نجمة مرفهة رقيقة مدللة، تبحث عن أحدث خطوط الموضة فى باريس ولندن، تعيش حياتها بين الكاميرات والأضواء وتتصدر صورها أغلفة المجلات، وربة بيت تتهجد وتقرأ القرآن، تصلى الفجر ثم تصنع كيكة البلح التى يعشقها زوجها وأبناؤها لكى يستيقظوا على الرائحة الذكية، وتمشى على أطراف أصابعها كى لا تزعج زوجها، تكرس حياتها وعمرها لعبادتها وزوجها وأبنائها، ولا تبالى بالعالم الخارجى، وهجومه وانتقاداته الموجهة إليها، فارق كبير بين الصورتين، وبين الاختيارين، قد يرى الكثيرون استحالة أن تتحول النجمة المدللة إلى الصورة الثانية لربة البيت الزاهدة التى تكرس حياتها للعبادة ولأسرتها وزوجها وأبنائها، ولكن هذا كان اختيار الفنانة المعتزلة شمس البارودى منذ ما يقرب من 42 عامًا وهى فى أوج جمالها وشبابها ونجوميتها عندما قررت أن تنسحب من حياة الشهرة والفن والنجومية والأضواء لتختار طريقاً آخر بشكل مفاجئ ليس للوسط الفنى فقط ولكن حتى للمقربين منها.
ففى عام 1982 كانت النجمة الجميلة شمس البارودى تستعد لبطولة فيلم جديد، واشترت الملابس من فرنسا، كانت وقتها فى أواخر العشرينيات وقبل التصوير ذهبت لأداء العمرة مع والدها.
وتحدثت شمس البارودى فى حوار لـ"اليوم السابع" عن قرار الاعتزال قائلة: "اتخذت هذا القرار فى أول عمرة فى حياتى عام 1982، وكنت فى صحبة أبى، وقبل العمرة كنت أستعد لفيلم جديد أشارك فيه البطولة مع زوجى حسن يوسف واشتريت ملابسه من أكبر محلات باريس، وكنت قد أنجبت ناريمان ومحمود، وأنعم الله على بختم القرآن فى أيام العمرة، وعندما وقفت أمام الكعبة استشعرت مدى ضآلة الإنسان وضعفه وقلة حيلته أمام عظمة الله، وقبلت الحجر الأسود، ووقفت فى الثلث الأخير من الليل رافعة يدى وأنا أدعو الله أن يقوى إيمانى، وظللت أردد هذا الدعاء وجسدى يرتجف من البكاء، وكانت تلك الليلة هى الحد الفاصل فى حياتى، وقررت فيها الاعتزال والتفرغ لأسرتى وعباداتى".
اندهش الجميع من هذا القرار المفاجئ الذى اتخذته النجمة التى حازت شهرة واسعة خلال فترة السبعينيات، بل هاجمها الكثيرون، حتى أولئك الذين يتشدقون بحرية المرأة وانهالوا عليها بالاتهامات وشككوا فى دوافعها لاتخاذ هذا القرار، وكأنه ليس من حقها أن تختار الطريق الذى تحبه.
لم تهتم شمس البارودى بهذه الاتهامات ولم تهتز لكل المغريات التى حاولت إثناءها عن هذا القرار بمزيد من العروض لبطولة أفلام جديدة، بل لم تشغل نفسها بالرد على هذه الاتهامات، واكتفت بنشر إعلان تتبرأ فيه من أعمالها، ونشر والدها مقالاً يرد فيه على بعض هذه الاتهامات التى ادعى بعضها أن النجمة المعتزلة تلقت تمويلات لاتخاذ هذا القرار.
كانت شمس البارودى على استعداد لتحمل كل تبعات قرارها تعرضت لظروف صعبة خلال هذه الفترة، رغم أنها كانت مدللة طوال حياتها، واضطرت للاستغناء عن المساعدين الذين كانوا يساعدونها فى المنزل، ومنعت من دخول بعض الأماكن، خاصة عندما قررت بعد 4 سنوات من ارتدائها الحجاب أن ترتدى النقاب، ولكن كل هذا لم يثنها عن قرارها الذى اتخذته فى اعتزال الأضواء بلا رجعة، وكانت على استعداد لتحمل تبعاته أيًا كانت، وربما كان التشكيك والاتهامات لأن البعض لم يستوعب فكرة أن تترك الفنانة الجميلة كل مغريات الشهرة والنجومية التى يتمناها الكثيرون، ولكن شمس لم تكن ترى سوى ما عاهدت عليه الله وهى فى بيته الحرام، واعتبرت أن هذا الهجوم والتشكيك ابتلاء من الله لاختبار قوة إيمانها وصلابة موقفها، ونجحت فى الاختبار الصعب ولم تتراجع.
وأوضحت شمس البارودى فى حوارها معنا أنها ورغم ابتعادها عن الأضواء نهائيًا إلا أن الهجوم عليها كان يشتد عليها كلما قررت إحدى الفنانات الاعتزال وارتداء الحجاب، خاصة أنها كانت أول فنانة اتخذت هذا القرار، بالرغم من أنها لم تدعو أى منهن لاتخاذ ما قررته لنفسها.
حفظت شمس البارودى القرآن وظلت طوال فترة شبابها ولمدة قاربت 20 عامًا ترتدى النقاب حتى قررت أن تتخلى عنه، وتكتفى بالحجاب، مؤكدة أن الشيخ الشعراوى أفتاها بأن النقاب ليس فرضًا، فتركته واكتفت بالحجاب.
وأكدت شمس البارودى أنها حتى وقت قريب كانت تتلقى عروضًا لإعادتها للأضواء، وآخرها عرض من إحدى القنوات الفضائية لتقديم برنامج دينى أو الحديث عن حياتها وتجربتها الشخصية مقابل الملايين ولكنها رفضت بشكل قاطع، مؤكدة أن للدعوة أهلها من علماء الدين الأكثر قدرة على هذه المهمة، كما رفضت الظهور فى برامج للحديث عن تجربتها وحياتها، وأكدت أنها لن تعود للتمثيل حتى لو فى أدوار دينية مهما كانت الإغراءات، وقالت : أنا مكتفية بمعية الله ورسوله ولا أريد أن يشغلنى شيئ عن حياتى التى اخترتها لنفسى وأخشى فتنة الإعلام التى تستلزم أن أنشغل بمظهرى وجمالى".
تعرضت شمس البارودى منذ اعتزالها لهجمة شرسة فتشت فى نواياها، رغم أنها اعتزلت فى صمت ولم ترد على أى من هذه الاتهامات، ولم تطلق أى فتاوى أوتدلى بأى تصريحات سواء لتحريم الفن أو لدعوة الفنانات للاعتزال، وكانت كلما اشتد الهجوم شراسة تكتفى بالبكاء والدعاء بأن يثبتها الله على ما اختارته لنفسها.
وبين حين وآخر وكلما ظهرت شمس فى أى مناسبة اجتماعية أو التقطت لها صورة لها مع زوجها الفنان حسن يوسف تتعرض لسخافات وتعليقات ممن يعايرونها بتاريخها الفنى ويطعنون فيها، فاكتفت مؤخرًا بالرد على هذه الإساءات، قائلة: "أقول لمن يعايرونى بأعمال فنية كل جميلات الفن شاركوا فى مثلها، أنا اعتزلت في قبل سن 30 تاركة الشهرة والمال من أجل رضا الله، فاتقوا الله فى خلق الله وكل من يتقول بكلمة هو خصيمي يوم القيامه وحسبي الله ونعم الوكيل".
وطوال السنوات الطويلة الماضية كانت شمس البارودى تصبر على ما تتعرض له من ضغوط بسبب اختيارها وتحتسب، حتى كان الابتلاء الأكبر فى حياتها العام الماضى عندما فجعت بغرق عبدالله أصغر أبنائها الشاب الذى لم يتجاوز عمره 35 عاماً فى الساحل الشمالى، وما أصعبه من اختبار وابتلاء لأى أم ولشمس التى ترتبط ارتباطاً شديداً بزوجها وأبنائها وخاصة عبدالله، انهارت شمس من صدمة الحدث الجلل لكنها سرعان ما تقبلت أمر الله وأدركت أنه اختارها لهذا الابتلاء الصعب وعليها أن تصبر وتحتسب وتتماسك حتى تخفف عن زوجها الحبيب الفنان حسن يوسف وباقى أبنائها ناريمان وعمر ومحمود ، ليأتى عيد ميلادها هذا العام وقد انطفأت شمعة من شموع حياتها برحيل أصغر أبنائها، ورغم صدمتها التى لا توصف تحاول شمس البارودى أن تستعين بالصبر والصلاة والقرآن وأن تخفف عن أسرتها وأبنائها و زوجها الحبيب الفنان الكبير حسن يوسف الذى لم يستطع أن يتجاوز أحزانه وقرر اعتزال الفن، وتفرغ للعبادة ولم يعد يأنس سوى بوجوده مع أسرته، كما أكدت شمس البارودى فى تصريحات سابقة لليوم السابع.
وتقضى البارودى أغلب أوقاتها فى الصلاة وقراءة القرآن والاعتناء بزوجها والاطمئنان على أبنائها ولا تشغل نفسها بأى شيئ أخر لعلها تجد فى عباداتها وأحبابها السلوى التى تخفف من أحزانها وابتلاءاتها.