كنت أنظر لمياه قناة السويس فهى هادئة والطيور تحوم فوق الأسماك، وما إن آن وقت العبور حتى امتلأت هذه المياه بقوارب الجنود المصريين، تتعالى صيحاتهم الله أكبر والطائرات من فوقهم تدك حصون العدو".. بهذه الكلمات وصف شاذلى حسن محمد، أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، لحظات النصر فى عبور قناة السويس.
فى الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر 1973، التقى "اليوم السابع" بأحد أبطال النصر وهو شاذلى حسن محمد، مهندس زراعى بالمعاش، يبلغ من العمر 71 سنة، مقيم قرية القنادلة التابعة لمركز إدفو محافظة أسوان، للحديث عن ذكريات الحرب ولحظات النصر.
قال المجند شاذلى حسن، لـ"اليوم السابع": التحقت بالجيش مجنداً يوم الرابع من مايو عام 1973، أى قبل الحرب بِشهور قليلة، وكان عمرى وقتها 20 سنة، وكان الجنود يشعرون بحماس غير عادى ومعنويات مرتفعة استعداداً للحظة الاشتباك مع العدو، فى ظل التدريبات المكثفة التى يخضع لها أفراد الجيش المصرى، ورغم أن الجنود لا يعلمون لحظة الحسم، إلا أن المعنويات مرتفعة والرغبة فى رد الكرامة كانت قوية خاصة بين الجنود القدامى فى الجيش".
وأضاف شاذلى، أنه انتهى من فترة مركز التدريب بالمعادى وحصل على المركز الأخصائى، ثم تم توزيعه على الفرقة 18 "مشاه ميكانيكا" بقيادة اللواء فؤاد عزيز غالى، الذى قاد الفرقة بكل كفاءة أثناء الحرب، معلقاً: "كان نصيبى المشاركة فى هذه الكتيبة التى عبرت قناة السويس أمام دوشمة 51 إحدى النقاط الحصينة فى جيش العدو على خط برليف".
وتابع: "قلت مرة للقائد فى الجيش يا فندم مخدناش أجازات خالص من ساعة ما وصلنا، رد علينا قائلاً: الخير على قدوم الواردين، وقتها قلت له متسائلاً: هل إسرائيل سترحل ؟ قال لى: بل نحن من يرحل"، موضحاً أن الفرقة نقلت مكان تدريباتها إلى ترعة الإسماعيلية للتدريب على عبور القناة، وكان ذلك لمدة 25 يوماً، وكانت التوجيهات أنه فى حالة العبور سنفعل كذا وكذا.
وأشار، إلى أن الوضع كان مهيئاً للقتال مع العدو ولكن لا يعلم أحد من الجنود أو القادة الأعلى منهم توقيت الحرب، خاصة أن السادات خدع العدو بعد أن كان يعلن تعبئة الجيش ثم يلغيه أكثر من مرة، مما أربك إسرائيل وشتت تركيزهم وأفقدهم ثقتهم فى قدرة المصريين على العبور، حتى حانت ساعة الصفر وحسم الأمر.
ووصف المجند البطل، مشهد قناة السويس قبل لحظات من ساعة الصفر، قائلاً: كان الهدوء يملأ المكان العدو منشغل بعيده فى السادس من أكتوبر ويعتقد أن الجو حر والمصريين صائمين لا طاقة لهم بالحرب فى هذا الوقت، وكانت القناة هادئة تحوم الطيور فوق الأسماك فتحولت المياه فيها إلى "بركان ثائر" للجنود المصريين الذين عبروا فوق ساتر جوى من النيران، وسط صيحات التكبير "الله أكبر" وملؤا القناة بالقوارب المطاطية، وكان لى الشرف نفخ الفاصل الأيمن لأحد هذه القوارب وكذلك التجديف الثالث الأيسر له أثناء العبور.
وأوضح، أنه كان يحمل هو وزملائه مدفع مضاد للطائرات اسمه "12 و7" وكان وزنه يصل لنحو 166 كيلو جرام على سلالم الحبال التى وضعت على الساتر الترابى، وصعدوا به على ارتفاع يصل لنحو 20 متراً وهم يحملونه 3 أبطال للدرجة التى كان يغرس أحدهم نصفه فى الرمال لدفع الحمل لأعلى أثناء رفع المدفع، لافتاً إلى أن هذا المدفع كان يصعب على 4 جنود حمله فى أرض منبسطة ممهده وقت التدريب، وأما وقت النصر كانت القدرة الإلهية هى التى حملت عنهم ذلك الحمل الثقيل لقتال العدو.
وكشف بطل العبور، أن صيحات التكبير "الله أكبر" كانت تهز الأرض وكان صوت الجنود بها أعلى من صوت ضرب المدافع والدبابات، فكانت هذه الصيحة هى سلاح النصر الحقيقى الذى انهزم به العدو، موضحاً أن فرقته نجحت فى الالتفاف حول العدو وتدمير نقاطه الحصينة وقتل جنود الاحتلال أينما كانوا، وعلق قائلاً: "كانت أسعد لحظات حياتى عندما عبرنا للضفة الشرقية من القناة".
وعن قصة استشهاد زملائه، قال شاذلى: كانت هناك بعض دبابات العدو المتحصنة فى بعض النقاط تضرب وترجع لمكان اختبائها مرة أخرى وقتلت واحدة منهم 34 جندياً من زملائى المصريين، وكان من بينهم "صلاح راشد والسيد الغيطانى"، اللذان حرصت على دفنهم بنفسى رغم انشغالى بالحرب، فسارعت إلى "بطانيتين" ولففتهما حول الشهيدان، بزيهما العسكرى وبيادتهما الميرى وهيئتهما التى لقيا ربهما بها، لأدفنهما بنفسى وكتبت على أظرف كانت معى اسم زملائى الشهيدين.
وأكمل قصة أصدقائه الشهداء، قائلاً: بعد انتهاء المعركة استجاب قادة الجيش لرغبة أهالى الشهداء بدفن أبنائهم فى مسقط رأسهم، وكان لصديقى الشهيد صلاح راشد النصيب فى نقل جثمانه بنفس هيئتها التى دفنت عليها للدفن فى مسقط رأسه بالصعيد بمحافظة أسوان، وبعد مرور 21 سنة توفى جده وعندما أردوا دفنه بجواره وجدوا جثة الشهيد ابنهم كما هى لم يمسها الدود أو تتغير ملامحها بعد الموت، وفى عام 2015، أى بعد مرور 42 سنة على استشهاده، توفى شقيق الشهيد وفتحوا مقبرة الأسرة وكانت المفاجأة بعد أن وجدوا الشهيد على هيئته التى استشهد عليها ووصفه أحدهم: "كان ناقص يفتح عينه".
وعلق صاحب النصر: "كان أمنيتى أن أكون معهم شهيداً وألحق بأصدقائى والذى استشهد أحدهم مكانى بعد أن غير مكانه وقت العبور ليأخذ مكانى وآخذ مكانه بأمر من القائد ليكتب الله لصديقى الشهادة"، مؤكداً أنه عكف على تنظيم قصائد فى الشعر لمدح أمجاد أبطال النصر من زملائه.
وعن أسرته، ظل البطل شاذلى حسن محمد، طيلة 4 أشهر بعد النصر، لم يحصل على أجازة ولم ينزل إلى أسرته فى أسوان حتى اعتبره أهله ضمن المفقودين وحزنت عليه والدته وبدأ بعض الأهل يقدمون العزاء فيه حتى جاءت البشرى ووصل إليهم واحتضنته أمه وانهارت من البكاء الممزوج بالفرحة وتحول الحزن إلى فرح وأطلقت الأم الزغاريد فرحاً بابنها البطل واجتمع الكل حوله فخورين بابنهم البطل.
وكان البطل المقاتل شاذلى حسن محمد، يملك "نوتة" خضراء يقول عنها: جمعت فيها عناوين وأرقام زملائى الأبطال طوال فترة التجنيد، وظللت أتواصل معهم وأذهب لزيارتهم ولأسر الشهداء منهم، وبعض العناوين كانت قد اتمحى حبرها بعد أن سقطت هذه النوتة فى مياه القناة، ولكن الإصرار على الوصول لأصدقائى من جيل النصر، كان دافعاً للوصول إليهم، للدرجة التى وصل إلى بعضهم بعد مرور أكثر من 40 سنة على نهاية التجنيد.
أثناء-تواصله-مع-زملائه-وأسرهم
البطل-شاذلى-حسن-محمد
البطل-فى-قريته-بأسوان
البطل-يسترجع-ذكرياته
البطل-ينظم-قصائد-لمدح-زملائه
إيد-البطل
بطل-أكتوبر-المجند-شاذلى-حسن-محمد
بطل-الحرب-يروى-ذكريات-النصر
بطل-العبور
بطل-النصر-مع-صحفى-اليوم-السابع-
بطل-حرب-أكتوبر-يتواصل-مع-زملائه
تحقيق-شخصية
جانب-من-الذكريات
جانب-من-حياة-البطل
ذكريات
ذكريات-البطل
ذكريات-النصر_1
شهادة-عبور
صحفى-اليوم-السابع-مع-أحد-أبطال-حرب-أكتوبر
صور-تذكارية
فى-منزل-البطل