يسعى الرجل جاهد حياته كلها لتكوين المال والثروة، والسعي على حصوله من أي باب وبأي طريقه، ثم يجمعه، ويقول إنه يؤمن مستقبل الأبناء من العوز والحاجة، كأن الميراث الوحيد الذي يتركه لأبنائه هو ذلك المال، الذي يؤمن الحياة، وحاجة الجسد، كما يقولون، ولو أنه فكر في الأمر قليلا؛ لأدرك أن ما يتركه، إنما هو الأقل قيمة، والأتفه بين ما يحيط به، وإنه ينسى أو يتناسى الأهم، أن ترث أبنائك علما، تجاهد في أن يحصول عليه، وأدبا ترشدهم إليه، أن تشاركهم اختياراتهم وأحلامهم وأمالهم، أن تنفق كل مالك على عقولهم، خير لك من أن تترك لهم المال، وهم بلا عقول، ماذا سيصنع لهم المال؟ إن لم يكن هناك عقل متزن، وعلما يدرك ما بين يديه وأهميته، ماذا يصنع المال لجاهل؟ سوى إنه يحيا ويموت بلا هوية، أو قيمة، لا يجدها إلا في أعين من يقدسون المال ويعبدونه، فهي فيمة زائفة، من أدنى إلى أدنى، تحية جاهل لجاهل أغنى منه، إن المال إن لم يساهم في بناء عقل الإنسان وقلبه وأخلاقه، فلا قيمة له إذن، إن وجوده كعدمه، يجمع المال وهويظن نفسه أنه أعقل الناس، وأوفاهم حظا منه، ثم هو لا ينفقه إلا في ضرورات الجسد، ثم يموت بجهله تاركا المال دون أن يزيده إلا جهلا فوق جهله، ولو إنه استثمر في عقول أبنائه، لكان له حظا وافيا من الفطنة، ولك أن تتعجب من تلك العقول التي تستميت في جمعه، ولا ثمرة لما يجمعون، ثم هو يرحل غير مؤسوفا عليه، ولا مشكورا ولعل موته نجده لآخرين، أدركوا ما كان عليه من عته، وقلة عقل، فهناك رجال حظهم من الحياة ثروات فارغة، وإحكام العمة على رؤسهم، ثم ميلها، وأن يهرش في رأسه من الخلف، ثم يبدء حديث الحكمة والفطنة، فيخرج من فمه غثاء تنفر النفس الصحيحة منه، ولولا الحرج لتقيأت أمام ما يقولون، ولكن للمال سطوة تجعل من ذوي النفوس الضعيفة أمام المال أذناب، فإذا هى تسمعه كلمات الثناء لهذا الروث الخارج من فيه، وتكيل له المدح لما تفتق ذهنه به، مرات ثم هو يظن بنفسه الظنون، وأن الحكمة تتفتق من بين جوانبه، لتظهر على لسانه سلاسل من ذهب وألماس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة