شهد بيت الحكمة في الشارقة انطلاق أعمال الندوة الدولية المصاحبة لملتقى الشارقة للخط، بحضور محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشئون الثقافية في دائرة الثقافة في الشارقة، مدير الملتقى، وعدد كبير من المشاركين والخطاطين والفنانين ومحبي الخط العربي.
تأتي الندوة في إطار الجانب النظري للمتلقى، حيث تلقي الضوء على عمق وتاريخ الخط العربي من خلال بحوث يقدّمها مجموعة من الباحثين والمتخصصين والنقاد في فنون الخط.
ناقشت الندوة التي جاءت تحت عنوان "الخط العربي– مناهج ومدارس"، عددا من المحاور منها: "المدرسة العثمانية لفن الخط العربي" للمتحدث د. إدهام محمد حنش من العراق، و"تراث المدرسة العربية في الخطّ العربي" للمتحدث الدكتور محمد أحمد حسن من مصر، و"الخط العربي - تجربة إمارة الشارقة" للمتحدث تاج السر حسن من السودان".
"المدرسة الخطية"
في البداية، عرف محمد حسن مصطلح "المدرسة الخطية" بأنّه: "مجموع الخبرات الفنية والخصائص التصميمية للحرف العربي؛ في حيز جغرافي محدد المعالم، وفي مدة تاريخية لها صبغتها الحضارية والآثرية المميزة، مع وجود حركة تعليمية وفلسفة جمالية ونقد فنّي؛ يؤثّر على محيطها الفنّي وفي مخرجاته من أفكار في نساخة المخطوط أو النقوش المعمارية أو زخرفة على التحف المختلفة، مع وجود عامل إنساني أو حضاري محفّز على ذلك الإبداع".
وركز حسن على أن مفهوم المدرسة العربية في الخط العربي –وفق المفهوم التاريخي- يمتد على مدار قرون طويلة، بدءاً من العصور الإسلامية المبكرة حتى العصور الحديثة؛ ويتغيّر تطوّر الخطّ العربي ومدرسة الخطّ العربية عبر هذه الفترات بتأثيرات مختلفة من الثقافات والحضارات المختلفة التي تأثّرت بها.
وأشار إلى أن تطور المدرسة العربية في الخطّ العربي يعكس تأثير الحضارة والثقافة الإسلامية على الفن والتصميم، وكيف تجسّدت هذه القيم والتقاليد في فنّ الخطّ العربي؛ وكيف جمعت فنون التصميم في الحضارة العربية الإسلامية بين التقاليد الفنّية العريقة والابتكار الفنى.
ولفت الباحث المصري قائلاً: "أصبحت، أي المدرسة العربية، تعبّر عن ثراء وتنوع الفنون في هذه الحضارة العظيمة، هذا التراث الفنّي الضخم لا يمثّل ميراثاً فنياً وحسب، بل وقوداً للفنّ الحديث والمعاصر. فالحروفية كحركة تشكيليّة كلّما غاصت في تراث المدرسة العربية كان لها درجة من القبول والنجاح الفنّي، وهي التأكيد على "ديمومة" الفنّ الإسلامي بوجه عامّ، واستمرارية فنون الخطّ العربي بشكل خاصّ".
وأضاف: "تمثل المدرسة العربية في فنون الخط العربي الإرث الثقافي والفنّي للعالم الإسلامي، وتعبّر عن الهويّة العربية والإسلامية من خلال جماليّاتها وتقنياتها الفريدة، ويحتاج الأمر في كلّ الأحوال إلى مزيدٍ من المحاولات لقراءة هذه المدرسة العريقة حضارياً وأثريا وفنيا.
تناولت ورقة الباحث السوداني تاج السر حسن التعريف بدور الإمارات العربية المتحدة، والشارقة على وجه الخصوص، في تعليم الخط العربي، وركّزت على تجربة مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، وبرنامج كتاتيب، مع تقديم إحصاءات بمخرجاتها، كما ناقشت المنهج المتبع في التدريس، ومقترحات التحديث والتطوير.
وقال تاج السر: "بتولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حكم إمارة الشارقة، قدر للشارقة أن تشهد نهضة كبيرة على كل الصعد، ومنها المشروع الثقافي الضخم، الذي كانت من ثماره الرعاية السامية للفنون الإسلاميّة وفنّ الخطّ العربي، فبدأت أولى معارض الخطّ العربي مع (جمعيّة الإمارات للفنون التشكيلية) ابتداءً من عام 1992 ومن بعدها في (بينالي الشارقة الدولي للفنون: الدورة الأولى 1993 والدورة الثانية عام 1995 ثمّ في (مهرجان الفنون الإسلامية) السنويّ في الشارقة، ابتداءً من عام 1998".
وأضاف: "خلال ثلاثة عقود ويزيد، أقامت الشارقة عشرات الفعاليات والورش الخطّية والندوات المتخصّصة، واستضافت عددا كبيراً من أساتذة الخطّ وأعلامه، فأصبحت وجهة معظم الموهوبين في الخطّ، الآملين في شرف المشاركة في برامجها".
وسلّط حسن الضوء على مشروع كتاتيب، وقال: "ثمّ قامت دائرة الثقافة بتوجيهٍ من صاحب السموّ حاكم الشارقة، بتوسيع مشروع تعليم الخطّ في الشارقة في عام ٢٠١٥ بمبادرةٍ أخرى هي برنامج (كتاتيب) الذي أتى بفكرة مغايرة، وهي الوصول إلى أفراد المجتمع في أحيائهم السكنية لالتقاط المواهب ورعايتها داخل المساجد".
ركزت ورقة إدهام حنش على المدرسة العثمانية في الخط، قائلا: "تميزت المدرسة العثمانية لفن الخط بكونها الوريث الثقافي والحضاري لأغلب أنواع الخطّ المنسوب العامّة والأساسيّة لمدارس الخطّ السابقة؛ وبخاصّة منها: المدارس الشامية والمصرية والبغدادية، التي هي أمّ هذه المدارس جميعاً في أقلام الخطّ المنسوب التي وضعها كلٌّ من ابن مقلة وابن البوّاب وياقوت المستعصمي، ونشرها تلامذتهم أو الخطّاطون الذين تمثّلوا طريقتهم البغدادية المعروفة بالليونة أو الرطوبة المطلقة، وبالسلاسة أو السيولة الكتابية المتواترة لأشكال الحروف وصورها الفنّية، فضلاً عن التوأمة الفنية والوظيفية فيما بين هذه الأقلام الستّة وتقسيمها إلى ثلاثة أزواج ثنائية: (الثلث والنسخ، المحقّق والريحان، التواقيع والرقاع)".
ولفت حنش أن من أهمّ تحولات المدرسة العثمانية لفنّ الخطّ: تهذيب منظومة الأقلام الستّة واختصارها فنياً إلى كلٍّ من خطّي: الثلث والنسخ. مشيرا إلى أن بقية الأقلام الستّة: المحقّق والريحان والتواقيع والرقاع؛ فقد تحوّلت تدريجياً إلى أنواع وطرائق وأساليب خطّية جديدة (مفردة أو مركّبة)؛ تمثّلت فيما عرف بأسماء: الإجازة، والسنبلي، والطغراء التي تعدّ العلامة الفنّية والثقافية الأبرز في التمثيل لتاريخ العثمانيين وحضارتهم.
وصنف الباحث العراقي أنواع الخط العثمانية إلى عائلتين رئيستين؛ هما: أوّلاً: أنواع الخطّ الفنّية؛ وتتمثّل بشكل كبير في خطَّين رئيسين؛ هما: الثلث والنسخ، اللذين كادا يتخصّصان في الكتابات الفنّية لكلٍّ من العناوين والنصوص الرسمية البارزة للعمائر الدينية والمدنية، ولكتابة المصحف الشريف.
وثانياً: أنواع الخط الوظيفية، وتتمثل في مجموعتين ثانويتين، يطلق على المجموعة الأولى: الخطوط الهمايونية التي كانت تستخدم في كتابة الوثائق السلطانية العالية كالفرمان. وأبرز الخطوط الهمايونية: خطّ الديواني، وجلي الديواني. أما المجموعة الثانية؛ فيطلق عليها: خطوط المعاملات الرسمية الخاصّة وغير الرسمية العامّة. وأبرزها: خطّ السياقة، وخطّ الرقعة.
وبالاضافة إلى تلك الخصوصية الفنّية في أنواع الخطّ، تفرّدت المدرسة العثمانية عن غيرها من مدارس الخط العربي الفنية.
في ختام الندوة، سلّم محمد القصير الباحثين شهادات تقديرية تكريماً لما قدموه من بحوث سلطت الضوء على جانب مهم في الخط العربي.
محمد القصير يكرم الباحثين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة