لا تزال أزمة الغاز تلوح فى الأفق فى أوروبا رغم مرور أكثر من عامين على حرب أوكرانيا، إلا أنه مع دخول الشتاء تنتاب القارة العجوز مخاوف كبيرة حول امدادات الغاز، حيث يشهد سوق الغاز فى أوروبا تحولاً عميقاً، يتسم بعوامل جيوسياسية تهدد بزعزعة استقرار العرض وزيادة التكاليف.
وقالت صحيفة 20 مينوتوس الإسبانية إن مرافق تخزين الغاز فى أوروبا امتلأت بنسبة 94% قبل موعدها فى الأول من نوفمبر، لكن تلك المخزونات لا تلبى سوى 30% من الطلب خلال الشتاء، وهو ما يثير المخاوف من زيادة الطلب فى الأشهر المقبلة مما يزيد الأزمة تعقيدا.
وحذر الرئيس التنفيذى لشركة جازبروم أليكسى ميللر مؤخراً فى المنتدى الدولى للغاز فى سانت بطرسبرج، من أزمة جديدة فى الغاز بحلول الشتاء، وسلط الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن استقرار سوق الغاز الأوروبية.
ووفقا لميلر، فإن التقلبات فى أسعار الغاز وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، ويمكن أن تؤدى إلى أزمات جديدة فى العرض والأسعار. ويحدث هذا فى سياق خفضت فيه أوروبا، منذ الهجوم الروسى لأوكرانيا فى عام 2022، اعتمادها على الغاز الروسي بشكل كبير، واستبدلت الكثير من هذا العرض بواردات من مناطق أخرى مثل الولايات المتحدة والنرويج، حسبما قالت صحيفة لابانجورديا الإسبانية.
ووفقاً لميلر، فإن العامل الرئيسى الذى يساهم فى هذه التقلبات هو تراجع التصنيع الذى تشهده أوروبا، حيث سجلت قطاعات مثل الصلب والأسمنت والمواد الكيميائية انخفاضات كبيرة فى الإنتاج بنسبة تصل إلى 10% فى العام ونصف العام الماضيين.
وقد أجبر هذا الاتجاه، المرتبط بارتفاع تكاليف الطاقة، العديد من الشركات الأوروبية على نقل عملياتها خارج المنطقة، وخاصة من ألمانيا، التى كانت تاريخياً قوة صناعية فى أوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة جازبروم عن انخفاض الطلب على الغاز فى الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة بنحو 11 مليار متر مكعب فى الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.
وعلى الصعيد العالمى، تتوقع شركة جازبروم أن يصل الطلب على الغاز الطبيعى إلى 5.7 تريليون متر مكعب بحلول عام 2050، مدفوعا بشكل رئيسى بالنمو فى الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند.
وهذا يضيف إلى فجوة تكاليف الطاقة المتزايدة بين أوروبا والاقتصادات العالمية الأخرى، مثل الولايات المتحدة، حيث تكاليف الطاقة أقل بما يتراوح بين 2 إلى 3 مرات، وأسعار الغاز أقل بما يصل إلى 5 مرات مما هى عليه فى أوروبا.
ومع ذلك، أشار ميلر أيضًا إلى أن الولايات المتحدة تشهد تباطؤًا فى إنتاج الغاز الصخرى وتزيد وارداتها من كندا، وهو مؤشر على القيود التى تواجه حتى واحدة من أكبر منتجى الغاز فى العالم.
وعلى الرغم من انخفاض الإمدادات الروسية إلى أوروبا، تواصل جازبروم استكشاف فرص جديدة فى الأسواق الناشئة، وتسليط الضوء على مشاركتها فى الجمعيات الدولية مثل البريكس.
وتشير هذه التغييرات إلى إعادة توجيه استراتيجى للشركة الروسية نحو أسواق خارج أوروبا، بينما تسعى الكتلة الأوروبية إلى تحقيق الاستقرار فى قطاع الطاقة لديها فى مواجهة تقليل اعتمادها على الغاز الروسى.
ومن الاستعدادات أيضًا، إجراءات لخفض الطلب على الغاز بنسبة 18% فى المتوسط، والاستعانة بإمدادات الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وواردات الغاز المسال الجديدة من الولايات المتحدة والنرويج.
وفى السياق نفسه، ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمى على الغاز الطبيعى ينمو بوتيرة أقوى خلال 2024، مقارنة بالعامين السابقين، واللذين تأثرا سلبا بالتقلبات الناجمة عن أزمة الطاقة الدولية، مشيرة إلى أن الإمدادات الجديدة من الغاز الطبيعى الواردة إلى السوق هذا العام محدودة بسبب النمو البطيء لإنتاج الغاز الطبيعى المسال، وتقلبات الأسعار الناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية.
وأضافت أنها تتوقع نمو الطلب العالمى على الغاز الطبيعى بأكثر من 2.5% على مدار عامى 2024 و2025، مع استحواذ الأسواق سريعة النمو فى آسيا على النصيب الأكبر من هذه الزيادة المقدرة.
وفى بريطانيا على سبيل المثال، انخفض إنتاج الغاز الطبيعى بشكل أسرع من المتوقع ما أدى إلى اعتماد أكبر على الواردات، حيث انخفض بنحو 13% هذا العام حتى أغسطس مقارنة بالعام الماضى، ويمكن أن يشهد نفس معدل الانخفاض فى عام 2024 بأكمله، ويُعتبر هذا تراجعاً أكبر من التوقعات السابقة التى كانت تشير إلى انخفاض بنسبة 10% لحوض بحر الشمال المتقادم فى المملكة المتحدة.
أما عن الأسعار، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى بفعل المخاوف من التوترات الجارية فى الشرق الأوسط، وارتفع سعر عقد الشهر الأمامى فى مركز "تى تى إف" الهولندى المرجعى فى أوروبا إلى 40.695 يورو لكل ميجاواط/ساعة يوم 4 أكتوبر الجارى، بزيادة 2.4% عن اليوم السابق، وفقًا تقييم منصة بلاتس التابع لستاندرد آند بورز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة