إن عبقرية التعاون الدولي يقوم على فلسفة حميدة تتمثل في تعضيد العلاقات الإنسانية بين الشعوب ومؤسساتها والتي يتمخض عنها شمولية الشراكات من أجل بلوغ أهداف سامية تتمحور في مجملها حول التنمية المستدامة؛ بالإضافة إلى التضافر البناء تجاه حل المشكلات والأزمات والتحديات التي تواجه هذه الدول.
ومنهجية الدبلوماسية الرئاسية تؤكد في كليتها على ماهية التعايش السلمي عبر أسلوب راقي يقوم على قيم ومبادئ تتحلى بها قيادتنا السياسية؛ حيث النزاهة والشفافية والعدالة هي الأسلوب الأمثل في التعامل مع الجميع؛ لذا كان من السهل أن يعيد سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي انضمام الدولة المصرية للاتحاد الأفريقي بعد غياب طال انتظاره؛ لتتحقق الشراكة الفعالة والمثمرة في مجالاتها المختلفة مع دول القارة السمراء.
والمتابع لما تبذله الدبلوماسية الرئاسية بشكل متواصل من أجل تعضيد العلاقات مع دول الجوار وخاصة دول القرن الأفريقي يستهدف تحقيق سياجًا للأمن على المستوى الإقليمي والعالمي، ويحدث نوعًا من التناغم في تبادل المصالح المشترك التي تقوم على قيم ومبادئ مشترك ومنفعة غير منقوصة تحقق السيادة والاحترام لجميع الأطراف، وهذا ما أتاح للدولة المصرية مجال الاستثمار في دول القارة السمراء؛ حيث وقعت العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع كثير من دول القارة الأفريقية، ووضعت الإجراءات التي من شأنها تسهيل حركة التجارة وتشجيع المستثمرين من الطرفين لوضع رؤوس الأموال في مشروعات قومية كبرى.
وإشارة الرئيس في كلمته إلى مصطلح العلاقات الأزلية يؤكد على أن مصر لها تاريخ غائر ومشرف في خضم العلاقات الدولية، كونها تتفرد بموقعٍ جغرافيٍ متميزٍ، تستثمره في تقديم صور المساعدات التي تخدم الإنسانية، وتزيد من أطر التعاون، وفي ذات الوقت تنتهج أسلوب التوزان التي تختص بها الدولة دون غيرها من الدول تجعلها تسلك الطريق الصواب في علاقتها الرائدة مع كافة الدول في شتى المجالات الاجتماعية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتعليمية، والصحية، بما يصب في مسارات التنمية المستدامة.
وما ذكره فخامة الرئيس من "مواجهة تحديات مشتركة" يهدف إلى أن القارة السمراء تُعد مكملاً رئيساً للأمن القومي المصري بصورة قوية؛ لذا سعى سيادته للمساهمة في حل النزاعات القائمة، وما تزال تلك المساعي قائمة؛ فاستقرار دول الجوار ومنها السودان وليبيا من أولويات الدولة المصرية قيادة وشعبًا، وفي هذا الإطار جاء الاهتمام الرئاسي بتدشين العديد من المؤتمرات والملتقيات واللقاءات والدعوة للسلام والتشاور المشترك البناء مع الدول الأفريقية؛ لبحث ملفات شائكة، والتوصل لحلول ترضى كافة الأطراف.
وزيارة الرئيس المتكررة لدول القارة الأفريقية في تلك الفترة العصيبة التي يخيم عليها التوتر وتتزايد فيها النزاعات والصراعات وتحاول من خلالها المليشيات المسلحة من دول تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار ببعض الدول الأفريقية، وهنا تتأكد أهمية العمل على مواجهة تحديات مشتركة؛ فمبدأ مصر الواضح أنها تعمل على مبدأ واضح يتمثل في نشر السلم والسلام على المستوى الدولي؛ حيث إن تكلفة الحروب باهظة على كافة المستويات، ورغم ذلك لا تخضع ولا تستسلم لأمر واقع يضعف من سيادتها ويفتر من عزيمتها؛ لكن استخدامها للقوامة العسكرية نراها جاهزة.
وندرك أن التشاور للوقوف على سُبل التصدي لمخططات وتحركات؛ تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة؛ إنما يدل على أن ضمانة حدوث نهضة تنموية بالقارة السمراء بعيدًا عن تحقيق مقومات الأمن والأمان في تلك الدول بات أمرًا مستحيلًا؛ لذا تعاونت الدولة المصرية ومؤسساتها العسكرية والأمنية بتوجيهات ومتابعة مستمرة من قيادتنا الرشيدة في تعزيز الجانب الأمني للدول الأفريقية؛ ليعم السلام ويقهر الإرهاب الممول بشكل جذري؛ لتبدأ رحلة التنمية المستدامة في مجالاتها المتنوعة.
إن الشعوب الأفريقية التواقة للسلام والاستقرار والرخاء ساهمت في تبرم العديد من الاتفاقيات المصرية الأفريقية في مجال التعاون الاقتصادي؛ حيث قدمت الدولة المصرية بكل جدية كافة المساعدات التي تساعد على التنمية الاقتصادية في صورتها الإجرائية، وفي هذا الإطار ولاستكمال الجهود التنموية في المجال الاقتصادي اتفقت الدولة المصرية على العديد من المشروعات الضخمة مع بعض الدول الأفريقية، تحت رعاية مباشرة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويشكل التعاون المصري الأفريقي مركز ثقل استراتيجي في القارة السمراء والمنطقة؛ حيث يسهم في إحداث نقلة نوعية في العديد من المجالات وفي مقدمتها التنمية الاقتصادية في العديد من الدول وخاصة الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وهذا يؤكد أن مصالح الدول هي الأبقى، وأن استدامتها لا يستطيع أن يحجمها أحد، ومن ثم كان وجوبيًا العمل على تعزيز التعاون لتأمين حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتعظيم الاستفادة من موارده الطبيعية.
كما تزخر الدول الأفريقية بالعديد من الثروات والفرص الواعدة للتنمية والازدهار يؤكد إمكانية استثمار كافة الموارد الطبيعية التي لا تتوافر في كثير من بقاع الأرض، فهناك الموارد المعدنية الأساسية الخالية من مركب الكربون، ومنها البوكست والكوبالت والليثيوم والمنجنيز والفانديوم والبلاتين، وبرغم ذلك تقوم بتصديرها للدول الصناعية دون محاولة من الدولة المصدرة لتعظيم مواردها الطبيعية.
ومصر من الدول التي أيقنت ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية التي بها استكملت مسار نهضتها واستطاعت أن تتجاوز محنتها، وهذا ما جعلها صامدة رغم ما يحيط بها من تحديات وما تمر به من أزمات وما تواجهه من ضغوطات؛ حينئذ نرى قيادتها السياسية الحكيمة تلبي نداءات الإغاثة الصادرة من جميع دول العالم الشقيقة منها والصديقة، والعمل على دعم الجهود الإقليمية والدولية؛ بغية حفظ وبناء السلام في دول الجوار.
وتعالوا بنا نطالع ثمرات آليات التعاون والشراكة بين مصر ودول القارة السمراء، والتي قد تشمل الأطر الاقتصادية وغير الاقتصادية؛ فهناك العديد من مصادر المتجددة للطاقة النظيفة بهذه القارة والتي تجعلها توفر سبل النهضة والتقدم بدولها؛ فبواسطة توافر الطاقة تتمكن من توفير الخدمات التعليمية وتطوير المجال الزراعي والصناعي مما يوفر مقومات الأمن الغذائي ويوفر فرص مواتية للتنمية الاقتصادية ويجذب الاستثمار لدول القارة الأفريقية.
ونوقن أنه إذا ما تضافرت جهود الدولة المصرية مع دول القارة السمراء وفرضت حالة الاستقرار في البلاد، سوف تحدث طفرة تنموية غير مسبوقة؛ على سبيل المثال لا الحصر هناك العديد من صور الطاقة المتجددة بالقارة الأفريقية والتي منها الطاقة الشمسية؛ حيث إن نسبة الاشعاع الشمسي تعمل على توفير الطاقة الكهروضوئية بصورة مستدامة، وهناك طاقة الرياح التي تتمتع بها دول كثيرة في جنوب أفريقيا والقرن الأفريقي؛ لتوافر مصدر الرياح عالي الجودة، كما تتوافر مقومات الطاقة الكهرومائية والتي تنتج بواسطة اندفاع المياه عبر محطات التوليد؛ لتوافر الأنهار الرئيسة التي تساعد على هذا الأمر عبر سدودها، ومنها نهر النيل ونهر الكونغو ونهر النيجر ونهر زامبيزى؛ بالإضافة لطاقة الكتل الحيوية التي تنشء من السماد والنفايات فيما يسمى بالمواد العضوية.
إن المستقبل واعد حيال تنمية اقتصادية مستدامة؛ حيث الفرص المتاحة للطاقة المتجددة بالقارة السمراء ومنها الهيدروجين الأخضر، والذي ينتج من فصل المياه عن طريق التحليل الكهربائي؛ لتتحول المياه إلى هيدروجين يتم تعبئته وأكسجين ينطلق في الهواء، وهناك أيضًا الهيدروجين الأزرق الذي يستخلص من الغاز الطبيعي والذي يستخدم في إنتاج الأمونيا التي تصنع منها الأسمدة مما يوفر مقومات الأمن الغذائي لدول القارة الأفريقية.
وندرك جليًا أن صور التنمية الاقتصادية المستدامة مع دول القارة الأفريقية لا تنتهي حيث العديد من أطر التعاون بالقطاعات المختلفة في البناء والتشييد ومجال الطاقة وخاصة المتجددة منها، والزراعة والأمن الغذائي بتنوعاته، ناهيك عن الصناعات التحويلية؛ بالإضافة للسياحة بأنماطها المتنوعة.
إن لغة التقارب والتفاهم والتعاون مع شعوب القارة السمراء وقيادتها تحاول مصر تعضيدها عبر جهود الدبلوماسية الرئاسية والثقافية بما يعزز أواصر التعاون الدولي ويجذر العلاقات التاريخية مع دول القارة الأفريقية؛ حيث مساعي الدولة المصرية وقيادتها السياسية الرشيدة ماض دون توقف من أجل إحلال السلام وتحقيق الاستقرار في قارتنا الأفريقية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة