للحرب دائما فاتورة اقتصادية يدفعها كل من اقترب ولو بشكل غير مباشر من الصراع، وخلال عام من الحرب تعرضت اقتصادات عدة لنزيف من الخسائر جراء التوترات في الشرق الأوسط، وكان في مقدمة الاقتصاديات التي سجلت هبوطًا كبيرًا كان الاقتصاد الفلسطيني واللبناني، كما أن إسرائيل نفسها لم تكن بعيدة عن التأثر الاقتصادي من هذه الحرب، ودولاً أخرى أيضًا طالتها التداعيات السلبية الاقتصادية جراء الحرب منها مصر والأردن واليمن، كما حذرت مؤسسات اقتصادية دولية من أن استمرار الحرب قد يدخل العالم في مشكلات اقتصادية كبيرة، في حالة توسع الصراع وتعرض المنشآت النفطية للقصف، مما قد يؤثر في سلاسل التوريد وعودة التضخم بقوة لجميع الأسواق.
خسائر اقتصادية في فلسطين
وكشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن تراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بنسبة 32%، في ظل الانكماش الحاد في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة خلال الربع الثاني 2024 بنسبة 86% مقارنة مع الربع المناظر بعام 2023، مع تراجع في اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 22%.
وبعد 365 يومًا من الحرب، دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بسبب تصعيد الصراع في الشرق الأوسط، حيث أشارت جولي كوزاك المتحدثة باسم الصندوق، إلى أن احتمال تصعيد الصراع يزيد من المخاطر وحالة عدم اليقين، وقد تكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على المنطقة وخارجها.
ورغم أن جولي كوزاك، قالت إنه من السابق لأوانه التنبؤ بتأثيرات محددة على الاقتصاد العالمي، لكنها أشارت إلى أن اقتصادات المنطقة تعاني بالفعل بشدة، ولا سيما في قطاع غزة، حيث يواجه السكان "ظروفاً اجتماعية واقتصادية قاسية وأزمة إنسانية ونقصا في المساعدات".
ورصدت وزارة الاقتصاد الفلسطينية، الأنشطة المتضررة الاقتصادية من الحرب حتى الآن، منها نشاط التعدين والصناعة التحويلية تراجع 27% وتراجع نشاط الإنشاءات 41% وهبوط نشاط الزراعة بنسبة 11% كما انخفض نشاط تجارة الجملة والتجزئة 18%.
وبحسب وزارة الاقتصاد الفلسطينة، فإن قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من العام 2024 في الضفة الغربية يسجل 2.6 مليار دولار، وفي قطاع غزة 91 مليون دولار فقط.
البنك الدولي يرصد انهيار الإيرادات في فلسطين
ورصد تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024، تضرر المالية العامة للسلطة الفلسطينية بشدة خلال الربع الثاني من العام 2024 – وفق أحد الأرقام المتاحة - مما يزيد بشكل كبير من مخاطر انهيار المالية العامة.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى انهيار تدفقات الإيرادات إلى بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إيرادات المُقَاصَّة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي، وتؤدي الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين حجم الإيرادات والمصروفات لتمويل الحد الأدنى من الإنفاق العام إلى أزمة في المالية العامة.
وتوقع البنك الدولي، أن ترتفع الفجوة التمويلية في فلسطين من 682 مليون دولار2023، لتصل 1.2 مليار دولار بنهاية 2024، وأشار البنك إلى أن الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ أكتوبر 2023، منها 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألف من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلي.
خسائر بالمليارات في لبنان بقطاعات السياحة والزراعة والبنية التحتية
قدرت الأمم المتحدة في تقرير لها جرى نشره في نهاية أغسطس الماضي، أن التكلفة الشهرية تصل 50 مليون دولار في حالة التصعيد المحدود للصراع بين إسرائيل وحزب الله، و100 مليون دولار في حالة اندلاع حرب شاملة.
وقالت الحكومة اللبنانية على لسان أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، إن هناك خسائر مباشرة في البنية التحتية في الجنوب والبقاع وفي بيروت منها مباني ومصانع ومحال تجارية وسلاسل تجزئة وتقديرات مبدئية بمليارات الدولارات.
وأشار خلال تصريحات صحفية، إلى أن قطاع السياحة في لبنان يتعرض لتدمير كبير بعد أن كان مصدرًا للدخل بواقع 7 مليارات دولار سنويًا، الآن نفقد هذا المورد الرئيسي منذ بداية الحرب لنخسر 90 % من دخل هذا القطاع، بجانب خسائر وصلت إلى أكثر من 3 مليارات دولار لقطاع الزراعة نتيجة تدمير الأرض الزراعية اللبنانية.
وخسرت قناة السويس قرابة 6 مليارات دولار من عوائد القناة، وهي المورد الأهم للنقد الأجنبي في البلاد بنسبة تراجع بلغت 60% منذ اندلاع المواجهات في 7 أكتوبر 2023.
و وفق بيانات صندوق النقد فإن مصر تعرضت لتضرر بالغ من تصاعد الحرب في المنطقة، نتيجة للتضرر الكبير في موارد النقد الأجنبي، وهذا يضغط بقوة على الاقتصاد، مما يجعل الحكومة تعمل على برنامج واسع مع الصندوق لتلافي مزيد من التأثيرات على الاقتصاد المصري.
إسرائيل تدفع فاتورة باهظة للحرب
إسرائيل أيضا تدفع فاتورة كبيرة للحرب، حيث ذكرت وكالة رويترز في تقرير لها أن شركات التأمين على الطيران ضد مخاطر الحرب أصدرت إخطارا بإلغاء الغطاء التأمينى لبعض شركات الطيران، التى تتخذ من إسرائيل مقرًا بسبب الصراع، وقالت وزارة المالية الإسرائيلية: إن اللجنة المالية بالكنيست وافقت على خطة لتقديم ضمان حكومى بـ6 مليارات دولار لتغطية التأمين ضد مخاطر الحرب لشركات الطيران الإسرائيلية.
وخلال أغسطس الماضي خفضت وكالة فيتش، التصنيف الائتماني لإسرائيل من "A+" إلى "A"، بسبب تفاقم المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الحرب في غزة، وسط تهديدات بانتقالها إلى جبهات أخرى، وأبقت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني على نظرتها المستقبلية لإسرائيل عند مستوى سلبي.
وقالت الوكالة في بيان سابق إن "خفض التصنيف الإسرائيلي إلى "A" يعكس تأثير استمرار الحرب في غزة، والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة والعمليات العسكرية على جبهات متعددة".
وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تقول"لقد تضررت المالية العامة في إسرائيل ونتوقع عجزًا في الميزانية بنسبة 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وأن يظل الدين أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الأمد المتوسط، كما توقعات الوكالة أن تتدهور مؤشرات الحوكمة للبنك الدولي، ما يؤثر سلبًا على الملف الائتماني لإسرائيل".
وذكرت "فيتش": "هناك مخاطر من اتساع الصراع إلى جبهات أخرى، وبالإضافة إلى الخسائر البشرية، قد يؤدي ذلك إلى إنفاق عسكري إضافي كبير، وتدمير البنية الأساسية، وأضرار أكثر استدامة للنشاط الاقتصادي والاستثمار، ما يؤدي إلى مزيد من التدهور في مقاييس الائتمان الإسرائيلية".
وأشارت وكالة بلومبيرج إلى أن مسؤولين إسرائيليين قدروا فاتورة الحرب بنحو 66 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 12% من الناتج المحلي لإسرائيل، كما بلغ الإنفاق الحربي خلال العام الماضي 25.9 مليار دولار وعجز الميزانية 8.3%، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على القروض لتمويل هذا العجز، وقد بلغت قروض إسرائيل خلال العام الماضي قرابة 53 مليار دولار.
البنك الأوروبي يحذر من تداعي مؤشرات النمو
حذر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في وقت سابق، من أن الحرب تؤثر على النمو الاقتصادي في دول يغطيها البنك مثل مصر والأردن ولبنان، مشيرا إلى أن الأزمة الآخذة في التصاعد في الشرق الأوسط تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر.
وذكر البنك في تقرير نصف سنوي، أن التعديل الهبوطي لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة التي يغطيها البنك طفيف إلا أنه ثاني تعديل بالخفض في تلك المنطقة التي تشمل اقتصادات ناشئة في أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وكان صندوق النقد الدولي قد خفض توقعاته لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال العام الجاري، بشكل طفيف إلى 2.7 %، مقابل 2.9 % في تقديراته السابقة التي أصدرها في يناير، وذلك في ظل الضغوط الناتجة عن استمرار الحرب في غزة وتوترات حركة الشحن في البحر الأحمر.