أصدر المؤشر العالمى للفتوى دراسة تحت عنوان "تأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان.. بين الدعم والتقويض"، والتى تضمنت مناقشة قسمين: القسم الأول بيان دور الفتوى الرسمية، المتمثلة فى مؤسستى الإفتاء المصرية والأزهر الشريف، فى دعم بناء الإنسان والمجتمع، والقضاء على الظواهر المجتمعية السلبية.
أما القسم الثانى، فقد تناول التأثير الهدام للفتوى غير المنضبطة، من خلال تحليل عينة من الخطاب الإفتائى للجماعات الإرهابية، التى تستند إلى أفكار مشوهة وشاذة وفكر دينى متطرف.
حيث اعتمدت الدراسة على التحليل الإحصائى والشرعى لعينة من (200) فتوى لدار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف حول القضايا المتعلقة ببناء الإنسان، و(500) فتوى من الفكر المتطرف تم الحصول عليها من كتابات كبار منظِّرى التنظيمات المتطرفة، منهم: عبد الله عزام، وأبو قتادة الفلسطينى، وسيد قطب، إلى جانب إصدارات التنظيمات الإفتائية المكتوبة والإذاعية، مثل إذاعة البيان، ومجلة النبأ، التابعتين لتنظيم داعش الإرهابى.
القسم الأول من الدراسة، أشار المؤشر إلى أن الفتاوى المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية للناس، والقضاء على الفقر والجوع، مثلت النسبة الأكبر من فتاوى العينة التى تتعلق ببناء الإنسان ودعمه والتى بلغت (30%). وتمكنت الفتاوى من تحقيق اجتهاد فقهى يتماشى مع احتياجات وتطورات العصر، وغطت جانبين رئيسيين؛ الأول: الارتقاء بالمستوى المعيشى للأفراد من خلال تنظيم قواعد الزكاة والصدقات؛ والثاني: دعم الجهود الوطنية لتحسين الاقتصاد وتحقيق نموه وازدهاره.
فيما أكد على تناول فتاوى دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف للقضايا المتعلقة ببناء الإنسان عقائديًّا وفكريًّا، والتى شكلت نسبة (20.5%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة. وتضمنت الفتاوى شقين، الشق الأول: بيان دور المسلم فى السعى لبناء عقيدته وفكره، والذى مثل نسبة (40%) من إجمالى فتاوى هذا الموضوع. والشق الثاني: بيان دور العلماء والفقهاء والدعاة فى تعليم الناس وإرشادهم وبناء فكرهم السوى، والابتعاد عن الفكر الشاذ، سواء كان تطرفًا أو تساهلًا، والذى مثل نسبة (60%) من إجمالى فتاوى هذا الموضوع.
وأوضح مدير المؤشر "طارق أبو هشيمة" أن فتاوى عينة الدراسة التى تناولت قضية بناء الإنسان صحيًّا ومعيشيًّا، جاءت بنسبة (17.5%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وركزت على دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان، وظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهى فى التعامل مع القضايا المستجدة.
كما حرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التى تقضى بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر فيجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: "لا ضرر ولا ضرار". كما أكد على اهتمام الفتوى الرسمية بتأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء فى مختلف المراحل العمرية، وبلغت نسبة هذه الفتاوى (15%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وتضمنت الحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال: التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن. ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل التنمر والانتحار.
وأوضح الدكتور طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمى للفتوى أن فتاوى عينة الدراسة التى تناولت قضية بناء الإنسان صحيًّا ومعيشيًّا، جاءت بنسبة (17.5%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وركزت على دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان، وظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهى فى التعامل مع القضايا المستجدة. كما حرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التى تقضى بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر فيجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: "لا ضرر ولا ضرار".
كما أكد مؤشر الفتوى على اهتمام الفتوى الرسمية بتأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها، سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء فى مختلف المراحل العمرية، من الطفولة إلى الشباب، وبلغت نسبة هذه الفتاوى (15%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة. وتضمنت الحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن، ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل التنمر والانتحار.
واختتم مؤشر الفتوى قسمه الأول من الدراسة بالتأكيد على عدم إغفال الفتوى المنضبطة تناول كل ما يتعلق بالبيئة المحيطة بالإنسان والتى تؤثر عليه، خاصة فى ظل الأزمات البيئية التى يشهدها العصر الحالى، وقضايا المناخ التى أصبحت محل اهتمام عالمى.
وقد بلغت نسبة الفتاوى المتعلقة بقضايا البيئة (7%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وشملت: فتاوى الحفاظ على جودة الهواء، والفتاوى الداعية لتوفير مياه نظيفة، وفتاوى حماية البيئة والحياة البرية.
وفى القسم الثانى من الدراسة، والمتعلق ببيان التأثير السلبى للفتوى غير المنضبطة والمتطرفة على هدم الإنسان والمجتمعات، أكد مدير مؤشر الفتوى على أن الفكر المتطرف ينتهك كل أسس حياة الإنسان على الأرض. والدليل على ذلك، وفقًا لدراسة المؤشر، أن (32%) من إجمالى فتاوى الجماعات المتطرفة تبيح إنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه، سواء كان الفرد من أتباع التنظيم، وهنا يكون من السهل التضحية بحياته بإقناعه زورًا بأن هذا من "الجهاد" و"الشهادة فى سبيل الله"، أو إذا كان الشخص مخالفًا للتنظيم، ففى هذه الحالة يجيز الفكر المتطرف انتهاك حياته باعتباره "كافرًا".
كما أوضح مؤشر الفتوى أن فتاوى التنظيمات الإرهابية الساعية لهدم أسس التنمية والبناء الاقتصادى بلغت (17%) من إجمالى فتاوى العينة غير المنضبطة، مشددًا على أن الفكر المتطرف يقوم على تحقيق مكاسب وأهداف قصيرة الأمد تصب جميعها فى مصلحة التنظيم، وليس فى مصلحة التنمية الإنسانية المستدامة. فبناء الأوطان والقرى والمدن المتطورة ليس من أولويات التنظيمات الإرهابية، كما أن الفكر المتطرف لا يؤمن غالبًا بالمعاملات الاقتصادية الحديثة، ويظل معتمدًا على المعاملات المالية القديمة التى لا تتماشى مع تطورات العصر.
كما بينت دراسة المؤشر توجه الفكر المتطرف نحو انتهاك حقوق المرأة، بل أشارت إلى غيابها بصورة كلية وتامة عن الفكر المتطرف؛ حيث بلغت نسبة فتاوى العينة غير المنضبطة المحبذة لانتهاك حقوق المرأة (10%)، لتثبت هذه الفتاوى أن الإنسان بالنسبة للفكر المتطرف أداة، والمرأة والطفل هما الحلقتان الأكثر ضعفًا، وبالتالى سهولة انتهاك حقوقهما، بداية من حقهما فى الحياة، وصولًا إلى حقهما فى التملك المالى، ومختلف الحقوق الأخرى.
كما كشف مؤشر الفتوى من خلال ورقته أن التنظيمات الإرهابية، بفكرها المتطرف، تنكر مختلف أشكال التعاون الدولى فى مجالات التنمية الإنسانية، بل لا تعترف بمثل هذه الشراكات، وترفض كافة أشكال التعامل مع المنظمات الدولية، حتى وإن كان الهدف من هذا التعاون خدمة الإنسانية والارتقاء بأوضاع المعيشة والقضاء على الفقر ودعم الدول الفقيرة ومواجهة أزمات الطاقة والغذاء والبيئة. ومن الفتاوى التى اعتمدت عليها التنظيمات الإرهابية فى هذا الإطار، فتوى لمنظر تنظيم القاعدة "أبو قتادة الفلسطيني"، يحرم خلالها العمل فى المنظمات التابعة للأمم المتحدة والدول الأوروبية، والتى تضمنت قوله: "المنظمات التبشيرية واليهودية فى المنطقة لا يجوز العمل معها لغلبة شرها على خيرها ولسوء أهدافها الباطنة والمعلنة."
ليؤكد المؤشر فى ختام قسمه الثانى من الدراسة أن الجماعات المتطرفة تبرع فى التلاعب بأحكام الدين، ويحرص منظروها على صياغة الكلمات والخطب الرنانة التى تقدم الأحاديث النبوية الشريفة بصورة مغلوطة وبعيدة عن الحقيقة، لا تهدف سوى لتحقيق أهداف هذه التنظيمات، حتى وإن كان ذلك على حساب حياة الإنسان ووجوده.
وفى ختام دراسته، أوصى المؤشر العالمى للفتوى بضرورة الاستمرار فى استشراف القضايا التى تخص الأسرة المصرية ككيان متكامل، بما فى ذلك المرأة والطفل والرجل، خاصة فى ظل مبادرة القيادة المصرية بإطلاق مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري" الهادفة إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة والمجتمع بشكل عام.
مع منح مزيد من الاهتمام للظواهر الاجتماعية السلبية الدخيلة على المجتمع المصرى، من خلال تكثيف جهود توعية الشباب بشأن طبيعة علاقاتهم الاجتماعية وما يجب أن تكون عليه، بالإضافة إلى تعزيز توعيتهم بشئون دينهم والتقرب إلى الله، ونبذ الأفكار السلبية التى تفسد حياتهم
والقيام بمزيد من الحملات التوعوية وتكثيف الخطاب الإفتائى المؤكد على التعاون والشراكة المجتمعية، ونبذ العنف والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتحقيق السلام العالمى، من خلال تعزيز المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى التى تؤسس لبناء عالم آمن ومستقر يسوده العدل والسلام.
والاستمرار فى الاهتمام بفتاوى دعم الاقتصاد الوطنى، والهادفة إلى تحقيق التنمية والازدهار، من خلال التعريف بالحكم الشرعى للمعاملات المالية الحديثة، ومواجهة الظواهر الاقتصادية السلبية مثل الاحتكار، والغش التجارى، والتهرب الضريبى.
إلى جانب تكثيف الجهود للتصدى للأفكار المتطرفة التى لا هدف لها سوى هدم الأوطان ونشر الكراهية والعنف فى المجتمعات، من خلال التعريف بالفكر المتطرف، وبيان حكمه الشرعى. مع إطلاق السلاسل الإفتائية الدعوية المفندة للفكر الإرهابى الهادم للإنسان وكيانه، وبيان الجوانب التى يتلاعب بها، وتصحيح الأحاديث والأحكام الشرعية والفتاوى المغلوطة التى يستند إليها.