عام مر على حرب طاحنة، أباد فيها جيش الاحتلال الإسرائيلى كل ما رآه صالحا للحياة، حرب ضروس، عام قاس، لا نبالغ عندما نصنف تلك الحرب أنها "الأقوى" والأكثر شراسة فى العصر الحديث، 356 يوم مر وما زال العرض مستمرا، إبادة، قتل، ذبح، تمثيل بالجثث، سرقة أعضاء، كل ما على الأرض مباح للقتل، عدو مختل!
365 يومًا من الإبادة الجماعية، خلفت انهيارًا تامًا وشاملاً للبنية التحتية للمنظومة الصحية الفلسطينية، مستشفيات توقفت عن العمل، وأخرى دمرت تماما، وفيات بأرقام مرعبة فى كل الفئات وأوبئة انتشرت وغزت كل أنحاء القطاع، باختصار، انهيار تام للمنظومة الطبية!
مشهد مرعب.. «هاتقطع رجلى يا عمى، مفيش حل تانى؟!»، «عضى على المنديل، وتحملى، مفيش حل تانى يا حبيبتى، هاقطعها!».. كلمات قد تبدو غريبة، غير مترابطة، حديث مأساوى بين طبيب فلسطينى هو الدكتور هانى بسيسو، وابنة أخيه عهد بسيسو، المشهد يبدأ على طاولة المطبخ المتسخة، ترقد «عهد» صاحبة الـ16 عاما، بين الحياة والموت، وبين هذا وذاك قدمها متهتكة إثر تعرضها لقذيفة دبابة إسرائيلية مباشرة اقتحمت منزلها مخترقة قدمها، ليصبح العم الطبيب أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يقطع قدم الفتاة اليافعة كى لا تموت بالغرغرينا، أو يتركها لتموت أمامه بالبطىء! فيقرران معا اختيار فقدان القدم وقطعها دون بنج!
ما سردناه ليس مشهدا سنيمائيا، فهو سيناريو واقعى، وواقع قاتل منذ بدء الحرب على غزة ، فالوضع الصحى متدهور، المنظومة الصحية انهارت، باختصار غزة فى «الإنعاش».
نفاد الأدوية.. «القطاع الصحى الفلسطينى فى مرحلة ما بعد الدمار» بتلك الكلمات بدء الدكتور محمد التوم، طبيب فلسطينى بوزارة الصحة الفلسطينية، حديثه عما يعانيه شعب فلسطين يوميا منذ الحرب على غزة، فأرقام الوفيات والشهداء لا حصر لها، هناك انتشار لأوبئة وأمراض مثل الأمراض الجلدية والتنفسية والنزلات المعوية والتهاب الكبد الوبائى بسبب الاكتظاظ والتلوث.
أضاف التوم، أن مرضى الفشل الكلوى يعانون بشكل خاص من نقص حاد فى أدويتهم، ويعانون كذلك من انتكاسات فى حالتهم الصحية بشكل متكرر، وهناك من يعانون من تأخير فى موعد الجلسات الخاصة بهم بسبب نقص المشافى.
وورد بإحصائيات المكتب الإعلامى، 3628 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال، خلفت 51615 شهيدا ومفقودا، منهم 10000 مفقود، و41615 شهيدا ممن وصلوا إلى المستشفيات، بينهم 16891 شهيدا من الأطفال، و171 طفلا رضيعا وُلِدوا واستشهدوا فى حرب الإبادة الجماعية، و710 أطفال استشهدوا خلال الحرب وعمرهم أقل من عام، و36 استشهدوا نتيجة المجاعة، و11458 شهيدة من النساء. وورد أيضا فى إصائيات المكتب الإعلامى: 986 شهيدا من الطواقم الطبية و85 شهيدا من الدفاع المدنى، و174 شهيدا من الصحفيين، و7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، و520 شهيدا تم انتشالهم من 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات، و96359 جريحا ومصابا، و396 جريحا ومصابا من الصحفيين والإعلاميين.
وأكدت الإحصائيات أن 69 % من الضحايا هم من الأطفال والنساء، و3500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، و12000 جريح بحاجة للسفر للعلاج فى الخارج، و10000 مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج، و3000 مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج فى الخارج، و1737524 مصابا بأمراض معدية نتيجة النزوح، و71338 حالة عدوى التهابات كبد وبائى بسبب النزوح، و60000 سيدة حامل تقريبا معرضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية، و350000 مريض مزمن فى خطر بسبب منع إدخال الأدوية، و310 حالات اعتقال من الكوادر الصحية، و34 مستشفى أخرجها الاحتلال عن الخدمة، و80 مركزا صحيا أخرجها الاحتلال عن الخدمة، و162 مؤسسة صحية استهدفها الاحتلال.
أطباء فلسطين.. أما عن اختيار الحالة التى يتم علاجها، فيقول شاهين طبيب مقيم جراحة عظام مجمع الشفاء الطبى «نفاضل لقلة الإمكانيات ونختار حالات بعينها دون الأخرى، فنحن نعتمد على نظام يسمى الترياج من ضمنه نصنف الحالات حسب الأهمية، أسود أحمر أخضر، أسود وهو الوفاة، أحمر خطير، أخضر حالة باردة، وهذا يعتمد على درجة إصابة المريض».
انتهاك الجثامين.. لم تكتف قوات الاحتلال بعمليات الإبادة الجماعية، ولكنها تجاوزت ذلك لتطال جرائمها الوحشية البشعة جثث الشهداء، على مدار عام من الحرب، لم تسلم جثامين الشهداء من أيدى «الاحتلال»، وهو ما كشفه المكتب الإعلامى الحكومى بغزة مع بداية الحرب منذ عام، حيث أدان وقتها ما بدر من قواته من أفعال غير إنسانية وانتهاك لحرمة 80 جثمانا للشهداء الفلسطينيين، لسرقة أعضائهم والتمثيل بجثامينهم، وتسليمها مشوهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة