قالت وكالة أنباء "أسوشيتد برس" الأمريكية "إن أجيالا من اللبنانيين وقعوا في صراع بين ما إذا كان عليهم مغادرة وطنهم بحثا عن فرص أفضل أو الهروب من أوقات الاضطرابات المختلفة أو البقاء في لبنان الذي يحتفظ بجاذبيته بالنسبة للكثيرين على الرغم من ندوبه العديدة"، مشيرة إلى أن لبنان تعرض للكثير من الاضطرابات والصراعات بدءًا من الحرب الأهلية، التي دامت 15 عاما، ووصولا إلى فترات الاحتلال العسكرية والتفجيرات والاغتيالات السياسية، إلا أنه يفخر بكونه موطن العديد من الطوائف الدينية، كما يفخر بمجتمعاته المهاجرة الكبيرة التي تضم رجال أعمال ناجحين ومشاهير من أصول لبنانية.
ورأت الوكالة الأمريكية - في سياق تقرير نشرته اليوم /الأحد/ - أن التصعيد العسكري في لبنان في الوقت الراهن يزيد المخاوف من اتساع رقعة القتال في المنطقة، خاصة أنه يتزامن مع اقتراب إتمام عام على الحرب بقطاع غزة، موضحة أن التصعيدات الأخيرة في لبنان أسفرت عن مقتل نحو 1400 لبناني، من بينهم مدنيون ومقاتلون من "حزب الله"، كما شُرد نحو 1,2 مليون شخص من منازلهم منذ تصعيد إسرائيل ضرباتها على لبنان أواخر الشهر الماضي، والتي تقول إنها بهدف دفع "حزب الله" بعيدًا عن الحدود المشتركة بين البلدين.
وقال رئيس المعهد العربي الأمريكي جيمس زغبي، صاحب الأصول اللبنانية، "إن ما يحدث في غزة لا يمكن تحمله، يكاد يجعلك تشعر بالمرض جسديا عند مجرد محاولة فهم مدى الصدمة"، مشيرا إلى أن لبنان بالفعل على حافة الهاوية ويكافح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي وتداعيات انفجار الميناء الهائل في عام 2020 وأزمات أخرى، فقد ظل بلا رئيس لمدة عامين، وفي ظل هذه الخلفية القاتمة ومع توقعات بتكرار مأساة غزة.
وتساءل زغبي عن ما سيحدث للنازحين، ومن سيرعاهم ويقدم لهم الخدمات الصحية والبلاد منهكة وعلى وشك الانهيار، وعند أي نقطة ستنهار في النهاية؟، ومن سيهتم؟، مضيفا: "ما يزيد ألمى هو طريقة استجابة الولايات المتحدة للدمار في غزة، والآن للتصعيد في لبنان.. وأشعر بالعجز واليأس لأن الأمر يمكن أن يخرج عن السيطرة، طالما لم يحدث شيء لكبح جماحه".
ومن جهته، قال أكرم خاطر مدير مركز "خير الله لدراسات الشتات اللبناني" في جامعة ولاية كارولينا الشمالية "إن اللبنانيين الذين غادروا لبنان منذ وقت طويل ساهموا بشكل كبير في الرفاه الاقتصادي للبنان من خلال إرسال تحويلا مالية بمبالغ كبيرة"، واصفا مشاهدة التصعيد في لبنان بأنها "صدمة".. وأضاف: "أجد نفسي وسط دوامة من المشاعر التي تنبع من هذا الكابوس المتكرر، ومع ذلك حتى في خضم هذا يجتمع مجتمعنا معا من أجل التضامن ومواساة بعضنا البعض، ومؤخرا امتلأت سماء ديربورن بولاية ميشيجان الأمريكية بمئات الأعلام اللبنانية، حيث شارك البعض في مسيرة لدعم لبنان والاحتجاج على الهجوم الإسرائيلي عليه".
ومن الولايات المتحدة إلى جنوب إفريقيا وقبرص والبرازيل، وما أبعد من ذلك، يكافح العديد من أعضاء الشتات اللبناني المترامي الأطراف والكبير موجات العنف والحزن والخوف على أحبائهم وعلى وطنهم، ويحاولون إيجاد طرق للمساعدة.. فالنسبة للينا خياط، التي انتقلت إلى جنوب إفريقيا منذ ما يقرب من 36 عاما ولكن لايزال لديها عائلة كبيرة في لبنان، فإن العنف والتوترات هناك لها أصداء.
وقالت خياط "لقد عشنا حربا أهلية لفترة طويلة، كنت في السابعة من عمري، ويبدو الأمر وكأن التاريخ يعيد نفسه، إنه المجهول بشأن من سيُقتل بعد ذلك.. أتحدث إلى أسرتي يوميا، إنهم خائفون للغاية وقلقون بشأن ما قد يحدث".
وفي مطار ساو باولو الدولي، التقى شقيقان لبنانيان يعيشان في البرازيل مؤخرا، وقالا "إن ثمانية من أحبائهم، من بينهم أختهم، قُتلوا في لبنان في إحدى الغارات الإسرائيلية".. وصرح أحد الأخوة ويدعى حسين زين الدين، لـ"أسوشيتد برس"، بأنه كان في أجازة مع عائلته في جنوب لبنان عندما تعرضت المنطقة لهجمات إسرائيلية، وانتقل هو وعائلته إلى مكان أكثر أمنا حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، وقال: "تمكننا من حجز رحلات العودة إلى البرازيل، غادرنا فقط بأشياء أساسية، وبعد ذلك بوقت قصير تم قصف منزل أختي".
وفي قبرص، قالت روزالين جوكاسيان "إن الغالبية العظمى من اللبنانيين لا يريدون هذه الحرب"، مشيرة إلى أنها انتقلت إلى قبرص مع زوجها وابنتهما بعد انفجار ميناء بيروت عام 2020، مؤكدة أن قرار أسرتها بالمغادرة لم يكن يتعلق بالمال بل بالسلامة.