كانت الساعة السابعة من صباح يوم 20 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1966 حين أفاق الفنان محمد فوزى من غيبوبته، ونادى على زوجته كريمة طالبا منها مشاهدة أولاده جميعا، فأخبرته وسط فرحتها ودموعها أنها سوف ترسل فى استدعائهم بمجرد أن يستيقظوا من النوم، حسبما يذكر الكاتب الصحفى والناقد أشرف غريب فى كتابه «محمد فوزى، الوثائق الخاصة».
عاد «فوزى» إلى فقدان الوعى فى الثامنة إلا خمس دقائق، وأخذ يغالب نفسه وهو يقول لزوجته إنه سوف يموت بعد خمس دقائق، ولا يريد أن يدفن اليوم، وإنما فى الحادية عشرة من صباح اليوم التالى ومن ميدان التحرير، لأنه يريد أن تكون جنازته وقت صلاة الجمعة، وبعد دقائق صعدت روحه إلى بارئها لتنتهى رحلة مرضه القاسية التى سافر خلالها إلى بريطانيا وألمانيا أملا فى العلاج دون جدوى.
فور ذيوع خبر الموت توافد الجميع إلى المنزل، وكان أولهم فريد شوقى وزوجته هدى سلطان شقيقة الفقيد، ومديحة يسرى زوجته السابقة، والمطرب محمد الكحلاوى الذى كان حتى تلك اللحظة فى خصومة قضائية معه بسبب أغنية « يامصطفى»، وبقى بجوار جثمانه لم يفارقه ثانية حتى أنزله إلى قبره.
فى اليوم التالى وحسب وصيته خرجت الجنازة من جامع عمر مكرم، ووفقا لجريدة الأهرام فى عدد 22 أكتوبر 1966، كان على رأس المودعين الدكتور عبدالقادر حاتم، والسيد فرج وكيل وزارة الإرشاد نائبا عن الوزير محمد فائق، وعبدالعزيز وصفى وكيل وزارة الثقافة نائبا عن الوزير الدكتور ثروت عكاشة، وامتدت مسيرة الجنازة من ميدان التحرير حتى مسجد الحسين، وصلى على الجثمان ثلاث مرات، الأولى بمسجد عمر مكرم، والثانية فى مسجد الحسين والثالثة فى الكحلاوى بالبساتين حيث دفن الفنان الراحل.
لم يتخلف عن الجنازة حتى المرضى من الفنانين، ولم يتحمل إسماعيل ياسين السير فأغمى عليه، وأصر يوسف وهبى على توديع فوزى حتى المقبرة، وأصيبت زوجته كريمة بالإغماء، وأخته هدى سلطان بالذهول، وحمل محرم فؤاد النعش قبل دخوله المقبرة، واشترك المطرب محمد الكحلاوى فى تلاوة القرآن مع المقرئين على المقبرة، وأصيبت بالإغماء، تحية كاريوكا، ومديحة يسرى، وثريا سالم، وقامت وزارة الإرشاد القومى وهيئة الإذاعة وجمعية المؤلفين والملحنين بدفع مصاريف الدفن وإقامة المأتم.
توفى محمد فوزى فى الثامنة والأربعين من عمره، فهو من مواليد 28 أغسطس 1918 بقرية «أبوجندى» التابعة لطنطا بمحافظة الغربية، حسبما يذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «الغناء المصرى، أصوات وقضايا»، مضيفا: «كان والده حبس عبدالعال الحو قارئا معروفا للقرآن الكريم بجانب عمله بالزراعة، واجتذب الغناء مشاعر محمد فوزى منذ طفولته، حيث تفتحت مداركه على صوت والده مرتلا للقرآن ومترنما بالأدعية والابتهالات، واجتذب اهتمامه ما كان يتردد فى مولد السيد أحمد البدوى من غناء دينى وشعبى، وبعد أن حفظ ما تيسر له من القرآن فى كتاب القرية، وخلال دراسته بالمرحلة الابتدائية التى حصل على شهادتها عام 1931، أظهر ميلا واضحا للغناء، مما جعل عباس الخرادلى أحد أساتذته بالمدرسة الابتدائية يقترح عليه تعليم الموسيقى والعزف على العود على يد محمد الخربتلى الشرطى بمطافئ مدينة طنطا.
اشتهر فى الحفلات المدرسية والتجمعات الجماهيرية مثل مولد السيد البدوي، وعندما استمع إليه ضابط الإيقاع الشهير مصطفى العقاد فى احدى ليالى مولد السيد البدوى، ساهم فى التحاقه بمعهد الموسيقى الشرقى بالقاهرة قرابة منتصف الثلاثينيات، وتحت ضغط الحاجة وقلة الموارد اضطر إلى العمل بفرقة بديعة مصابنى فى مسرحها، ثم انتقل إلى كازينو الأختين رتيبة وأنصاف رشدى، مما ساعد على تنمية الجانب الاستعراضى فى غنائه، وقدمته الإذاعة مطربا معتمدا فى عام 1938.
واصل محمد فوزى مشواره الفنى من السينما إلى الغناء والتلحين، وتذكر مجلة «الكواكب» فى تحقيق موسع عنه بعد رحيله، عدد «795»، فى 25 أكتوبر 1966، أنه عرف عنه حب المغامرة والطموح الفنى، وحالف التوفيق إنتاجه السينمائى فكون ثروة كبيرة من وراء هذا الإنتاج، ولكنه أضاعها فى لحظة واحدة عندما أقدم على انتاج فيلمين بالألوان الطبيعية التهما كل ثروته، وعاد من جديد للكفاح فبنى أول مصنع عربى للأسطوانات بعد أن كان المطربون والمطربات يذهبون إلى فرنسا وبريطانيا واليونان لطبع اسطواناتهم، ثم خضع المصنع للتأميم، بقوانين يوليو للتأميم عام 1962 .
يعده الموسيقار عمار الشريعى إحدى المدارس الموسيقية فى تاريخ مصر، ويرى الفنان على الحجار فى شهادته لى فى كتابى «عمار الشريعى سيرة ملهمة» أن مصر شهدت أربعة مشروعات موسيقية هى، سيد درويش ومحمد فوزى وبليغ حمدى وعمار الشريعى، وتذكر الكواكب، أن محمد فوزى ظهر فى حوالى 40 فيلما سينمائيا، ولحن أكثر من ثلاثمائة لحن من أشهرها ألحان أغانى الأطفال، كما لحن للجزائر نشيدها الوطنى بعد استقلالها عن الاحتلال الفرنسى عام 1962، وما زال معمولا به حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة