلى باب سوق «سرسنا» سقط الكابتن بول، بعد أن قطع مسافة ثمانية كيلومترات عدوا من «دنشواى» حيث فر هاربا، ومات متأثرا من ضربة شمس، وحين وصل النبأ إلى معسكر الكتيبة الإنجليزية فى «كمشيش» سارع الجنود إلى مكان الواقعة، ولما بلغوا «سرسنا» وظنوا أنها «كمشيش» ووجدوا ضابطهم ملقى على الأرض، يناوله سيد أحمد سعيد، الفلاح بالقرية قدحا من الماء، فظنوا أنه ممن اعتدوا عليه، فضربوه ببنادقهم، وطعنوه حتى هشموا رأسه، ومات بين أيديهم، وعرف هذا القتيل بـ«شهيد سرسنا».
تم القبض على عدد كبير من أهالى دنشواى، واستمر التحقيق أياما، وتشكلت محكمة خصوصا لنظر القضية برئاسة بطرس باشا غالى وزير الحقانية وآخرين من الإنجليز، وأحمد فتحى بك زغلول باشا رئيس محكمة مصر الابتدائية، وشقيق سعد زغلول، وقام المحامى إبراهيم الهلباوى بدور النائب العمومى، وفى 27 يونيو 1906 قضت المحكمة بإعدام أربعة، واثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبالسجن 15 سنة على واحد، وسبع سنوات على ستة آخرين، وثلاثة بالحبس سنة، وجلد كل واحد منهم بخمسين جلدة، وبالجلد على خمسة.
فى 28 يونيو 1906 نفذت الأحكام بطريقة وحشية، وبانتقام وإذلال، ووفقا للرافعى: «كان التنفيذ فى المكان الذى مات فيه الكابتن بول وفى مثل الساعة التى وقعت فيها الحادثة، ونصبت المشنقة وآلة الجلد، وفى الساعة الثانية بعد الظهر نفذ الحكم فى المشنوق الأول علنا على مرأى ومسمع من أهله وذويه، وبين صياح النساء ونواحهن، وبقى معلقا بينما نفذ حكم الجلد فى اثنين، ثم شنق الثانى، يليه جلد اثنين آخرين وهكذا تمت المجزرة».
يذكر الرافعى، أن مصطفى كامل كان فى أوروبا أثناء وقوع هذه المأساة، وكتب مقالا فى جريدة «الفيجارو» الفرنسية الشهيرة بعنوان»إلى الأمة الإنجليزية والعالم المتمدن» يفضح فيه هذا الظلم، فأقيل اللورد كرومر المندوب السامى للاحتلال البريطانى فى إبريل 1907، ثم دعا مصطفى كامل المصريين، إلى تقديم العرائض إلى الخديو للإفراج عن المسجونين، ويؤكد الرافعى أن عددها بلغ 148 عريضة، وعليها توقيع 12670 من المصريين، وتردد صدى هذه الحركة فى أوروبا وإنجلترا، إذ طالب بعض النواب الأحرار فى البرلمان البريطانى بالإفراج عن مسجونى هذه الحادثة، وتقرر ذلك على أن ينفذ العفو يوم عيد جلوس الخديو (8 يناير 1908) لكن تم الإفراج عنهم فى 7 يناير، مثل هذا اليوم، 1908 خشية أن تحدث مظاهرات فى يوم عيد الجلوس.
كان المفرج عنهم تسعة، منهم ثلاثة كانوا فى سجن الدلتا وهم، محمد عبدالنبى، وأحمد عبدالعال محفوظ ومحمد مصطفى محفوظ، وواحد فى سجن أبوزعبل وهو العيسوى محمد محفوظ، وخمسة كانوا بليمان طرة وهم، أحمد محمد السيسى، وعبده البقلى، ورسلان السيد وعلى سمك، وعلى على شعلان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة