تحل ذكرى الانتصار العظيم في أكتوبر، تزامنا مع بوادر حرب إقليمية شاملة تسعى إسرائيل لإشعالها في منطقة الشرق الأوسط، بدأت منذ عام كامل في قطاع غزة، ثم تمددت تدريجيا بين لبنان وسوريا مروا باليمن، ليصبح الصدام مع إيران أحدث حلقات الحالة الصراعية التي تشهدها المنطقة، والتي يبقى مداها الزمني غير معلوم، في ظل رغبة رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو إطالة أمد المعركة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية.
ولعل التزامن بين ذكرى النصر من جانب وبدء العدوان الاسرائيلي الغاشم على غزة من جانب آخر، بمثابة مفارقة مهمة في ذاتها، في ضوء ما يتبادر إلى الذهن من اختلاف جذري في العقيدة العسكرية، بين تلك التي تبنتها الدولة المصرية، والتي يتبناها الاحتلال، وهو الأمر الذي لا يقتصر على مجرد الانتهاكات المرتكبة من قبل القوات الاسرائيلية التي اسفرت عملياتها عن مقتل آلاف البشر معظمهم من النساء والأطفال، وإنما أيضا فيما يرتبط بالهدف من المعركة.
فبالنظر إلى حرب أكتوبر المجيدة، نجد أن المعركة لم تقتصر على الجانب العسكري وما تحقق بها من انتصار، سوف يبقى لعقود طويلة من الزمان كوصمة على جبين الاحتلال، وإنما امتدت إلى العديد من المراحل، تحمل في جزء منها بعدا دبلوماسيا، وآخر قضائي، بينما تهدف الأبعاد الثلاثة إلى استعادة التراب الوطني كاملا لبناء حالة من السلام والاستقرار القائمان على العدل، وبالتالي فكان الانتصار العسكري قاعدة يبنى عليها مراحل أخرى تتوج في نهاية المطاف بتحقيق الاستقرار.
والملفت للانتباه عند المقاربة بين الانتصار العظيم في أكتوبر 1973، والحالة الإقليمية الراهنة، أن الدولة المصرية تخوض معركتها مع الاحتلال بنفس النهج، عبر مسارين متوازيين، أولهما دبلوماسي، يعتمد تحقيق التوافقات الدولية حول ثوابت الشرعية الدولية، والتي تقوم في الاساس على حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بالإضافة إلى البعد الإنساني والقائم على تمرير المساعدات الإنسانية، وتقويض مخططات التهجير والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهي الأبعاد التي ارتكزت عليها الرؤية المصرية منذ قمة القاهرة للسلام التي انعقدت في العاصمة الإدارية الجديدة بعد أيام من اندلاع العدوان
بينما المسار الآخر اعتمد على تفعيل البعد القضائي، وهو ما بدا في انضمام مصر إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا على الاحتلال ومرافعتها التاريخية التي كشفت امام العالم عقود من الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين وقضيتهم وهو ما يحمل في طياته العديد من المكاسب، منها تعزيز الشرعية الدولية عبر تفعيل مبدأ العدالة، ناهيك عن توسيع دائرة الدعم لفلسطين لتتجاوز البعد العربي والإسلامي، نحو دوائر أخرى أبرزها الأفريقية واللاتينية والتي انضمت العديد من دولهما إلى الدعوى المرفوعة ضد الاحتلال بالإضافة الى عدد من دول أوروبا.
استدعاء البعد الدبلوماسي والقضائي في معالجة الأزمة الاقليمية الراهنة، يمثل استلهاماً صريحا لروح اكتوبر، وهو ما أسفر عن صفعات متعددة نالها الاحتلال الاسرائيلي، منها حالة الحرج التي لاحقت حلفاءها وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وهو ما بدا في توتر العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ولجوء دول غربية للاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما أثار هلع الحكومة الاسرائيلية جراء التحركات المصرية، خاصة بعد تراجع التعاطف الدولي وانعكاس ذلك على الداخل، والذي شهد العديد من التظاهرات احتجاجاً على تعنّت نتنياهو وعجزه هو تحرير الرهائن.