رغم مرور عام على الحرب الإسرائيلية، التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، وخلفت ما يقرب من 150 ألف ضحية بين شهيد ومفقود ومصاب، على الجانب الآخر من الحرب هناك انتهاكات "صهيونية" وقعت في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يقودها قوات الاحتلال ومدعومة من المستعمرين.
وفي أغسطس 2023، صنف جيش الاحتلال الإسرائيلي، الضفة الغربية بـ"ساحة قتال ثانية" بعد قطاع غزة، عقب إطلاقه أوسع عدوان على المدن والبلدات والمخيمات، منذ ما اصطلح على تسميتها إسرائيليا بعملية "السور الواقي" عام 2002، والتي شهدت اجتياحا بريا لكافة محافظات الضفة الغربية.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي، الدفع بـثلاث كتائب احتياط في الضفة الغربية لتنفيذ مهام "عملياتية" وتحقيق أهداف "دفاعية"، استنادا لتقييم أمني أجرته ما تسمى بقيادة منطقة المركز في الجيش.
وفي نهاية سبتمبر الماضي، بدأ جيش الاحتلال في اقتحام محافظات جنين وطولكرم وطوباس ونابلس ومخيماتها وعددا من بلداتها، بمشاركة قوات نخبة وألوية مشاة ووحدات مظليين ومستعربين ومروحيات مقاتلة ومسيّرات وآليات مدرعة وجرافات.
ورغم أن جيش الاحتلال أنهى بعد 10 أيام تواجد قواته المكثف داخل المناطق التي شملتها عمليته العسكرية، مخلفا أكثر من 50 شهيدا وعشرات الجرحى، إلا أنه لم يعلن نهايتها وأبقى الباب مفتوحا على مزيد من الجرائم التي ما انفكت ترتكب إن كان بهجمات كبيرة معلنة أو عبر الاقتحامات والاستهدافات اليومية.
وبرزت عمليات الاغتيال من الجو، سواء باستخدام المسيّرات المفخخة أو الطائرات الحربية، التي قال جيش الاحتلال إنه استخدمها في المجزرة الأخيرة التي اقترفها يوم 2 أكتوبر 2024، بقصف مبنى من ثلاثة طوابق في حارة الحمام بمخيم طولكرم، ما أسفر عن استشهاد 18 فلسطينيا، بينهم 3 أطفال.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية، إن إحصائيات مركز "معطى" تشير إلى أن جيش الاحتلال شن أكثر من 110 هجمات من الجو في محافظات الضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر 2023، وخلفت هذه الغارات 188 شهيدا، بينهم 32 طفلا و4 نساء، حسب "مرصد شيرين أبو عاقلة" للتوثيق.
وكان لافتا في هجوم "المخيمات الصيفية"، التدمير الواسع الذي تعمد الاحتلال إلحاقه بالبنى التحتية، والمنازل والمحال وشبكات الطرق والمياه والكهرباء، والميادين العامة والمركبات، عدا عن حصار المستشفيات واقتحامها، واستهداف سيارات الإسعاف وتوقيفها واعتقال من فيها من جرحى ومرضى في بضع حالات، وإجبار المواطنين على النزوح عن منازلهم، وتعمد إطلاق النار على الصحفيين.
وما ذلك العدوان سوى صورة مكثفة ضمن فترة محددة تشمل أوجه الانتهاكات التي ترتكب في فلسطين منذ بدء الاحتلال، وازدادت وتيرتها بعد السابع من أكتوبر 2023، من أجل خلق ظروف طاردة تدفع الفلسطينيين للرحيل، عبر جعل العديد من التجمعات السكانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية مناطق غير آمنة ولا صالحة للحياة، ضمن أهداف معلنة وأخرى مضمرة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وسُجلت قرابة 13 ألف عملية اقتحام في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال العام المنصرم الذي بدأ بالسابع من أكتوبر 2023، ارتقى خلالها 742 شهيدا، من بينهم 163 طفلا وطفلة و12 امرأة، إضافة إلى تسجيل أكثر من 6250 مصابا في الفترة ذاتها، وفق إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة.
ولم يكن جيش الاحتلال وحده من ينفذ عمليات القتل، فالمستعمرون الذين يمثّلون ذراع بطش إسرائيلية لا تطالها المساءلة، شاركوا بدورهم في ارتكاب جرائم إرهابية أراقت دماء عشرات المواطنين، ارتقى منهم 19 شهيدا وفقا لتقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
وخلال الفترة الواقعة بين 7 أكتوبر 2023، و30 سبتمبر 2024، رصدت الهيئة أكثر من 2700 اعتداء نفذها المستعمرون، تراوحت بين القتل والضرب وإطلاق النار، وإقامة البؤر والاستيلاء على المباني وتجريف الأراضي، والاعتداء على الممتلكات بالتكسير والحرق، وقص الأشجار وتخريب المزروعات وسرقة المواشي والمعدات وكتابة الشعارات العنصرية.
وتضمنت تلك الاعتداءات إقدام المستعمرين على إقامة 29 بؤرة استيطانية، معظمها بطابع رعوي زراعي، فيما تمكن الإرهاب الذي مارسوه من تهجير سكان 28 تجمعا بدويا في الضفة الغربية المحتلة.
وتحول إرهاب المستعمرين في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة تحول إلى فعل شبه يومي، لا يمكن فصله عن سياسة دولة الاحتلال وخطتها للتطهير العرقي وتمكين الاستعمار من التمدد على طول أرض فلسطين وعرضها.
ووفقا للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فقد دخل إجرام منتسبي العصابات الاستعمارية طورا متقدما من الإرهاب المنظم، بعد أن سهّل وزير "الأمن الداخلي" الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير تسليحها وشكّل فرق طوارئ لحمايتها أمنيا وقانونيا.
وتفيد إحصائيات منسوبة لوزارة جيش الاحتلال، بأن المستعمرين حصلوا على 130 ألف تصريح لحمل السلاح، من أصل 320 ألف طلب قُدمت لذلك بعد السابع من أكتوبر 2023.
وتفاخر بن غفير في تصريح أدلى به في مارس الماضي، أن وزارته استطاعت تسليح 100 ألف مستعمر في الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة، تحت مسوغ "الدفاع عن النفس وإنقاذ الحياة".
ومثّل تغلغل اليمين المتطرف والمستعمرين في مؤسسات دولة الاحتلال السياسية والعسكرية، داعما لتصاعد التهديدات التي تتعرض لها الضفة الغربية على مستوى السيطرة على الأرض والضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.
وفضلا عن البؤر الاستعمارية الـ29 المستحدثة، سوت حكومة الاحتلال أوضاع 11 بؤرة استعمارية، بينما تقرر "شرعنة" 63 بؤرة أخرى بتمويل ربطها بالخدمات، ورصد 13 مليار شيكل لتسريع وتيرة الاستعمار في الضفة، و40 مليونا أخرى للحد من البناء الفلسطيني في منطقة "ج"، عبر دعم الاستعمار الرعوي وإنشاء القواعد العسكرية، وإقامة مزيد من البوابات والحواجز والمكعبات الإسمنتية على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة