لاقت دعوة الكاتب والناقد رجاء النقاش رئيس تحرير «الكواكب» بتبنى المجلة للملحن الجديد الشيخ إمام عيسى اهتمام المبدعين، وانتظروا دعوتها وتنظيمها لحفلته بنقابة الصحفيين يوم 5 نوفمبر 1968، واستكتبت فى عددها رقم 900، 29 أكتوبر 1968 الكاتب الصحفى كامل زهيرى، والفنان المبدع عبدالرحمن الخميسى، والفنان محرم فؤاد، والشاعر أحمد فؤاد نجم الذى قدمنا مقاله أمس.. «راجع، ذات يوم، 29 أكتوبر 2024».
فى مقاله «بهرتنى سيطرته على الأنغام»، قال الخميسى: «سمعت الشيخ إمام فبهرتنى سيطرته على الأنغام، وطواعيتها له، إنه يغترف من قلب مصر، ويصوغ مشاعرها فى لغة النغم المصرى، وهو ينحو منحى التصوير المذهل، فيتصور الأنين والسرور كما يصور السخرية مستقاة من طبائع الإنسان المصرى، مسقية من تراث ومورقة فى تطلع إلى جديد.
إن قدرة الشيخ إمام على التصوير بالأنغام فائقة، حتى شعرت بأن الأنغام ألوان، وبأن الشيخ إمام يغمس فيها ريشة موهبته، ويرسم بها على العود، ومن خلال كلمات شاعره أحمد فؤاد نجم وبالصوت العريض الذى يتدفق من قلب الشيخ يرسم بها الفكاهة والدمعة والسخرية، ويقينى أنه ليس للشيخ إمام نظير بين الملحنين المصريين من حيث قدرته على التصوير الفنى، ومن هنا ينبغى على أولئك الذين يؤدون ألحان الشيخ إمام أن يقوموا بأدائها أداء تمثيليا.
بعد هذا فإن هناك ظاهرة أخرى جديرة بالتسجيل حول الكلمات التى نظمها أحمد فؤاد نجم والألحان التى صاغها لهذه الكلمات الشيخ إمام، إن الشعر الشعبى واللحن يؤلفان لدى المستمع وحدة عضوية واحدة لا يمكن أن ينفصل جزء منها عن سواه، فلا يصور الكلام شيئا يغترب عن اللحن، ولا يتجه اللحن إلى منحى لا يصوره الكلام، والحقيقة أن هناك تعانقا بين الصياغتين فى الشعر واللحن من نوع ذلك التعانق الذى يجعل الاثنين واحدا.
إن الشاعر الشعبى أحمد فؤاد نجم يستعمل الصور الشعبية فى شعره، وأخطر من هذا أنه يستخدم الصياغة الشعبية فى نظم أغانيه، فلا يصنع فى جسد الشعر الشعبى أجنحة من التهويم، لا يستطيع أن يطير بها، إن قصائده البسيطة تستمد روعتها من بساطتها ولكونها تمشى بقدميها على الأرض، أرضنا نحن، وعندى أن الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم يستطيعان أن يشقا طريقا جديدا للحن المصرى والكلمة الشعبية المصرية وهو تتويج لأحلامنا الطيبة فى خلق ألحان مصرية أصيلة ليست مستوردة، ولا تضع المساحيق فوق وجهها وإنما تبلل ملامحها السمراء بقطرات من مياه النيل وتلفحها الشمس وتمضى رافعة الهامة من خلفها أغانى الحقول ومن أمامها أناشيد المصانع».
وبعنوان «صيحة جديدة» كتب كامل زهيرى: «صيحة جديدة كنا ننتظرها منذ مدة طويلة، بل وطال انتظارنا لها، فيها قسوة وفكاهة، وروح مصرية ذكية، إنها أقرب إلى ألحان الشعب وكلماته، وقفشاته، إنها تبتعد عن ألحان الأباجورات والقطيفة والكورسيه والباروكة التى أصبحنا نسمعها الآن ومنذ سنوات، إن الألحان الشعبية التى نسمعها فيها كثير من الحذلقة والتلميع، ولكن ألحان الشيخ إمام الشعبية فيها روح الشعب، بل إن فيها مزيجا من القسوة والفكاهة معا، وهذا فى رأيى ما نحتاجه الآن، وفى حديثى إلى الشيخ إمام كان يضفى على كل شىء معنى جديدا ونغمة جديدة تجعله يتألق بالأمل وبإشراقة حلوة من معنى الحياة، أسمعنى جميع ألحانه وفوجئت بالمسرح الغنائى أمامى حديثا، ولو كنت أمتلك القدرة على إقامة مسرح غنائى لكنت بدأت فورا بالتنفيذ والغناء بألحان الشيخ إمام».
وقال الفنان محرم فؤاد فى مقاله: «ذهبت إليه وكنت أردد فى نفسى العبارة القائلة «العلم بالشىء ولا الجهل به»، ولكننى عندما شاهدته وجدته قطعة كبيرة من التاريخ، تجاوز الخمسين وعوضه الله عن نعمة البصر بالإحساس ورقة مداعبة صديقه العود، طيب الحديث، راهب فى معبد، استطعت أن أشم رائحة التاريخ القديم والحديث فى مجلسه، سألته عن السنين والأيام فى حياته، وكيف أبعدته عن المسرح الغنائى، وبعيدا عن الأضواء، فأجابنى كما يجيب فنان متواضع تنقصه الفرص.
وليس عجيبا أن تكون للشيخ إمام هذه الصورة الجديدة عند الناس وهو الشيخ القديم الذى لم يأت بجديد، ولم يخرج قيد أنملة عن المقامات العربية والإيقاعات التى يعرفها جميع الملحنين، ولم تبارح أداءه «لكنة» الأداء القديمة التى نعرفها عن المشايخ الفنانين ومطربى الجيل الماضى، فالحقيقة أن الجديد فى الشيخ إمام هو توظيفه إمكانيات الغناء العربى التقليدى المباشر الصريح اللاذع مما يملأ صدور الناس، ويغور فى حياتهم اليومية العادية.
إن الشيخ إمام صاحب صوت ثرى مدرب على الغناء العربى الكلاسيكى تدريبا صحيحا، وصوته الذى يمتد امتدادا سليما بضعة عشر مقاما، لا تنقصه المحسنات الصوتية العربية التقليدية المحببة إلى الأسماع، والتى يسمونها «العرب» بضم العين وفتح الراء، هذا هو فيما أظن سبب رغبته فى أداء ألحانه بنفسه، وبخله على المطربين والمطربات بهذه الألحان التى يبلغ بعضها درجة عالية تدل على ذوق فطرى سليم.