ناول «بريماكوف» مبعوث الرئيس السوفيتى جورباتشوف ورئيس الوزراء من 1998 إلى 1999، رسالة رئيسه إلى الرئيس العراقى صدام حسين فى بداية لقائهما، 5 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1990 لبحث أزمة الغزو العراقى للكويت يوم 2 أغسطس 1990، حسبما يذكر فى كتاب «يوميات بريماكوف فى حرب الخليج».
كان بريماكوف مكلفا من جورباتشوف بمهمتين فى لقائه بصدام يذكرهما، قائلا: «الأولى، السماح للخبراء السوفيت الذين يرغبون فى العودة إلى الوطن بمغادرة العراق، والثانية، أن يظهر لصدام أنه لا جدوى من امتناعه عن تنفيذ مطالب مجلس الأمن الدولى، واستكشاف الإمكانات التى تضمن انسحاب القوات العراقية بالوسائل السلمية».
يكشف «بريماكوف» وقائع خط سير رحلته إلى بغداد، مؤكدا خبرته الجيدة بالمنطقة العربية، حيث كان مراسلا بمنطقة الشرق الأوسط لجريدة «البرافدا» فى ستينيات القرن الماضى، وأقام لسنوات بالقاهرة، كما كانت له ذكريات مع العراق وصدام، يكشفها قائلا: «معرفتى القديمة جدا بصدام حسين لم تكن سرا، وحينما كنت مراسلا لجريدة «برافدا» بالشرق الأوسط كتبت عن جولاتى بشمال العراق، ولقاءاتى وأحاديثى مع الملا مصطفى البرزانى زعيم الثوار الأكراد، والتقيت صدام أول مرة عام 1969، كان آنذاك من أقوى أعضاء القيادة العراقية نفوذا، والتقيت به مرارا فى السبعينيات والثمانينيات فى زياراته لموسكو وفى مأمورياتى لبغداد، وقامت بيننا علاقات أتاحت لى التحدث معه بصراحة دون تكلف دبلوماسى ومع اعتبار طباعه النفسية».
جرى اللقاء فى قصر الرئاسة ببغداد، وحضره طارق عزيز، وزير الخارجية، وطه ياسين رمضان، نائب صدام، ويتذكر بريماكوف، أن صدام استغرق فى قراءة رسالة «جورباتشوف» المترجمة للغة العربية بالخارجية السوفيتية، ولم يظهر عليه انعكاسات مباشرة للعبارات الحازمة حول ضرورة الانسحاب من الكويت فورا»، ويؤكد: «كان الجو متوترا فى بداية اللقاء»، ويضيف: «بعد أن كرر صدام كل ما سمعنا سابقا من طارق عزيز عن الكويت، طرحت على نحو جاد المسألة المتعلقة بخبرائنا، ورد فورا: كل من يريد الرحيل فى وسعه ذلك، ولكن العراق يحدد عدد الراحلين فى الشهرين المقبلين بألف فرد فقط حتى لا يؤدى ذلك إلى عرقلة العمل وتوقفه».
يذكر «بريماكوف» أن صدام تحدث عن «انتماء الكويت للعراق»، ويصف حديثه بأنه «فقرة إلزامية»، ثم انتقل لمواضيع أخرى، قائلا: «أصبح العراق فور إحراز النصر العسكرى على إيران هدفا «لمؤامرة متعددة الأطراف، ومن المحال أن تسمح الولايات المتحدة وإسرائيل بوجود العراق الذى قوى عضلاته العسكرية، وشاركت فى هذه المؤامرة السعودية وعدد من إمارات الخليج، حيث لجأوا لاستخدام الآليات الاقتصادية، فلقد انتهكت السعودية والكويت والإمارات حصص تصدير النفط التى حددتها منظمة الأوبك لكل بلد، فانخفض سعر برميل النفط من 21 دولار إلى 11 دولارا، ما ينذر بانهيار اقتصاد العراق».
رد بريماكوف بسؤال: «ألا تعتقد أنه ظهرت لديكم مثلما ظهرت لدى الإسرائيليين عقدة مسادا؟»، يفسر سؤاله بقوله: «قصدت مصير الحصن الذى كان آخر حصن سقط فى الحرب اليهودية، فالمدافعون عنه أدركوا أن وضعهم لا مخرج منه ففضلوا الموت الزؤام على الاستسلام»، يتذكر بريماكوف أن صدام رد بأن أومأ برأسه علامة على الموافقة، ثم انتقل الحديث إلى العواقب المحتملة».
يكشف بريماكوف: «سمع صدام منا عن طابع تلك الحرب بالذات التى تنتظره إن لم ينسحب من الكويت»، ويؤكد أنه رجا من صدام أن يجرى بقية حديثهما على انفراد، وقال له فى اللقاء المنفرد: «إن لم تسحبوا قواتكم من الكويت فستتعرضون حتما لضربة، وتدركون بالطبع أن الغرض من زيارتى هذه ليست تهويلكم بيد أنه لا يوجد ربما مخرج آخر من الحالة غير جلاء القوات العراقية عن الكويت».
رد صدام: «فى حال الحل العسكرى سنستخدم كل ما لدينا من وسائل، وسننشر حتما نيران الحرب فى البلدان الأخرى خاصة فى إسرائيل، ولو مثل أمامى خيار، الركوع على الركبتين والاستسلام، أوالحرب، فسأختار الحرب، أنا كإنسان واقعى يمكننى تصور فى ظروف بعينها الموافقة على سحب القوات، ولكننى لا أستطيع الإقدام على ذلك، إذا لم يربط هذا الانسحاب بحل مشاكل المنطقة الأخرى، وتذكرون أننى تنازلت عن كل نتائج حرب الثمانى سنوات مع إيران، وأعدت الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع الحرب، ولن يغفر الشعب العراقى ذنبى، إذا سحبت القوات من الكويت بلا شروط، وسيسألنى الناس: ما العمل إزاء منفذ إلى البحر؟».
رد بريماكوف: «إذا كان الشعب العراقى قبل دون تحفظات تنازلكم عن نتائج الحرب الدموية مع إيران التى استمرت ثمانى سنوات، فسيوافق أيضا على قرارتكم بصدد الكويت»، ويضيف: «قلت لصدام، إن ما يسمى بالدرع البشرى من الرهائن الأجانب المحتفظ بهم عنوة فى المنشآت العسكرية وغيرها، لن يحول دون الضربة الأمريكية، وأنكم بأعمالكم هذه جلبتم على أنفسكم غضب العالم بأسره»، ويذكر بريماكوف: «رد صدام بالصمت، لكنه استغرق فى التفكير».