أعلى الإسلام من قيمة السلام، وأرشد أتباعه إلى الاتصاف بكل حسن جميل، والانتهاء عن كل فاحش بذيء، حتى يعم السلام البلاد، ويَسْلَم كل شيء في الكون من لسان المؤمن ويده ، ولا عجب - إذا كانت هذه رسالة الإسلام أن يكون أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة هو حسن خُلقه، قال صلى الله عليه وسلم: «أثقل شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذئ» أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأن يكون الخلق الحسن دليلاً على كمال الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» أخرجه الترمذي.
مركز الأزهر للفتوى الالكترونية سلط الضوء على ظاهرة التنمر ووضع لها علاج ورصد تأثيرها وأسبابها ، مؤكدا إن التنمر من السلوكيات المرفوضة التي تنافي قيمتي السلام وحسن الخلق في شريعة الإسلام.
والتنمر لمن لا يعرفه هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء والسخرية يُوجّه إلى فرد أو مجموعة أضعف من قبل فرد أو مجموعة أقوى بشكل متكرر، بحيث يلجأ الأشخاص الذين يمارسون التنمر ضد غيرهم إلى استخدام القوة البدنية للوصول إلى مبتغاهم، وسواء أكان الفرد من المتنمرين أو يتعرض للتنمر، فإنه مُعرّض لمشاكلات نفسية خطيرة ودائمة.
وقد حرم الإسلام الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ﴾ [البقرة: ١٩٠]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه.
والضرر الذي وجه الإسلام لإزالته ليس الجسدي فقط، وإنما وجه - كذلك لإزالة الضرر النفسي الذي قد يكون أقسى وأبعد أثرًا من الجسدي، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوْعَ مُسْلِمًا» أخرجه أبو داود، وقال أيضًا: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ - أي: وَجَّهَ نحوه سلاحًا مازحًا أو جادًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» أخرجه مسلم.
ولم يقتصر النهي على هذا فقط، بل نهى الإسلام كذلك عن خداع الناس المؤدي إلى إخافتهم وترويعهم ولو على سبيل المزاح فيما هو معروف بـ (المقالب)، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعٌ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًا» أخرجه أبو داود.
ولا يخفى أن الاستهزاء المستمر من شخص، أو خلقته، أو اسمه أو مجتمعه يسبب له جرحًا نفسيا عميقا قد يستمر معه طوال عمره، وقد يدفعه إلى كراهية المجتمع، أو التخلص من حياته؛ مما يجعل حكم هذه الممارسات هو الحرمة، وحكم مواجهتها هو الوجوب.
ومع وجود التنمر في منظومات المجتمع المختلفة إلا أن وجوده في أماكن تلقي العلم من مدارس ومعاهد أشد خطرا، وأعظم ضررا، لكونه يتنافى مع دور التعليم الرئيس في تهذيب السلوك وسمو الوجدان، ولأن أغلب أضراره تقع على أطفال في مقتبل أعمارهم، ويمكن الوقف على بعض هذه الأضرار من خلال الآتي:أولاً سلب حق الطفل الذي يتعرض للتنمر في العيش الهنيء، ثانيا: كراهيته لمدرسته ومجتمعه وقلقه الدائم من الانخراط فيهما، ثالثاً : عدم قبوله النصح والتوجيه من المعلم في المدرسة أو الوالدين في البيت، رابعاً : غياب خلق احترام المعلم بين طلابه ، خامساً : تفريغ المدرسة من دورها الإرشادي والتربوي ، سادساً : تمادي الطفل المتنمر في سلوكه المعتدي مما يرسخ لديه هذا السلوك في حاضره ومستقبله، سابعاً : تحول الطفل الذي يتعرض للتنمر إلى متنمر على من هو أصغر أو أضعف منه؛ بسبب الممارسات الظالمة الواقعة عليه.
لهذا؛ على الوالدين أن ينتبها لحال الطفل في البيت، وصحته النفسية؛ فقد تصدر منه تصرفات تدل على تعرضه للتنمر في مدرسته أو مجتمعه بشكل عام، ويمكن إلقاء الضوء على أشهرها من خلال النقاط الآتية: أولاً : اعتكاف الطفل في غرفته لأوقات طويلة، ورفضه الجلوس على مائدة واحدة مع أسرته، ثانياً: ظهور تغير واضح في سلوكه كتوتره، أو تعلقه الزائد بالأهل، ثالثاً : ظهور تغير في عادته اليومية كرفضه الأكل في مكان معين أو المشي من طريق معين، رابعاً : التراجع المفاجئ في مستواه الدراسي، وصعوبة تركيزه، خامساً: شكواه من أمور لم يكن ينتبه إليها أو يشكو منها كشيء في شكله، أو اسمه، أو مكان معين، سادساً : طول مدة سكوته، واكتفاؤه بإظهار الموافقة على كلام المتحدث سواء أكان صحيحا أم خاطئا، سابعاً: تنازله عن مصروفه وألعابه لأحد إخوته بشكل دائم، ثامناً : تلعثمه في الكلام، وحكمه على نفسه بالفشل، تاسعاً : ظهور كدمات في جسده دون معرفة سببها، أو رؤية كتبه مُمَزَّقة وأدواته مهشمة دون صدور شكوى منه، عاشراً : استيقاظه من نومه فزعا، ورؤيته كوابيس بشكل شبه دائم.
وقد يرى الوالدان من سلوك طفلهما ما يدل على ممارسته التنمر على زملاء دراسته أو لعبه، كعدوانيته وميله للعنف، وحدد مركز الأزهر للفتوى بعض النصائح التي تهم الوالدين كي لا يقع أولادهم فريسة للتنمر: أولا: تعليم الطفل كيف يكون واثقا في نفسه وتنمية مهاراته الاجتماعية، ثانياً: تعليم الطفل مهارات الأمان بما في ذلك طلب المساعدة من المعنيين مثل: المعلم أو مدير المدرسة، وكيف يكون حازما وكيف يستعمل المرح والأساليب الدبلوماسية المناسبة للتخلص من الأوضاع الحرجة كالموافقة على التهكم ومسايرته ، ثالثاً: إذا علم الوالد أن ابنه يمارس ضده التنمر في مدرسة عليه أن ينتبه ويتابع الأمر مع مدير مدرسة ابنه ومعلميه.
أما إن اكتشف الوالدان ممارسة ابنهما التنمر على غيره أو اكتشف ذلك المدرس، فلابد من مراعاة الآتي: اولاً: فتح حوار هادئ مع الطفل صاحب السلوك التنمري ومحاولة إحلال سلوك سوي بديل عن طريق حافزأو مكافئة، ثانياً: تدريب الطفل صاحب السلوك التنمري على اكتساب مهارات اجتماعية مختلفة، وعلى استخدام لغة بديلة للغة الهجوم الجسماني، وعلى تأجيل التعبير عن الانفعالات.
وللوقاية من التنمر وأضراره لا بد من مراعاة أمور داخل الأسرة والمدرسة، أولا: غرس التواضع والحلم وحب الآخرين في الطفل منذ صغره،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوِ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» أخرجه مسلم.، ثانياً: تربية الطفل منذ صغره على توقير الكبير والعطف على الصغير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقٌّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا سنن أبي داود، ثالثا: إيجاد بيئة اجتماعية جيدة للطفل من خلال انتقاء صحبة صالحة تعينه على فعل الخير، وحسن الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» أخرجه البخاري، رابعاً: تقويم الطفل وعدم تبرير أخطائه حتى لا يختل ميزان الخطأ والصواب لديه، مع مراعاة الرفق واللين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» أخرجه مسلم.
خامساً: المساواة بين الطلاب في أماكن التعلم، وعدم التمييز بينهم إلا لمكافئة على عمل، أو تخلق بخلق حسن، سادساً: إبعاد الطفل عن مشاهدة العروض والمشاهد التلفزيونية العنيفة، بما في ذلك أفلام الكرتون وألعاب الفيديو التي تنمي العنف، سابعاً: كف الوالدين عن ممارسة العنف والعدوانية داخل الأسرة سواء كان أطفالها يمارسون التنمر أم لا، وإبعاد الأولاد عن مشكلاتهم، ثامناً : عدم مناداة المعلم أحد طلابه بما يكرهه أو ينتقصه أمام زملائه؛ لما لهذا من أثر سيء على صحة الطفل النفسية، فعن أنس رضي الله عنه قال: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلَا لَعَانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ؟!ترب جبينه» أخرجه البخاري، تاسعاً: تعزيز الاحترام المتبادل بين الطلاب من خلال الأنشطة التربوية الداعمة لذلك، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: ٢]، عاشراً:عدم الإسراف في العقاب أو الهجوم اللفظي على الطفل الخطأ المرتكب المخطئ، بل ينبغي تناسب العقاب مع حجم فأغلب المتنمرين كان سبب ميلهم للعنف هو تعرضهم للعنف والاضطهاد في صغرهم، حادى عشر: إرشاد الطلاب إلى أن القوة تكمن في ضبط النفس، والتحلي بالصبر عند مواجهة الفعل الخاطئ، وتدعيم ذلك الأمر من خلال مقررات دراسية وأساليب تربوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» أخرجه البخارى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة