عام على "حرب غزة" التى كانت "الامتحان الكاشف"، كما وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى، للمجتمع الدولى الذى وقف عاجزاً مكتوف الأيدى عن حماية المدنيين، بل تخطى الأمر إلى عجزه عن فرض احترام قوانينه وقيمه، ولم يضطلع بمسئوليته الأخلاقية والإنسانية والقانونية، وتعامل مع تلك الحرب الإجرامية بسياسة الكيل بمكيالين.
كما كانت تلك الحرب اختباراً أسقط أقنعة دول كبرى لطالما رفعت شعار العدالة واحترام حقوق الإنسان، ولكن الواقع كشف زيف ادعاءاتهم حينما تركت تلك الدول الاحتلال الإسرائيلي يعيث في الأرض فساداً، قتلاً وتدميراً وانتهاكاً وخراباً، مرة بسلاح إطلاق النار ومرة بسلاح الجوع والعطش.
وأجمع مساعدو وزير الخارجية السابقون، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الأربعاء، على أن العالم يعيش اليوم حالة غير مسبوقة من انتهاك المواثيق الدولية التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط على مسمع ومرأى من المجتمع الدولي، ما أفقده مصداقيته، لاسيما بعد أن فشل مجلس الأمن على مدار عام كامل في تنفيذ مهمته التي أنشئ من أجلها، وهي حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية المدنيين وقت الصراعات، إذ لم يستطع إصدار قرار واحد يوقف إطلاق النار وينقذ الأبرياء، بل إنه شجع إسرائيل بتخاذله على التمادي في الإبادة وخرق المواثيق الدولية وانتهاك سيادة دول المنطقة وجرها إلى ساحة الحرب.
وقال ممثل مصر السابق في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي السفير الدكتور حسين حسونة إنه في أعقاب عام على حرب غزة، ثبت من خلال ما ارتكبته إسرائيل من جرائم وحشية إزاء المدنيين الفلسطينيين العزل في القطاع أنها تتجاهل القانون الدولي وترفض الامتثال له وتصر على انتهاك أحكامه.
وأضاف أنه في ضوء ذلك، يتحتم على المجتمع الدولي تكثيف الجهود الدولية على إسرائيل باستخدام كافة الوسائل المتاحة سواء القانونية أو السياسية لإجبارها على احترام الشرعية الدولية، مشيرا إلى أن إدانة إسرائيل بارتكاب جرائمها وخاصة جريمة الإبادة الجماعية يضعها في قائمة الدول التي سبق أن اتهمت بالإبادة عبر السنين، مما يضر بسمعتها.
وتابع أن تلك الإدانة تتيح مقاطعة إسرائيل في المحافل الدولية وحجب السلاح عنها، فضلاً عن إمكانية مطالبتها بالتعويض أمام المحاكم الدولية، كما أن هذا الحكم يعتبر سنداً لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين المرتكبين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية، علاوة على محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية في الدول المصادقة على "مبدأ الولاية الجنائية العالمية".
واختتم السفير حسين حسونة بأننا على ثقة بعزم مصر على مواصلة دورها الرائد في دعم القانون الدولي والعمل على تطبيقه في علاقات الدول؛ إدراكاً منها بأن الشرعية الدولية تعد أقوى سند للقضايا الوطنية والقومية العادلة.
من جهته، أكد مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السابق السفير الدكتور منير زهران، أن إسرائيل انتهزت أحداث 7 أكتوبر 2023 لشن حرب إبادة جماعية على سكان القطاع وتدمير كل مظاهر الحياة من منازل ومدارس ومستشفيات ودور عبادة وغيرها.. متذرعة بأنها تلاحق "قوات حماس" الذين يجدون في تلك المنشآت ملاذًا للاحتماء فيها.
وأضاف أن إسرائيل تحدت الأمم المتحدة وقتلت أعداداً كبيرة من العاملين فيها وخاصة من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ومنعتها من القيام بمهامها الإنسانية، ما يعد تحدياً لقرارات الأمم المتحدة وانتهاكاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية وخاصة معاهدة حظر الإبادة الجماعية.
وأشار إلى "أن إسرائيل لم تقتصر على ذلك فحسب بل منعت مدير الأونروا من الدخول لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة"، مذكراً بأنه عندما تدخل السكرتير العام للأمم المتحدة لمحاولة إنفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة تحداه مندوب إسرائيل الدائم لدى المنظمة وطالبه بالاستقالة.
وندد السفير منير زهران بعدم تحمل مجلس الأمن الدولي لمسئولياته إزاء تصرفات "حكومة تل أبيب" في قطاع غزة، باعتماد قرارات لمحاولة وقف إطلاق النار والالتزام بهدن تسمح بتبادل الأسرى والمحتجزين بين حماس وإسرائيل، وذلك نتيجة ممارسة الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو)، ما أدى إلى عجز مجلس الأمن عن ممارسة صلاحياته وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة .
ولفت إلى أن إسرائيل لم تعر أهمية لمطالبة "محكمة العدل الدولية" بوقف تللك الممارسات، ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 79 إلى اعتماد قرار يطالب بأن تنهي إسرائيل "وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة" خلال 12 شهراً بأغلبية 124 عضواً.
من ناحيته، قال سفير مصر السابق لدى تل أبيب السفير حازم خيرت، إنه بصرف النظر عما أفرزته 7 أكتوبر 2023 من كارثة إنسانة على شعبي فلسطين ولبنان، وما مارسته إسرائيل من جرائم قتل وإبادة وتهجير قسري، وتجويع لأهل قطاع غزة، وممارسة الاغتيالات، واستخدام الوسائل التكنولوجية والقوة السيبرانية في التدمير والقتل والشر، إلا أن المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته عجزوا عن وقف هذه "المهزلة الإنسانية والأخلاقية".
وأضاف أن تلك الجرائم الإسرائيلية مع عدم مراعاة حكومة تل أبيب لأي من قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتحديها السافر لإرادة المجتمع الدولية، كشفت وفضحت دولا لطالما دعمت الديمقراطية ونادت باحترام مبادئ حقوق الإنسان، إذ إن تلك الدول فقدت مصداقيتها بمواقفها المتخاذلة واتباعها سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير وفشلها في وقف تلك الجرائم والإبادة الجماعية والعدوان الغاشم على شعب أعزل.
وسلط السفير حازم خيرت الضوء على ما تنادي به مصر دوماً، وهو الحاجة الملحة لإصلاح ميثاق منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وعلى رأسها مجلس الأمن، والذي أثبت عدم قدرته وفشله في حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية الشعوب من القتل والبطش، محذرا من أنه طالما غاب القانون والعدل والأمن، فلابد من أن يسود "قانون الغاب"، وهو السائد حالياً، في ظل صمت مخذل من المجتمع الدولي إزاء الجرائم الإسرائيلية.
ونبه إلى أن إسرائيل، التي تمارس أبشع الجرائم، عليها أيضاً أن تدرك أنه مهما استمرت في تلك الجرائم، فإن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة، لن يموت طالما ظل هذا الاحتلال موجودا.
فيما، أكد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف الأسبق، وسفير مصر الأسبق لدى البرتغال والنرويج السفير عمرو رمضان، أهمية توضيح أنه إذا كان المقصود بالمجتمع الدولي الدول الغربية أو الكبرى فقط، فتلك الدول لدى معظمها موقف معروف مساند لإسرائيل على طول الخط، ولو المقصود بالمجتمع الدولي جميع دول العالم فذلك يشمل دول الإقليم كذلك، وهنا لابد من التذكير بأن ميثاق منظمة الأمم المتحدة واتباع مبادئه يخص كافة الدول الأعضاء بالمنظمة ولا يخص البعض دون البعض الآخر.
وأبرز أنه حتى بعدما اتضح للجميع مخطط حكومة تل أبيب الساعي لإبادة وتهجير الفلسطينيين وتوسيع الصراع وعدم الخوف من مغبة جر المنطقة إلى حرب شاملة ومفتوحة، فضلاً عن ضرب إسرائيل عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية، فرغم كل ذلك لم نر من المجتمع الدولي موقفاً رادعاً لحكومة الاحتلال حتى من خلال إجراءات سياسية واقتصادية.
وشدد على أن المشهد بعد مرور عام على حرب غزة وانتهاج الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لسياسة اغتيال قيادات كيانات المقاومة بالمنطقة بهذه الطريقة، هو أمر غير مطمئن على الإطلاق، منبهاً إلى أن إسرائيل منذ أحداث 7 أكتوبر الماضي وهي تعيث في المنطقة فساداً، لعلمها بأنه لن يكون هناك رد فعل وإن جاء فلن يكون مؤثراً، أخذاً في الحسبان تأثيرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وأشار السفير عمرو رمضان إلى الضرورة الملحة لكي ينسق العرب والدول الإقليمية المعنية والمتأثرة بتلك الأوضاع مواقفهم والعمل بشكل جماعي على نزع فتيل هذه الأزمات المتلاحقة بهدف العودة للتهدئة ولمسار سياسي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل التي عليها أن تدرك أن الأمن لا يتحقق بالعدوان والاغتيالات، وإنما يتحقق بالسلام.
بدوره، قال سفير مصر الأسبق لدى تونس والجزائر السفير أيمن مشرفة إن عجز المجتمع الدولي عن التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة
ووقف انتهاكات إسرائيل لكافة المواثيق الدولية والقانونية والقانون الدولي الإنساني يثبت أن الأمم المتحدة التي تمثل الإرادة الدولية تعاني من فشل ذريع في إنفاذ الإرادة الدولية وإدانة "شريعة الغاب" التي تفرضها إسرائيل على المجتمع الدولي، منتقدا الحماية والدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية إلى "حكومة تل أبيب" لاسيما عبر استخدام حق النقض وإجهاض كل مشروع يلزم إسرائيل بوقف العدوان، وذلك على الرغم من إدانة الجمعية العامة بأغلبية كبيرة للسلوك الإسرائيلي.
وأبرز أن ذلك يثبت الحاجة الملحة لإعادة النظر في مؤسسات الأمم المتحدة التي تعاني من شلل سياسي خاصة بسبب سوء استخدام الدول الخمس لـ "الفيتو" مما يعيق إنفاذ العدالة الدولية ويكرس سياسة الكيل بمكالين ويؤدي إلى يأس وإحباط لدى العديد من دول العالم نظراً لغياب العدالة والتهديد بانتشار الإرهاب والتطرف في العالم، موضحا أن الدبلوماسية المصرية تطالب منذ عقود بتعديل ميثاق الأمم المتحدة وتوسيع عضوية مجلس الأمن ليمثل دول العالم الثالث وليكون أكثر فاعلية وعدالة، منبهاً بأن ترك الأمور كما هي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الدولية واستفحالها.
من جانبه، أشار سفير مصر الأسبق لدى فلسطين واليمن السفير أشرف عقل، إلى أنه على مدار عام كامل عاش أهل غزة كارثة حقيقية، وواجهوا مستوى من الوحشية والتجرد من الإنسانية بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم، مشددا على أن تلك الحرب ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمام الجرائم والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، الأمر الذي شجع "حكومة تل أبيب" على انتهاك سيادة وأراضي دول أخرى واستهداف مواطنيها وفتح عدة جبهات للمواجهة .
وذكر بأن مصر حذرت مراراً وتكراراً من أن استمرار نزيف الدم الفلسطيني وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن سيؤدي إلى اتساع رقعة المواجهات بالمنطقة، وهو بالفعل ما تشهده المنطقة اليوم، بعد أن امتدت يد الإجرام إلى لبنان، بجانب استهداف سوريا واليمن، على نحو يهدد بانفجار المنطقة كلها في حرب إقليمية لن تحمد عقباها.
ورأى أنه مازالت هناك فرصة لردع إسرائيل وذلك عبر حظر بيع الأسلحة لها، واعتقال مجرمي الحرب ومحاكمتهم أمام الجنائية الدولية، وتجميد عضويتها بالأمم المتحدة خاصة بعد خرقها لكافة القوانين والقرارات الدولية، مع منح العضوية الكاملة لفلسطين، وتشجيع دول العالم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
واختتم السفير أشرف عقل قائلاً إنه يتعين على العالم أن يقف وقفة صادقة، ويبتعد عن اتباع سياسة الكيل بمكيالين ليضع حداً لسلوك وسياسة إسرائيل العدائية التي تدفع المنطقة إلى حرب شاملة لن تضر فقط بأمن واستقرار شعوب الشرق الأوسط بل ستؤثر على السلم والأمن العالميين .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة