الحرب فى غزة تبدو أنها آخر اختبار للنظام العالمى والمنظمات الدولية القائمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كشفت الحرب التى تستمر لأكثر من عام، وتشهد جرائم حرب وإبادة وقتلا وتصفية عرقية، عن نهاية هذا النظام، وهى مؤشرات قائمة منذ عقود تحمل الازدواجية والبدائية، عجز النظام عن منع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ثم صمت أمام جرائم حرب ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، وتمتد إلى لبنان، وتوشك أن تشعل حربا إقليمية تلتهم ما تبقى من أوراق النظام العالمى.
وبالرغم من صدور قرار مجلس الأمن، نهاية مايو الماضى، بناء على مشروع أمريكى بوقف إطلاق النار فى غزة، فقد عجز النظام الدولى والولايات المتحدة عن تنفيذ الاقتراح الذى تم بناؤه على مقترح إسرائيلى، كان القرار من ثلاثة أجزاء، يتضمن وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين، ورفضت إسرائيل تنفيذ القرار.
وبالرغم من أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بقيت دائما فى إطار الدعم، وفى كل الحروب كانت الولايات المتحدة هى الراعى لإسرائيل، واتفق الجمهوريون والديمقراطيون على علاقة ارتباط ودعم وتحالف مع إسرائيل، باعتبارها حاملة طائرات أمريكية رخيصة، وكان هذا كله مرهونا بتوافق عن موعد بدء الحرب وانتهائها، ولكن فى هذه المرة تجاوزت الحرب العام الأول وتقترب من الشهر الثانى من العام الثانى، فشلت الولايات المتحدة فى انتزاع قرار بوقف الحرب فى غزة، بالرغم من لجوئها إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف الحرب، بل إن واشنطن أرسلت سرب طائرات إلى المنطقة قبل ساعات من هجمات الطيران الإسرائيلى لإيران، كما محت تل أبيب نظام صواريخ «ثاد» المضاد للصواريخ والمسيرات، تحسبا لأى رد إيرانى.
وبقدر ما كشفت الحرب ضعف وتردد وارتباك البيت الأبيض، فهى تكشف كيف يمارس نتنياهو واليمين الإسرائيلى ضغوطا على الولايات المتحدة ضمن عملية ابتزاز انتخابية، حيث يقف بايدن والديمقراطيون عاجزين عن وقف التدهور، ويتسابقون مع الجمهوريين فى إعلان أيهما أكثر دعما لإسرائيل، وحتى ما بدا أنه خلاف علنى بين بنيامين نتنياهو، وإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى يونيو الماضى، سرعان ما تحول إلى سحابة صيف، وأن نتنياهو يستغل الانتخابات للضغط على «الحليف المضمون» للحصول على المزيد من الأسلحة والأموال، خاصة أن ما قدمته الولايات المتحدة هو الذى منح إسرائيل القدرة على مواصلة الحرب كل هذه المدة التى تقترب من 13 شهرا، وهو ما أظهر الخلاف ضمن الضغوط والابتزاز.
وعلى مدى سنوات، منذ ما بعد انتهاء الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتى من السباق، مارست الولايات المتحدة عملية إضعاف للنظام الدولى، كشفت عن ثغراته وتهافته وعجزه أمام أى مشكلات أو تحديات، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، واجه هجمات وحملات كراهية من قبل إسرائيل، بسبب تصريحاته التى تتفق مع وظيفته الدولية ضد الاحتلال والعدوان.
كل هذه العلامات على سقوط النظام الدولى وعجزه ضاعف من حالة الرفض والتمرد ودعاوى إصلاح النظام الدولى، وإعادة ترتيبه، وقد أصبح مهددا، وظهرت تجمعات ومنظمات إقليمية ودولية مثل بريكس، الذى أصبح علامة على تهافت وضعف النظام الدولى، ورغبة تجمع «بريكس بلس» مؤخرا فى التوجه نحو بناء نظام أكثر قدرة على الاستجابة لتحولات عالمية فى الاقتصاد والسياسة.
ومن بين الدول التى لم تتوقف عن المطالبة بإصلاح النظام الدولى، تأتى مصر التى دعت إلى ضرورة التحرك الجاد من قبل الأطراف الدولية لإيجاد الأفق السياسى لتنفيذ حل الدولتين، كونه الضمانة الوحيدة لإنهاء الأزمة من جذورها، ودعم ركائز الاستقرار والتعايش فى المنطقة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة متصلة الأراضى على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الشاهد أن غياب أفق الحل وانسداد الآفاق يفتح الباب للعنف غير المنظم، الذى يتكرر ويمثل تهديدا يصعب توقعه أو السيطرة عليه، حيث تتكرر عمليات الطعن والدهس، وآخرها التى تمت فى محطة حافلات فى مرفق جليلوت بتل أبيب بالقرب من مبنى الموساد، والتى أسفرت عن مقتل 5 وإصابة 50، وتم إطلاق النار على سائق الحافلة وهو من عرب 48، وهذه العمليات تبقى تهديدا غير منتظم، وألغام قابلة للانفجار، نتيجة انسداد الآفاق، وغرور نتنياهو ومعسكر التطرف فى إسرائيل.