مع حلول موسم قطف الزيتون في شمال سيناء، يعود "سامي زعرب"، الرجل الستيني البسيط ذو الابتسامة الهادئة، ليستقبل مع شركاء له المزارعين فى معصرته التى كانت شاهدة على تطور هذه الصناعة عبر ثلاثة عقود.
سامى، الذي يبلغ من العمر 68 عامًا، يتذكر الأيام التى كانت فيها حبات الزيتون تُجمع يدويًا ويتم عصرها باستخدام أدوات بدائية بسيطة، اليوم، يتحدث عن هذا التطور بلهجة مليئة بالفخر والحنين، فهو ليس فقط صاحب معصرة زيت، بل شاهد على تاريخ الزيتون في شمال سيناء.
منذ ثلاثين عامًا، كانت عملية عصر الزيتون بدائية للغاية.. يتذكر "سامي" تلك الأيام حين كان الحجر الضخم يُجر بواسطة دابة، حيث توضع حبات الزيتون بين فكيه لتُسحق ببطء ويُستخرج الزيت، كان الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا من المزارعين، الذين كانوا يساعدون في وضع أثقالهم على الحجر لزيادة الضغط، والزيت الذي كان يخرج من هذه العملية يُجمع في أوعية معدنية تُسمى "صفيحة"، حيث يُخزن لاستخدامه لاحقًا، او بيعه في الأسواق.
يقول سامى، وهو يروى ذكرياته: "كانت تلك الأيام رغم تعبها ممتعة، كنا نعمل كعائلة واحدة، نتبادل القصص والنكات بينما ننتظر الزيت يتجمع في الأوعية." ويتابع: "البعض من المزارعين كانوا يقومون بعصر الزيت في بيوتهم بطرق تقليدية، حيث كانوا يستخدمون حجارة صغيرة لضرب الزيتون واستخراج الزيت."
مع مرور السنوات، بدأت معاصر الزيتون تتطور.. يشرح سامي كيف تم الاستغناء عن الدابة واستبدالها بمحركات كهربائية لتحريك الحجر، ما جعل العملية أسرع وأكثر كفاءة، ثم جاءت مرحلة التطور الكبيرة، حيث أصبحت المعاصر مجهزة بوحدات أوتوماتيكية حديثة تفصل الزيت عن الماء وتصفيه بشكل دقيق، وهو ما ساعد على تحسين جودة الزيت المستخرج.
اليوم، معاصر الزيتون في شمال سيناء لا تشبه تلك التي عرفها سامي في بداياته. يقول بفخر: "أصبحت المعاصر الآن وحدات متكاملة، تبدأ بتنقية الزيتون من الشوائب، ثم غسل الحبوب في أحواض خاصة، قبل أن تمر بمراحل العصر المتعددة، التي تشمل جرش الحبوب وخلطها، ثم فصل الماء عن الزيت، وتنقيته من الشوائب."
الزيت الذى يُستخرج اليوم يتمتع بنقاء وجودة عالية بفضل هذه التقنيات الحديثة، حيث يُخزن في عبوات مخصصة أو فناطيس كبيرة للاستخدام التجاري. ويؤكد سامي: "رغم كل هذه التطورات، يبقى زيت الزيتون المستخرج من أشجار سيناء مميزًا بطعمه وجودته، ويرجع ذلك إلى نوعية التربة الخاصة في هذه المنطقة."
يشعر سامي بأن هناك رابطًا روحيًا بين الزيتون وسيناء، تلك الأرض التي ذُكرت في القرآن الكريم. يقول بحماس: "سيناء ليست مجرد أرض، إنها مكان مقدس ارتبط بالزيتون عبر العصور، والتربة هنا تضفي على الزيت طعمًا لا تجده في أي مكان آخر."
على الرغم من التغيرات الكبيرة في طرق الري والزراعة، يوضح سامي أن هناك نوعًا من أشجار الزيتون في سيناء يعتمد فقط على مياه الأمطار، وهو ما يُعرف بالشجر "المعطش". هذا النوع كان شائعًا في المناطق الصحراوية والأودية، لكنه أصبح نادرًا الآن مع توسع المساحات الزراعية الحديثة التي تعتمد على مياه الآبار الجوفية.
في حديثه عن أنواع الزيتون، يذكر سامي أن هناك عدة أصناف تُزرع في سيناء، من بينها الزيتون الإسباني، الفنزويلي، والشملالي.
ويضيف: "نسبة الزيت المستخرج من الزيتون تختلف حسب نوع الشجرة والتربة والعناية بها، وتتراوح النسبة بين 12٪ و20٪."
هذا التنوع في أنواع الزيتون ينعكس أيضًا على طعم الزيت وجودته، وهو ما يجعل كل موسم حصاد مميزًا وفريدًا في حد ذاته.
ويضيف سامي: "موسم الحصاد يبدأ عادة من منتصف أكتوبر حتى نهاية ديسمبر، وأشهر مناطق الإنتاج تشمل الشيخ زويد، العريش، بئر العبد، وحتى بعض مناطق وسط سيناء."
رغم التقدم التكنولوجي الذي شهدته معاصر الزيتون في شمال سيناء، يشعر سامي بالحنين إلى تلك الأيام التي كانت فيها عملية العصر تعتمد على العمل اليدوي والتفاعل الاجتماعي بين المزارعين. ومع ذلك، فهو يرى أن التطور كان ضروريًا لتحسين الإنتاج وزيادة كفاءة استخراج الزيت.
يختم سامي حديثه بابتسامة: "الزيتون في سيناء ليس مجرد محصول، إنه جزء من حياتنا وثقافتنا ومع كل موسم، نشعر بالفخر بأننا نساهم في الحفاظ على هذا التراث وتطويره ليبقى زيت الزيتون السيناوي مميزًا كما كان دائمًا."
سامي زعرب ليس فقط رجل معاصر الزيتون، بل هو شاهد على تاريخ كامل من التطور والتحول في شمال سيناء. قصته هي قصة الأرض والزيتون، قصة العمل الجاد والتطور المستمر، قصة التراث الذي يبقى جزءًا من هوية سيناء.