• نشأتى فى حى حدائق القبة استفدت منها إنسانيا وفنيا.. واكتسبت خبرات كثيرة فى معرفة البشر والتعامل معهم
• درست الفلسفة ولم أدرس الفن الأكاديمى لكن تعلمت على يد أساتذة كبار
• جسدت شخصية والد أبو القاسم الشابى وأنا طفل بالمرحلة الابتدائية
• والدى كان يأتى لسينما الفالوجا يوميا ليأخذنى نائما بعد مشاهدة ثلاثة أفلام
• والدى كان يشجعنى على ممارسة الفن وشقيقى الأكبر كان يقول لوالدى: الواد ده بايظ ومش نافع
• حصلت على جائزة أفضل ممثل فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون وأنا ما زلت طالبا
• 2 جنيه أول أجر حصلت عليه فى التمثيل بالإذاعة
• زعلت جدا من أحمد زكى علشان حرمنى من دور الغفير فى مسلسل "الغربة" واعتذر عن المسلسل
• بعد مسلسل الغربة الناس كانت تقابلنى فى الشارع ويقولون لى"هراس جاى أهو"
• نور الدمرداش رفع أجرى من 4 جنيهات لـ12 فى مسلسل "على باب زويلة"
الحوار مع الفنان الكبير أحمد بدير متعة ما بعدها متعة، فهو يصنع البهجة في كل مكان يتواجد فيه، وفي مكتبه بمنزله بالسادس من أكتوبر جلست معه وسط كتبه وصوره وجوائزه، لنسترجع معا طفولته وشبابه وبداية شغفه بالفن، وأهم محطاته الفنية، وذكرياته مع نجوم كثير أحبوه وآخرين حاربوه، فهذا الحوار هو "حوار الذكريات"، تحدث فيه الفنان أحمد بدير بكل حب وفتح لنا قلبه وعقله، والحوار لا يخلو من "القفشة" و"النكتة" والفكاهة حاضرة معه في الحياة بشكل عام بعيدا عن التمثيل في المسرح أو أمام الكاميرات، وكأن مهمته في الحياة هي إسعاد الناس في كل وقت..
-
هل للحي الذي نشأت فيه تأثير إنساني وفني عليك ؟
أنا من مواليد 1 مايو عام 1947، ونشأت في حي عريق من أحياء شمال القاهرة وهو حي "حدائق القبة"، وتأثرت جدا بكل مكونات هذا الحي، وبهذه التركيبة السكانية المتنوعة والمتباينة، واستفدت منها إنسانيا وفنيا، واكتسبت خبرات كثيرة في معرفة البشر والتعامل معهم، وكل على قدر ثقافته، فحي حدائق القبة، وبالتحديد شارع مصر والسودان له تأثير كبير علي في نشأتي وطفولتي، فهذا الشارع يصل لقصر القبة، وزمان كان الدولة تفتح هذا الشارع للجمهور في المناسبات وكنت صغيرا أدخل قصر القبة، وألعب بداخله وأستمتع مع أصدقائي بحدائقه الجميلة، وفي هذا الحي الذي نشأت فيه هناك تلاحم وتقارب وتعاطف بين الناس وبعضها، فقد عشت في حي شعبي البيوت فيه بجوار بعضها البعض، نتشارك فيه ونتبادل الزيارات وجميعنا نعرف بعض، ولذلك كان لهذا الحي تأثير كبير في الجانب الإنساني لدي، واحتكاكي بالبشر جعلني أنهل منهم الكثير فيما بعد واقدم شخصيات من واقع ما رأيت.
-
متى بدأ شغفك بالفن؟ وهل درسته فى معهد متخصص؟
لم أدرس الفن في أي معهد من المعاهد المتخصصة، لكني درست الفلسفة في كلية الآداب، واكتفيت بهذه الدراسة، ولم ألتحق بأي معهد أو كلية من الكليات الفنية، ولكني أحببت الفن منذ نعومة أظافري، وشغفت بالفنانين منذ كان عمري 7 سنوات ففي الحي الذي نشأت فيه كان كل أصحابي يلعبون الكرة، ويمارسون الألعاب الخاصة بالأطفال، لكني كنت أتركهم، وأصعد لسطح منزلي وأحضر صور الفنانين وأحضر عجينة وصندوق وأقوم بتحريك الصور عبر الصندوق لأصنع منه قصصا كأنها شريط سينمائي، كما شاركت في المدرسة الابتدائية في الأنشطة الفنية وجسدت شخصية والد أبو القاسم الشابي، أما في المرحلة الإعدادية فقد كان شغفي أكثر بمشاهدة السينما، فقد كنت أشاهد ثلاثة أفلام في اليوم من خلال ثلاث دور عرض، وكنت بالتحديد أدخل سينما "الفالوجا" بمنشية البكري، وسينما سهير، وسينما مصر وسينما كارمن بمنطقة العباسية، وأتذكر موقفا طريفا، وهو أنني كنت قد ذهبت لسينما الفالوجا، وكانت تعرض ثلاثة أفلام ثم تعاد مرة أخرى، وكانت السينما عبارة عن "دكك" وليست بها كراسي، وفي إحدى المرات أو في الكثير من المرات كنت أنام على هذه "الدكك" بعد مشاهدة فيلمين أو ثلاثة، ويأتيني والدي، ويحملني نائما، ويعود بي للبيت لأنه على علم بأنني في السينما، فكان والدي متصالح معي في موضوع حبي للفن وللتمثيل وللسينما، ولم يعترض مطلقا، وهو بالمناسبة كان ضابطا في الجيش المصري، وشقيقي الأكبر "رضوان" كان ضابطا أيضا لكنه عكس والدى كان يكره التمثيل وكان دائما يقول لوالدى: "الواد ده بايظ مش نافع"، وكنت أخاف منه، لكن والدى ووالدتى كانا يشجعانى.
-
هل استمر شغفك بالفن في المرحلة الثانوية أيضا ؟
في المرحلة الثانوية تغير شغفي، فلم يكن شغفي التمثيل لكني أحببت الإخراج والتأليف، فقد كنت أكتب مسرحيات وأخرجها في مراكز الشباب بجزيرة بدران وحلمية الزيتون، وكنت أيضا أخرج للشركات وللمصانع، وأخرج في كلية المعلمين في روكسي، وظللت في هذه المرحلة لفترة طويلة وهي مرحلة الهواية حتى جاءت الفرصة لأنتقل لمرحلة جديدة وهى الاحتراف، عندما جاء صديق لى وجارى أيضا يعمل مساعد مخرج مع المخرجة مجيدة نجم، واسمه "فرجانى"، وقال لى: هناك مسابقة فى الإذاعة "روح قدم فيها" فقلت له: ده فيه آلاف بيقدموا فيها، فقال لي: قدم بس وإن شاء الله يقبلوك، وتقدمت بالفعل للإذاعة ونجحت وأصبحت الإذاعة بالنسبة لي هي الفن فكنت أقضي كل وقتي هناك "قاعد نايم فيها" أقدم الأدوار والشخصيات، وأول جائزة حصلت عليها كانت في الإذاعة من خلال مسلسل "أبدا لم يكن لها" بطولة فاروق الفيشاوي ونبيلة عبيد، وحصلت علي جائزة أفضل ممثل في مهرجان الإذاعة والتليفزيون وأنا مازلت طالبا، وهنا قلت لنفسي : " ده التمثيل حلو أهو وأنا لسه واخد جايزة "، وكان أجري في الإذاعة ( 2 جنيه ) في النص ساعة، ثم زاد لـ 4 جنيه فيما بعد عندما مثلت في التليفزيون.
-
كيف انتقلت من التمثيل بالإذاعة للتليفزيون؟ وكم كان أجرك ؟
كان هناك "طرقة" في الدور الثاني بمبني "ماسبيرو"، وبها مكاتب للمخرجين، وكنت أذهب أمام المكتب وأتمشي أو بالبلدي كده بـ" أتلكك" حتى يرانى أحد وألفت نظره، وفي إحدى المرات لفت نظر مساعد مخرج يعمل مع المخرج حماده عبد الوهاب، وسألني: أنت بتمثل، فقلت له: آه طبعا أنا أجرى 4 جنيه في النص ساعة، وهذا يعنى أننى لست كومبارس ولكن ممثل ولى أجر، فقال لي: طب أبقي عدي عليا، وسجل اسمي في دفتر لديه، وبالفعل عرفني بالمخرج حمادة عبد الوهاب، لكني قبلها كنت قد تعرفت على الكاتب محمد جلال عبد القوى، وهو بالمناسبة من كفر الشيخ، فاعتبرته بلديات أمى، فقال لى: أنا باكتب مسلسل إخراج حمادة عبد الوهاب، فقلت له: أه ده مساعد هذا المخرج كتب اسمي، ولكن عبد القوي كلم حمادة عبد الوهاب بنفسه، فذهبت وقابلته، وكان المسلسل اسمه "الغربة"، وكان الأبطال في البداية هم: أحمد زكي، فردوس عبد الحميد، واستدعوني لبروفة ترابيزة، وأنا فرحت جدا إني سوف أجلس مع كل هؤلاء النجوم، والمخرج وقتها رشحني في البداية لدور غفير مع الفنان حسن عابدين ينفذ عكس ما يقوله له، فيقول له مثلا "اقعد يقول له الغفير : ما جعدش ، ( لكنه يجلس ) ويقول له حسن عابدين : اقف ، فيقول له الغفير : ما واجفش "لكنه يقف"، وفرحت جدا بهذا الدور لأني وجدت فيه مساحة حلوة للكوميديا، و"هيعلم مع الناس"، وقمت بعمل بروفات كثيرة علي هذا الدور، ولكن أثناء بروفة، وفي حضور الفنان الراحل أحمد زكي والمخرج حمادة عبد الوهاب، قال أحمد زكي: أحمد بدير يعمل دور "قناوي"، وهنا زعلت جدا من أحمد زكي لأني كنت قد أحببت دور الغفير الكوميدي الذي به مساحة جميلة، فقلت له وللمخرج: اللي تشوفه يا أستاذ، وأخذت الدور الآخر فوجدته يقول جملتين طوال أحداث المسلسل.
-
كيف صنعت لنفسك المساحة والتأثير في دور "قناوي" وبجملة واحدة "هراس جاي"؟
فكرت كثيرا في صناعة تفاصيل للدور وبحثت عن الكثير من المفردات من الشخصية نفسها ومنها جملة : "هراس جاي .. هراس جاي"، وفي أول يوم تصوير طلبت من الماكيير "ذقن كبيرة" فقال لي : هنجبلك منين، لكنه تصرف، وجمع لي بواقي الشعر من الناس التي كانت تحلق وصنع منه ذقنا لي، وأثناء "تمشيتي" في البلاتوه وجدت "بندقية خشب قديمة" فأخذتها، ووجدت فرع زرع، فوضعته في "بوز" البندقية، فصنعت للشخصية تفاصيل، لأن الشخصية لرجل لديه وفاء جدا لهراس وهو الدور الذي كان سيقدمه الفنان أحمد زكي، لكنه اعتذر وجاء مكانه سعيد عبد الغني، وقمت وقتها بتجريب طريقة النطق للحوار وبخاصة جملة "هراس جاي" ومع التفاصيل الخاصة بالبندقة وفرع الشجرة والملابس صنعت "الكاراكتر" لشخصية قناوي.
-
ما السبب في تعلق الجماهير بشخصية "قناوي" لدرجة جعلتهم يسمون المسلسل "هراس جاي" بدلا من "الغربة" ؟
لا أعرف السبب ولكن بالفعل بعد عرض المسلسل أصبح الجمهور لا يقول اسم المسلسل ولكن يقولون مسلسل "هراس جاي"، وحققت بهذا الدور نجاحا جماهيريا كبيرا، وبالمناسبة هذا المسلسل لم يكن لدى الممثلين فيه حالة رضا عنه، وكانوا يتوقعون فشله ويتمنون عدم عرضه ولكن بالتأكيد أنا عكسهم فقد كنت أتمني عرضه، وأدعي ربنا لكي يعرض سريعا ، واثناء عرضه حقق نجاح كبير جدا، وكان الجمهور في الصعيد وفي الأرياف وفي كل المحافظات ينتظر هذا المسلسل علي المقاهي وفي البيوت، وكان يستخدم رسامي الكاريكاتير، وصانعي" النكات " جملة : " هراس جاي "، وكان هذا دفعة كبيرة لي، وكانت الناس تقابلني في الشارع ويقولون لي : هراس جاي أهو، وهذا هو ما منحني الثقة في الاستمرار في التمثيل وترك موضوع الإخراج والتأليف في الشركات ومراكز الشباب.
-
كيف تم ترشيحك لمسلسل "على باب زويلة " مع الراحل نور الدمرداش ؟
تعرفت عليه بالصدفة، وأسند إلى دور "مجذوب" في مسلسل "على باب زويلة"، ورفع أجرى من 4 جنيهات إلى 12 جنيها، وقلت لنفسي وقتها: "لا .. ده أنا كده وصلت للمجد بقى"، وشاركت بعدها مع المخرجة علوية زكي في "نهر الملح"، وبدأت مرحلة جيدة في التليفزيون، وقدمت مع المخرج إبراهيم الشقنقيري أعمالا كوميدية مثل : نروح القسم ، اتنين اتنين، وغيرها من الأعمال.
-
كيف دخلت سينما يوسف شاهين ؟ ومن رشحك للعمل معه ؟
أثناء خدمتي بالجيش كان معي في نفس مكان الخدمة مساعد المخرج حسام علي وكان أيضا يعمل كمدير إنتاج مع المخرج الكبير يوسف شاهين، وكان معي بالمناسبة في هذه الفترة بالجيش المصري كل من : محمود الجندي ومحسن زايد ، علاء الغيطاني "مدير إنتاج" وشاركنا جميعا في حرب أكتوبر، وأتذكر وقتها أنني قلت لحسام علي: نفسي اشتغل سينما مع أستاذك يوسف شاهين، فقال لي: إن شاء الله، وفي شهر رمضان وجدته يتصل بي بعد الفطار من خلال تليفون البقال، وقال لي: تلبس وتجيلي حالا استوديو مصر وهات معاك واحد طويل زيك هيعمل معاك مشهد في فيلم "العصفور" للمخرج يوسف شاهين، وكان يسكن بجواري "فرجاني" صديقي الذي كان يعمل مساعد مخرج بالإذاعة، وتوسلته أن يأتي معي ويمثل، برغم أنه ليس له علاقة بالتمثيل وكان رافضا الفكرة لكني ضغط عليه وأشعرته بأهمية هذه الفرصة وأنه صديقي ولابد أن يقف بجواري فوافق علي مضض وجاء معي وقلت له: "راقبني ومثل زي ما أنا أمثل"، وكنا سنقدم دور اثنين من المساجين، وطوال الطريق أنصحه وأتوسل إليه ألا يضيع الفرصة دي من يدي لأنها مع يوسف شاهين، وكان فرجاني دوره جملة واحدة، فقلت لنفسي: الحمد لله أنها جملة، وبدأ المشهد وكان معنا فيه الفنان صلاح قابيل، وجاء يوسف شاهين وقال: يله نصور، وبدأ المشهد وقال الفنان صلاح قابيل جملته، وقلت جملتي ثم قال فرجاني جملته، وأنا متخوف من فرجاني أن يغضب منه يوسف شاهين ويطردنا أنا وفرجاني، لكن بدأ التصوير وقلت جملتي ثم فرجاني قال جملته دون أداء تمثيلى، فجاء يوسف شاهين: وقال تاني، وعدنا المشهد تاني، وهنا جاء يوسف شاهين، وجلس علي ركبتيه أمامي أنا وفرجاني، فقلت: بس كده هيشتمنا ويطردنا والسبب فرجاني وقلت في سري "الله يخرب بيتك يا فرجاني"، لكن يوسف شاهين اقترب مني وقال لي: "يا أخي خليك طبيعي زي صديقك فرجاني".
في الجزء الثاني من حوار الذكريات هناك قصص وحكايات أخرى نستكمل بها مسيرة الفنان أحمد بدير في السينما وفي المسرح، وسنعرف كواليس انضمامه لمسرحية "ريا وسكينة" والأزمات التي سببتها له مسرحية "دستور يا سيادنا" و"الصعايدة وصلوا"، كما سيتحدث عن نجيب الريحاني ومحمود المليجي ومدي تأثره بهما في مشواره الفني.