أدى الرئيس أنور السادات صلاة عيد الفطر المبارك فى مسجد الحسين يوم 26 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، ثم توجه إلى قبر جمال عبدالناصر، ووضع إكليلا من الزهور، ثم توجه إلى منزل الزعيم الخالد بمنشية البكرى لتقديم التهنئة بالعيد لأسرته، وقضى معها بعض الوقت، وفقا لـ «الأهرام»، 27 أكتوبر 1973.
كانت مدينة السويس تعيش ثالث أيام الحصار الذى ضربته عليها القوات الإسرائيلية، وذلك أثناء الحرب التى بدأت يوم 6 أكتوبر، وحسب المؤرخ السويسى حسين العشى، فى كتابه «حصار السويس - 100 مجهولة فى حرب أكتوبر»: «كان أفراد الكمائن «أبطال المقاومة» على أطراف المدينة لوقف محاولة دخول العدو إليها، وبدأ العدو فى القصف بالطائرات، واشتركت المدفعية أثناء صلاة العيد، واستمر قصف الطيران حتى الخامسة مساء، والمدفعية حتى السابعة مساء».
يذكر «العشى» أنه فى الساعة التاسعة وخمس دقائق، اقتحم العدو مقر شركة السويس لتصنيع البترول، وجمع العمال وعددهم حوالى 150 عاملا، وأجبرهم على ركوب بعض سيارات الشركة، وساد اعتقاد بأن هذه السيارات ستتقدم فى «قُول» من الدبابات فى محاولة لاقتحام المدينة، واجتمعت القيادات المسؤولة عن المدينة عسكريا ومدنيا لبحث الإجراء الذى يتم اتخاذه، وهل يتم ترك العدو يحتمى بالمدنيين ويدخل السويس بهذه الطريقة؟ أم تتم التضحية بهم فى سبيل عدم تمكين العدو من تحقيق أهدافه؟
يؤكد «العشى» أن القرار الذى أجمعت عليه كل القيادات المسؤولة كان «منع أى محاولة لتقدم العدو مهما كان الثمن»، وتمت إذاعة بيان على المواطنين بهذا، وتوزيع تعليمات إلى جميع أفراد الكمائن باحتمال قيام العدو بدفع بعض السيارات المدنية أمام مجنزراته ودباباته فى محاولة جديدة لاحتلال المدينة، وكانت التعليمات صريحة ومباشرة: «عدم الاستسلام لهذه الخدعة وفتح النار فورا».
فى حوالى الساعة العاشرة، دق جرس التليفون فى مكتب العقيد أمين الحسينى، مدير مباحث أمن الدولة فى المحافظة، ووفقا لشهادة الحسينى إلى العشى: «كان المتصل قائد القوات الإسرائيلية، وكانت تغلب عليه اللهجة المصرية، قال: صباح الخير. رد الحسينى: إنت عايز إيه؟ رد الضابط: «إذا ماكنتوش هتسلموا حنقتلكم، حنطخكم»، يؤكد الحسينى: لم أحس بنفسى وسيل الشتائم يتدفق من فمى، وبعد قليل طلبنى، رفعت السماعة، وكانت هذه المحادثة عبارة عن شتائم منى وضحكات من جانبه، وقفلت السماعة، وعاود الاتصال مرة أخرى، لكننى قفلت الخط».
ينقل «العشى» أجواء الحياة داخل المدينة، وفيها بطولات تضاف إلى بطولات السلاح، لكنها لا تقل أهمية، يذكر: «استمر القصف بالطيران والمدفعية بصورة وحشية، وبعد أن أدى الناس صلاة العيد ذهب عدد كبير منهم إلى مخزن الدقيق للمشاركة فى إنقاذه، كانت الحرائق لا تزال مستمرة، فى نفس الوقت بدأت مشكلة التموين والطعام تظهر بشكل ملح، وكان الناس خلال اليومين يعيشون على فتات الخبز المتبقى، وكان الموقف يوجب أن يحدث تنظيم لعملية التموين فى المدينة، كانت المحال التجارية استنفدت الموجود فيها وكذلك محلات الخضر والفاكهة، وكان لا بد من حل».
يذكر «العشى»، أن رأس جهاز التموين فى السويس كان عليه شاب اسمه علاء الخولى، أدار المعركة بكفاءة وطنية، مضيفا: «جاء الخولى من طنطا إلى السويس فى عام 1967، عاش الاعتداءات والأيام حالكة السوداء، وأصبح واحدا من أبناء المدينة الباسلة، كان الموقف أمامه لا يحتاج إلى روتين أو تعقيدات أو إمضاءات، فالسلع التموينية فى المخازن، والناس فى المدينة عددهم خمسة آلاف مدنى و15 ألف جندى دون مقررات تموينية ثابتة».
قام «الخولى» بحصر المعلبات الموجودة فى مخازن الجمعيات الاستهلاكية يوم 26 أكتوبر، وقرر أن يصرف على مسؤوليته لكل من فى المدينة دفعة منها مجانا»، كان لسان حاله يقول: «لا تهم الحسابات الآن، وفيما بعد يتم التحميل على أى بند»، يضيف العشى: «اختار ثلاثة مراكز للتوزيع، قال له المحافظ بدوى الخولى: الصرف يكون للعاملين فى الشركات والهيئات فقط ليمكن محاسبتهم بعد ذلك، لكنه قرر أن يصرف على مسؤوليته الشخصية لكل الناس».
قام «الخولى» وغارات الطيران مستمرة بحصر الكميات بدقة وفقا لـ«العشى»، مضيفا: «وجد أنه يمكن صرف علبة خضار باللحم وعلبة سردين وعلبة أسماك محفوظة، ونصف كيلو سكر لكل فرد على أساس أن تكون هذه الكمية لاستهلاك 15 يوما، كانت المشكلة الأخرى هى الخبز، فالدقيق الذى يجرى إنقاذه متوافر فى المخابز، لكن التيار الكهربائى متعطل وطلمبات ضخ السولار فى الأفران ضعفت طاقتها، ثم كيف يمكن تنظيم الآلاف التى احتشدت أمام المخابز للحصول على رغيف العيش؟ ظل «الخولى» ساهرا ليلة 26 أكتوبر، يفكر ويخطط ويتصل بالقيادات المدنية والعسكرية بالمدينة لحل هذه المشكلة، وقد كان».