كانت الساعة الخامسة من مساء 21 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1967، حينما اقتربت قطعة من قطع أسطول العدو الإسرائيلى من شواطئنا بشمال بورسعيد، وفى الساعة الخامسة والنصف تصدت لها بعض وحداتنا البحرية، واشتبكت معها، وأغرقتها، وعادت وحداتنا جميعها إلى قواعدها سالمة، حسبما تذكر جريدة «الأهرام» فى تقريرها الذى تصدر الصفحة الأولى يوم 22 أكتوبر، 1967.
تذكر «الأهرام»، أن قاربين من قوارب الصواريخ تمكنا من مفاجأة المدمرة الإسرائيلية «إيلات» أطلقا عليها قذيفتين أصابتها إصابة مباشرة، فاشتعلت فيها النيران، ثم انقلبت على جانبها الأيسر، وبدأت تغرق فى الساعة الثامنة مساء، وفى نفس التوقيت خرجت أول برقية من «تل أبيب» أكد فيها متحدث عسكرى إسرائيلى أن القوات المصرية ضربت مدمرة إسرائيلية بعد ظهر السبت «21 أكتوبر 1967»، بينما كانت تقوم بدورية على شاطئ سيناء، وأضاف المتحدث أن المدمرة المصابة أرسلت إشارات استغاثة، وأسرعت وحدات سلاح الطيران والسلاح البحرى فى إسرائيل لنجدتها، وأنه تجرى الآن عملية إنقاذ ضخمة عن طريق الجو والبحر لنقل الجرحى الذين يرسلون على الفور إلى المستشفيات العسكرية فى «أسدود» و«بير السبع».
وقعت هذه العملية البطولية بعد أكثر من خمسة شهورعلى هزيمة يونيو 1967، وكان تنفيذها بالصواريخ جديدا، و«اعتبر من وقتها انقلابا فى تاريخ الحروب البحرية»، وفقا للكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «اليوم السابع، الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف».
كان أبطالها أربعة من ضباط البحرية الشبان أكبرهم عمره 29 عاما، يذكرهم الكاتب الصحفى «عبده مباشر» فى كتابه «تاريخ البحرية المصرية» وهم، الضابط بحرى أحمد شاكر عبدالواحد قائد سرب لنشات الصواريخ الذى نفذ الهجوم، يساعده الضابط البحرى حسن حسنى محمد أمين، أما اللنش الثانى فيقوده الضابط البحرى لطفى السيد جاد الله، يساعده الضابط البحرى ممدوح منيع.. يكشف البطل أحمد شاكر فى روايته إلى «مباشر»: «عندما رفعت درجة الاستعداد إلى حد القتال بدأنا نشارك فى متابعة الهدف، وبينما كنت أتابع تحركات «إيلات» على شبكة الرادار، قام زميلى حسن حسنى أمين برصدها بالعين المجردة من نقطة مراقبة مرتفعة على الشاطئ، وعندما ابتعدت خارج خط المياه الإقليمية بقينا على نفس درجة الاستعداد، وتناول كل منا غداءه «سندوتش» فى موقعه المحدد له طبقا لحالة الاستعداد حتى يتكشف الموقف».
يتذكر «شاكر»: فى الساعة الرابعة والنصف عادت «إيلات» للظهور على شاشة الرادار، وظهرت أيضا فى الأفق وتلقينا الأمر بالخروج والاشتباك.. كان الغروب يقترب والجو صاف والموج هادئ، ولكن ساد الكل على قاربنا شعور متدفق بالحماسة لأننا فى الطريق إلى الاشتباك مع العدو، ومن موقعى على مركز قيادة القارب أمرت بإطلاق الصاروخ الأول، وتابعته بنفسى حتى استقر فى وسط الهدف تماما، وانتظرت دقيقتين لأترك صدمة الإصابة المباشرة تفعل فعلها مع العدو، ثم أمرت بإطلاق الصاروخ الثانى قبل أن يتمكن العدو من تغيير سرعته أو اتجاهه، وتابعت خروج الصاروخ الثانى بنفسى حتى استقر فى قلب الهدف.
يصف «شاكر» شعوره: «كنا ندرك جميعا أننا أصبنا العدو إصابة مباشرة وقاتلة، وخرجنا جميعا من مواقعنا إلى ظهر اللنش نتطلع ناحية العدو المضروب.. كانت أضواء الغروب وراءنا وأمامنا على الأفق نحو الشرق وهج النيران المتصاعدة من مدمرة العدو المحترقة، وكانت أضواء بورسعيد تلمع بالقرب منا، وخيل إلينا أننا نسمع أصوات المدينة، ونسمع تشجيع أهلها لنا، وبالفعل فإن آلافا من سكانها كانوا فى انتظارنا عند العودة.. تابعوا مسرح المعركة من بعيد وكان استقبالهم لنا شعورا لا نستطيع أن نصفه.. كان شعورنا نحن مزيجا غريبا من السعادة والارتياح».
كان اللواء بحرى فؤاد أبوذكرى قائدا للقوات البحرية، وقت العملية، وكان العميد بحرى محمود فهمى قائدا للعمليات، وفى مذكراته «صفحات من التاريخ» يصف حالته قائلا: «انتقلت إلى مكتب العقيد عادل هاشم حيث البلاغات من قاعدة بورسعيد كانت متلاحقة، تنساب كما تنساب الأنغام العذبة فى سيمفونية جميلة، صاروخ نمرة واحد طلع، نمرة واحد أصاب الهدف، صاروخ نمرة اتنين طلع، نمرة اتنين أصاب الهدف، الهدف تحطم.. هكذا فى دقائق معدودات تحطمت أكبر وحدة بحرية إسرائيلية.. غرقت مدمرتهم إيلات.. أهنا كبرياءهم وجدعنا أنفهم.. أمرت بإعادة اللنشين إلى القاعدة بعد أن أستقبلا استقبالا حماسيا رائعا من أهالى بورسعيد، كانوا يهللون ويمجدون أبطال البحرية المصرية الشجعان، فقد رأوا كل ما حدث بالعين».
وفيما تذكر «الأهرام» أنه كان على سطح المدمرة إيلات ما بين 250 و300 ضابط وجندى، يذكر أمين هويدى وزير الحربية وقتئذ فى كتابه «الفرص الضائعة»: «أصبحت إيلات فى قاع البحر، وبقع الزيت الكبيرة مشتعلة بالنيران فوق مياه البحر، وأصبح الـ200 بحار الذين كانوا على السطح فى القاع طعاما للحيتان».