الحاجة فرحانة.. بطلة سيناء خلّدها الوطن بتكريم رئاسي بمحور وحي يحملان اسمها.. أكبر مناضلة مصرية أمية أتقنت جمع المعلومات خلف خطوط العدو.. نقلت خرائط وصور سرية لمواقع ومطارات للعدو.. صور

الأحد، 27 أكتوبر 2024 09:00 م
الحاجة فرحانة.. بطلة سيناء خلّدها الوطن بتكريم رئاسي بمحور وحي يحملان اسمها.. أكبر مناضلة مصرية أمية أتقنت جمع المعلومات خلف خطوط العدو.. نقلت خرائط وصور سرية لمواقع ومطارات للعدو.. صور الحاجة فرحانة
شمال سيناء - محمد حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

 

في مدينة العريش، تحوّل منزل الحاجة فرحانة حسين سالم سلامة، الشهيرة بلقب "أم داود"، إلى وجهة استقطبت المهنئين والمباركين بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكريمها، بإطلاق اسمها على حي سكني في سيناء ومحور مروري في القاهرة، كنوع من التقدير لدورها البطولي في دعم المقاومة الشعبية خلال احتلال سيناء.

ظهرت الحاجة فرحانة، التي تجاوزت 100 من عمرها، في حالة صحية صعبة، ورغم ذلك بدت السعادة واضحة في كلماتها، ووجهت شكرها العميق للرئيس، قائلة: "فرحت جدًا بهذا التكريم، وأشكر الرئيس من كل قلبي، وأسأل الله أن يحفظه كما أكرمني بهذا التقدير".

وعبّرت أم داود عن امتنانها هي وعائلتها لهذا التكريم الذي ترى فيه تقديرًا لمسيرتها الطويلة والمليئة بالتضحيات، والتي بدأتها برفض الاحتلال الإسرائيلي والعمل على نقل معلومات دقيقة عن تحركاته. وذكرت أنها سبق لها لقاء الرئيس في حفل تكريم للأمهات المثاليات، حيث شعرت بالتقدير والحب من الجميع.

الحاجة-فرحانة
الحاجة-فرحانة

بدأت رحلة أم داود النضالية منذ لحظة احتلال سيناء بعد نكسة يونيو 1967، حيث اضطرت للهجرة مع عائلتها وست عائلات أخرى من مدينتها إلى محافظة سمالوط في المنيا، ومنها إلى محافظة البحيرة، ولكنها لم تقبل بالهجرة كحل دائم. بدلاً من ذلك، سعت للمساهمة في دعم مقاومة الاحتلال، وأصبحت واحدة من النساء السيناويات اللواتي قدمن جهودًا متميزة لدعم المخابرات المصرية، برغم عدم إجادتها القراءة أو الكتابة.

روى ابنها عبد المنعم إبراهيم، أحد أبناء الحاجة فرحانة، عن كفاحها الطويل في النضال السيناوي، مؤكدًا أن هذا التكريم يعتبر "الأكبر والأهم في حياتها النضالية". وأضاف أنها كانت تبدأ رحلاتها التجارية عبر طرق سيناء الوعرة، حيث اعتادت على نقل معلومات وصور عن تحركات العدو وتمركزاته. وتميزت بقدرتها على استخدام الرموز وتسجيلها بطرق مبتكرة، مثل رسم الرموز على الرمال، لتكون جاهزة لتسليمها إلى رجال المخابرات.

اليوم-السابع-يجرى-لقاء-مع-الحاجة-فرحانة
اليوم-السابع-يجرى-لقاء-مع-الحاجة-فرحانة

وإحدى حكاياتها تروي كيف طلبت من الشيخ حسين عرادة، أحد مشايخ سيناء، التوسط لها للعمل مع المخابرات المصرية. وبفضل عملها في تجارة الأقمشة، تمكنت من التنقل بين القاهرة وسيناء بشكل طبيعي، ما أتاح لها الحصول على معلومات حيوية عن تحركات العدو، ووصولها لمواقع عسكرية حساسة دون أن يثير الأمر الشكوك

من بين المهام التي كُلفت بها كانت نقل خرائط ومعلومات سرية من سيناء إلى القاهرة. حيث كانت تبدأ رحلتها من منزل المجاهد اشتيوي الحبانين بوسط العريش، حاملةً تلك المعلومات الثمينة عبر طرق طويلة وشاقة. كانت تسير أحيانًا لعدة كيلومترات سيرًا على الأقدام، مسترشدةً بالنجوم، حتى تصل إلى نقاط الاتفاق، مثل مناطق الدهيشة والقصب والهبش، ثم تنتقل بعد ذلك بوسائل نقل مختلفة حتى تصل إلى هدفها النهائي في القاهرة.

تكريم-رئاسي-بمحور-وحي-يحملان-اسم-الحاجة-فرحانة
تكريم-رئاسي-بمحور-وحي-يحملان-اسم-الحاجة-فرحانة

ومن بين المواقف البطولية التي واجهتها، كان حين طلبت منها المخابرات المصرية إيصال خريطة لمطار الجورة في منطقة الشيخ زويد، والذي كان يمثل قاعدة عسكرية حيوية للعدو. قامت بتمويه الخريطة داخل ثوبها بعد خياطتها، وتمكنت من تجاوز نقاط التفتيش وإيصالها بأمان إلى رجال المخابرات المصرية. ولم يقتصر دورها على الخرائط، فقد نقلت صورًا فوتوغرافية لمستعمرات إسرائيلية في الشيخ زويد.

وفي موقف آخر، تم إيقافها عند نقطة تفتيش مصرية في القنطرة، حيث عثر أحد الضباط المصريين على فيلم مخبأ في "الصوفية" التي كانت تلف وسطها بها. وعندما اكتشف الضابط الأمر واطلع على المهمة، كرمها بتقديم وجبة خاصة لها قبل أن يكمل إجراءات نقلها إلى القاهرة.

أكبر-مناضلة-مصرية
أكبر-مناضلة-مصرية

كانت الحاجة فرحانة تتبع تكتيكات ذكية للتخفي والتمويه؛ على سبيل المثال، كانت تتواصل مع المقاومين عبر إذاعة الراديو، حيث كان يُعتبر بث سلامها عبر الإذاعة إشارة إلى نجاح مهمتها، فتقوم مجموعات المقاومة بتوزيع الحلوى احتفالاً بنجاح العملية.

ولم تستسلم الحاجة فرحانة حتى عندما تم اعتقالها من قبل المخابرات الإسرائيلية التي حاولت إجبارها على التعاون معهم. لكنها ببساطة تظاهرت بالموافقة على ما طلبوه، ووعدتهم بتجنيد أشخاص من القاهرة، لكنها عادت وأبلغت المخابرات المصرية بكل التفاصيل، مستمرة في الوفاء بمهامها دون أن تثير الشكوك حولها، إلى أن عادت إلى سيناء بعد تحريرها في الثمانينات.

بعد سنوات من النضال، لا تزال أم داود رمزًا للإنسانية والعطاء في سيناء، حيث لم تتوقف عن مد يد العون لمجتمعها. تبرعت بخاتمها الذهبي الوحيد لصالح بناء مستشفى حياة للأورام في سيناء، مما يعكس حبها الكبير لوطنها وتفانيها في خدمته. وتعتبر ملهمة للكثيرين، حيث يقصدها الإعلاميون ورواد العمل المدني للاستفادة من حكمتها ونصائحها، وقد أصبحت شخصية تحظى بتقدير ومحبة المجتمع في شمال سيناء.

حصلت أم داود على تكريمات متعددة على مر السنين؛ أبرزها من الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2021 خلال احتفال تكريم الأمهات المثاليات، وكذلك من المجلس القومي للمرأة ومؤسسة حياة للتنمية وإذاعة شمال سيناء، بالإضافة إلى حزب حماة الوطن. كما أهدت الرئيس السيسي قطعة من التراث السيناوي تقديرًا لجهوده في حماية الوطن.

ولا يزال الإعلام يسلط الضوء على مسيرة الحاجة فرحانة، فقد سبق لجريدة "اليوم السابع" أن نشرت عنها تقارير موسعة، مما جعلها محط أنظار وسائل الإعلام المحلية والدولية. وجرى إنتاج فيلم تسجيلي عن حياتها من المجلس القومي للمرأة، استعرض تضحياتها وبطولاتها، ليبقى نضالها مصدر إلهام للأجيال القادمة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة