هل أنفقت مصر أموالها على الدول العربية والأفريقية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى؟ يثير خصوم جمال عبدالناصر هذه القضية دائما، ويزعمون أن مساعداته لهذه الدول استنزفت اقتصاد مصر طوال فترة حكمه، كما يزعمون أنه فعل ذلك جريا وراء طموح شخصى، وواجه عبدالناصر هذه القضية بنفسه، بعد انقلاب ضباط سوريين على الوحدة المصرية السورية يوم 28 سبتمبر 1961، ففى خطابه يوم «5 أكتوبر 1961»، تحدث عما قدمته مصر إلى سوريا خلال سنوات الوحدة «بدأت21 فبراير 1958»، وتجدد الكلام فى اجتماع الحكومة يوم 19 أكتوبر «مثل هذا اليوم» 1961، حسبما يأتى فى محضر الاجتماع بصفحتيه 36 و37، ويذكره سامى شرف مدير مكتب جمال عبدالناصر، فى الكتاب الرابع من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر».
انعقد الاجتماع فى قصر القبة، يوم الخميس، الساعة السابعة والربع، وقال الدكتور عبدالمنعم القيسونى، وزير التجارة والاقتصاد: «بخصوص النقطة التى أشار إليها الأخ فتحى الشرقاوى «وزير العدل - أكتوبر 1961 - مارس 1964»، الخاصة بالتعاون مع الدول العربية- خصوصا فى هذه الظروف–أخشى أن الظروف التى نمر بها والمرارة التى فى نفوسنا، قد تجعلنا نتراجع فى هذا الخط، وخاصة مع سوريا، هناك اتجاه فى سوريا بأن يعيدوا التعريفة الجمركية، ويعاملوا البضائع المصرية على أنها بضائع أجنبية حتى لا تتمتع بالتعريفة الممنوحة للدول الصديقة، ومن الجائز أن تكون لهم حجة قانونية فى هذا لعدم وجود اتفاقية جمارك بين البلدين، ولكنى أرجو أن نقابل الموقف بشىء من المرونة لنحافظ على النجاح الذى تحقق فى فترة الوحدة من تنشيط التجارة بين الإقليمين، فنحتفظ بالإجراءات الجمركية وبالتيسرات الجمركية المختلفة، وعندما تهدأ الأمور لا نواجه بأننا قمنا بهذا الإجراء، وأرجو أن يظل تخفيض الجمارك أو تعفى البضائع السورية من الرسوم الجمركية، لتحقيق الهدف الذى نسعى إليه دائما، وهو إقامة سوق حرة بين الدول العربية لمواجهة التكتلات الاقتصادية الغربية».
علق عبدالناصر: «سوريا - وحكومتها فى الوضع الحالى - لن ترحب بأية خطوة من جانبنا، ولن تقوم بأى خطوة للتقارب بين البلدين، من الممكن أن بعض الصناعات تأثرت عندنا خصوصا صناعة الحرير، ومن الممكن أن نسير بما هو موجود عندنا، ولكن لن نستورد، كان المجال أمام التاجر السورى أكثر من مجال التاجر المصرى، لأن التاجر السورى كان يعمل لإقليم تعداده أربعة ونصف مليون نسمة، أما التاجر المصرى فكان يعمل لإقليم تعداده 26 مليون نسمة»، أضاف عبدالناصر: «هناك نقطة وهى ظن الناس الخاطئ فى أننا نصرف ملايين الجنيهات فى سبيل التعاون العربى والعمل العربى، وهذا كلام غير حقيقى، فإن ما كنا نعطيه لسوريا سنويا هو مبلغ 2.5 مليون جنيه فقط»، رد القيسونى: «سوريا مدينة لنا بمبلغ 9 ملايين جنيه، وإذا أضفنا مبلغ الإعانة فتكون مدينة بمبلغ 13 مليون جنيه»، رد عبدالناصر: «العملية لم تكن تفريغ خزائن مصر فى سوريا، وكل ما أخذته سوريا هو 13 مليون جنيه».
وبالنسبة للعلاقات الأفريقية، قال عبدالناصر: «لم نعط معونات أو بقشيشا للدول الأفريقية، أعطينا قروضا لبعض هذه الدول مثل الصومال وغينيا ومالى، وهذه القروض تعطى لكى نستطيع أن ننافس أمريكا وإنجلترا وفرنسا فى أسواقها التجارية، وأننا ننتج سلعا لابد من تصديرها، وإذا أعطينا قروضا لهذه الدول تسدد فى خمس أوست سنوات بفائدة بسيطة، إذن العملية هى فتح أسواق لنا.. فلو قمنا بإعطاء مصنوعات مجانية عربية لبعض هذه الدول كمنحة فشأننا فى ذلك شأن أية شركة تمنح مصنوعاتها كعينة فتح سوق جديدة، فماذا يضيرنا لو منحنا إحدى هذه الدول، مثلا 2000 بندقية وثمن البندقية الواحدة عشرة جنيهات، فيكون ثمنها 20 ألف جنيه، شركة مثل «كروب» تمنح هدايا من إنتاجها بهذا المبلغ، فإذا منحنا بعض طائرات التدريب التى يبلغ ثمن الوحدة منها 2500 جنيه، أو بعض الذخيرة كما حدث عندما طلب رئيس الصومال نمده ببعض الطلقات النارية، لأن الموجود منها عندهم نفد، فأجبته إلى طلبه، نحن اليوم فى حاجة إلى تصدير سلعنا الصناعية وإلى فتح أسواق تجارية لنا، وهذا يستدعى منح بعض إنتاجنا كهدايا أو عينات».
أضاف «عبدالناصر»: «هناك إشاعة تقول بأن نصف أموالنا توزع على الدول العربية، والنصف الآخر على البلاد الأفريقية.. هذا كلام لا أساس له من الصحة.. نعمل من أجل إقامة سوق عربية مشتركة، لأن صناعتنا هى التى ستروج فى هذ السوق، لأننا الدولة الصناعية الوحيدة بين الدول العربية.. وبالنسبة لأفريقيا نسعى أيضا لإقامة سوق مشتركة، لأننا الدولة الوحيدة التى تنتج كل شىء فى أفريقيا.. أما بالنسبة لما نعطيه للجزائر فهو مبلغ مليونى جنيه سنويا، ولم نستطع تحويلها لهم بالدولار أو بالإسترلينى، وقلنا لهم نعطيها لكم أسلحة وبضائع، وهذا المبلغ لم يأخذوه.. كل الكلام الذى يقال الغرض منه إشعار الناس أن أموالهم تضيع هباء.. وهذا غير حقيقى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة