أنعم الله علينا بالعقل وجعله منظمًا ومتحكمًا وضابطًا لكل ما نقوم به من ممارسات بمختلف صورها وأغراضها، وللعقل الفضل في كبح جموح النفس التي تسارع للانزلاق في نزوات جنسية غير سوية حرمها الحكيم العليم؛ ليصبح الإنسان مؤهلًا للخلافة الحقيقية في الأرض، ومن ثم يمتلك مقومات الإعمار من خلال فكر رشيد قويم واستثمار للطاقة في مكانها ونصابها الصحيح.
وميز الله الإنسان بالعقل عن سائر مخلوقات الأرض وأعطى له صلاحيات التحكم فيها وفي كل هوى وميول يهدر ماهية الطبيعة الإنسانية؛ حيث إن الجنوح في كثير من الأحيان يؤدي إلى الهلكة، والتيه عن الصراط المستقيم الذي يضمن للإنسانية جمعاء أسباب ومسببات السعادة، في خضم أهداف نبيلة خلقنا من أجلها، تدور حول رضا الخالق، ونيل غفرانه، وتحقيق الصحة العامة لدى الفرد؛ إذ يمتلك النفس الراضية المطمئنة.
ونوقن جميعًا نحن بنو البشر بأن اقتراف الخطأ أمر لا إشكالية فيه؛ لكن الانزلاق في بوتقة الرذيلة وتيه المعاصي يجعلنا نفقد ماهية النفس اللوامة التي تحثنا دائما إلى الرجوع للرشد والصواب، وتحضنا على التمسك بصحيح العقيدة وتعاليمها التي تضمن تجنب ممارسة كل ما هو شاذ ومخالف للفطرة السليمة وقوانين الطبيعة؛ فمن يبرر لتقبل المرض المجتمعي المتمثل في العلاقات غير السوية؛ فإنه يشارك في هدم بنيان الله في الأرض ويدمر أجمل وأفضل وأحسن مخلوق على وجه البسيطة.
وندرك أن لكل داء دواء، ومن ثم كان لزامًا علينا العمل على تشخيص المرض بمنهجية علمية؛ كي نتمكن من صياغة مقترح علاجي يسهم في استئصال شأفته، ومن ثم نستطيع أن نحافظ على علاقاتنا السوية، وندحر كافة المحاولات التي تستهدف النيل من مجتمعنا، وهنا لا بد من مواجهة من يبررون للشذوذ ويعززون العلاقات السوية ويدعمونها بمواثيق الحريات الزائفة وما تنادي به حقوقيات مكذوبة.
إن ابجديات حقوق الإنسان تبدأ بالحفاظ على وجوده وضمان سلامة نسله؛ ليصبح قادرًا على مواصلة مسيرة الإعمار في الأرض، وخروجه عن هذا السياق يعد هدرًا حقيقيًا لحقوق الإنسانية جمعاء؛ فمع العلاقات غير السوية تصبح الأرض خواء؛ فلا أنساب ولا نسل ولا أمل في مستقبل بشرية تسعى إلى تلبية غرائز ونزوات وشهوات تدمرها بمزيد من الأمراض البدنية والخلقية والنفسية، ناهيك عن ذهاب الخيرات وانتظار الهلكة التي تقع لا محالة.
وثمة وجوبية تقع على كاهل المجتمع بأسره في علاج ظاهرة العلاقات غير السوية، وإن كان هناك ضرورة لتمهين أخصائيين يمتلكون الخبرة في تقديم الدعم اللازم لذوي الاحتياج، فبدون شك هناك أسباب متباينة تؤدي لحدوث العلاقات غير السوية بغض النظر عن مستوى الطبقات الاجتماعية للأفراد، ومن ثم تحتاج لدراسة وتأمل ومقترح علاجي يعمل على إزالة الأسباب ثم اتباع منهج حياتي صحيح يتعافى كي يتعافى المريض من مرضه العضال.
ولا يخفى علينا أن قوى الشيطان الداعمة لارتكاب المعصية التي عززها النفس الأمارة بالسوء وتتزامن معها متغيرات أخرى عديدة تجعل الفرد يتجرع كأس مذلة خطيئة العلاقات غير السوية، وباعتبار أن الإنسان ضحية لكل هذا فإنه ينبغي أن نمد له يد العون ليخرج من براثن الرذيلة إلى طريق الهدى والنور والتوبة النصوح؛ فيعيش كرامة حياة الأسوياء ويمارس ما شرعه رب العالمين؛ فيهنأ ويؤجر في الدارين.
ودعونا نستعرض سويًا بصدق نوايا وإخلاص ما قد يُسهم في المعالجة، أو الاحتراز والوقاية، والبداية من مخاطبة لينة للوجدان الذي يستوعب النصح من خلال العقل والفؤاد وأبواب القلب؛ فنؤكد للفرد الذي وقع فريسة للعلاقات غير السوية على أن باب الرحمات والغفران مفتوح وأن الوقوع في الخطأ يسهل إصلاحه والرجوع عنه بتوبة صادقة نصوحة؛ فلا يأس من رحمة الله تعالى ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. النور: 5.
والتعامل مع الوجدان يكون من خلال المربين والمتخصصين وأصحاب الرسالة السامية من دعاة ووعاظ بالحكمة؛ فهناك مراحل للترغيب وأخرى للترهيب، ومن ثم فالأمر يحتاج لفطنة وحرفية في التناول بعد دراسة مستفيضة لظروف الحالة المعنية بالعلاج، ونؤكد على اهتمامنا بهذا الأمر يحقق فلسفة تكافل المجتمع وتآزره في التغلب على مشكلاته، ويعضد النسيج المجتمعي؛ فلا تنخر فيه مسببات الفرقة والشرذمة، كونه مجتمعًا عفيفًا يتمتع بالصحة المتكاملة والخلق الحميد.
ونود الإشارة إلى أن سياق النفوس تجاه شريعة الواحد الصمد بالموعظة الحسنة وتهيئة النفس وترويضها ودفعها إلى الطاعات بمزيد من التشجيع والمتابعة يعضد لدى الإنسان الشعور بالراحة النفسية والرضا الداخلي ويرغبه في مزيد من أعمال الخير والطاعة والبر ويبعده عن مذلات الشيطان وغيه ويضعف لديه مطالب النفس الأمارة بالسوء ويقوي لديه مقومات النفس اللوامة؛ فتحدث الهداية ويزداد الإنسان صلة بربه.
وإذا ما تهيأ الوجدان لمداخل الطاعة وهجران المعاصي والآثام، نستطيع أن نعزز ثبات الإنسان على طريق الصواب والهداية وذلك من خلال صقل معارفه حيال تلك القضية الخطيرة ليستوضح ويطالع بعمق عواقبها التي تقع عليه بصورة مباشرة وغير مباشرة، وهذا مكمل علاجي غاية في الأهمية؛ حيث يحدث صراعًا معرفيًا بين قناعات أسست على باطل ومبررات واهية، ومعلومات صحيحة قائمة على شاهد ودليل، ومن ثم يستبدل المفهوم الخطأ لديه بالصحيح.
وهناك أمور ينبغي الحذر منها في مراحل النمو الأولية للأبناء منها تجنب العقاب البدني الذي يصيب الفرد بالعديد من الأمراض النفسية المتلازمة؛ فيصبح سهل المنال لأي محاولات إغراء أو استمالة من أصحاب الهوى، كما ينبغي الحذر من وقت الفراغ الذي يجذب الفرد لأن يضيعه في أمور غير مجدية مما قد يجعله عرضة لأن يقع في المحظور، ومن ثم يتوجب أن تكون هناك هواية يستثمر من خلالها طاقات وقدرات ومواهب الأبناء.
ومن الصعوبة بمكان أن نتجاهل أهمية الرفقة الصالحة سواءً أكانت من داخل محيط الأسرة أم من خارجها؛ لما لها من دور إيجابي في طرد وساوس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، مع تجنب الاختلاط الذي قد يؤدي إلى أفعال غير مشروعة أو يصيب الفرد بالفتور فيرى نفسه منسجمًا مع جنسه دون الطرف الآخر.
نحتاج أن نلاحظ ونراقب عن كثب ممارسات وأفعال الأبناء في مقتبل فترة المراهقة ولا نتسمع لمن يتقول ويتغنى بماهية الحرية المطلقة غير المسئولة؛ فإن مآلها للانحراف لا محالة، ومن ثم يتوجب المتابعة وملاحظة التغيرات في السلوك والألفاظ، ومراجعة المواقف حتى يتسنى لنا تقويم المعوج باللين والمحبة والاحتواء؛ فترك الحبل على غاربه يؤدي إلى تكوين علاقات غير سوية في وقت قصير، ويضير بالبنيان الذي نكابد من أن يكتمل وهو في خير حال.
ويعد غرس القيم والعمل على تنمية السلوكيات والممارسات الحميدة المرتبطة بها أمر لا مناص عنه؛ حيث يجنب الأبناء شرور الاستمالة والاستهواء التي تتناثر وتتكاثر عبر الفضاء المفتوح الذي يعج ويموج بالمحتوى الذي يدعو لتقبل المنحرفين ويحرض ويحفز على ممارسة العلاقات غير السوية باعتبارها تشكل متعة من حق كل فرد أن ينال قسطه منها.
ونذكر بأن العلاقات غير السوية من أضلع مثلث تدمير الشعوب الذي تمتد آثاره في سائر مجالات الحياة؛ حيث إن انتشاره يقوض مسارات التنمية ويهتك النسيج المجتمعي ويقتل الرغبة في الإعمار ويضير بالمقدرات البشرية والمادية، ولا نبالغ إذ نقول ويذهب بالشعوب والمجتمعات للهاوية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.