نادرا ما يكون للأحداث الخارجية تأثيرا كبيرا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فمنذ ستينيات القرن الماضى ربما لم تكن هناك أصداء واسعة لحدث خارجى فى سباق البيت الأبيض أكثر من حرب فيتنام، التى كلفت الولايات المتحدة الكثير، غير أن حرب غزة، ورغم أنها على بعد آلاف الأميال من الولايات المتحدة ولم تشهد مشاركة أمريكية عسكرية مباشرة، كان لها أصداء فى سباق رئاسى غير مسبوق فى التاريخ الأمريكى كان بين جو بايدن ودونالد ترامب في بادئ الأمر، قبل أن تنتقل المواجهة بين الرئيس السابق، وكامالا هاريس، التي يراهن عليها الديمقراطيين بعد اعتماد ترشحها لاستكمال المعركة الانتخابية خلفاً لبايدن.
الحرب التى فجرت حالة استياء وغضب ومظاهرات واسعة فى الولايات المتحدة أثرت وبشدة على دعم الناخبين من العرب والمسلمين للرئيس بايدن الديمقراطى، بعد أن ساندوه بقوة فى سباق 2020 ضد ترامب. وكان المشهد الأكثر تعبيرا عن هذا الاستياء تصويت أكثر من 100 ألف من ناخب أمريكى مسلم ومن أصول عربية فى السباق التمهيدى بولاية ميتشيجان بـ "غير ملتزم" متخلين عن دعم بايدن.
وفى تعليقها على موقف المسلمين والعرب بأمريكا، قالت مجلة فورين بوليسى إن استمرار إدارة بايدن فى إمداد إسرائيل بالأسلحة، يؤجج سخط وغضب المجتمع العربى والمسلم فى ولاية ميشيجان، التى يوجد بها أكثر من 300 ألف ناخب من العرب المسلمين، ضد الإدارة الأمريكية باعتبارها المسؤولة المباشرة عن الموت والدمار والخراب الذى تستمر إسرائيل فى إلحاقه بقطاع غزة.
ومع انسحاب بايدن من السباق الرئاسى ودخول نائبته هاريس بدلا منه، كان موقف الناخبين العرب والمسلمين منها أقل حدة لأنها خطابها إزاء إسرائيل لم يكن مثل بايدن، فعلى سبيل المثال دعت لوقف إطلاق النار وانتقدت ما يحدث بحق المدنيين، لكنها فى نفس الوقت لم تتبنى سياسة مختلفة إزاء تل أبيب، وظلت تؤكد على "حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها.
موقف هاريس
مثل بايدن، ركزت هاريس فى خطابها عن غزة على ضرورة استمرار المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار، والعمل على إقامة دولة فلسطينية.
في آخر مقابلة أجرتها في فيلادلفيا في 18 سبتمبر، أكدت هاريس، على وجوب إنهاء الحرب في غزة، وقالت إن على إسرائيل ألا تقوم باحتلال قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وشددت على أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت واضحة بشأن وجوب إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار "بشكل يحقق مصلحة الجميع في المنطقة".
إلا أن "حركة الناخبين غير الملتزمين" أعلنت في19 سبتمبر الماضى، أنها لن تدعم هاريس في الانتخابات، بسبب فشلها في الالتزام بموعد للقاء عائلات فلسطينية في ولاية ميشيجان لنقاش وقف إطلاق النار. كما أعربت الحركة عن خيبة أملها لتجاهل المؤتمر الوطنى للحزب الديمقراطى، الذى عقد فى أغسطس، لهم. وقال عباس علوية، المؤسس المشارك للحركة التي حشدت أكثر من 750 ألف ناخب للاحتجاج على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، إن هاريس أضاعت فرصة لكسب هؤلاء الناس، الذين يعيش الكثير منهم في ولايات ساحة المعركة مثل ميشيجان وويسكونسن وبنسلفانيا وأريزونا.
موقف ترامب
لم يختلف موقف ترامب كثيرا عن خصومه الديمقراطيين، سوى رفضه لدعوات وقف إطلاق النار. وفى المناظرة الرئاسية التى أجريت بينه وبين بايدن قبل انسحاب الأخير، قال ترامب إن "إسرائيل هي من تريد أن تستمر بالحرب، ويجب السماح لهم بإنهاء عملهم". وعارض ترامب سعي بايدن إلى وقف إطلاق النار.
وكرر ترامب أكثر من مرة أنه لو كان موجوداً في السلطة، لما قامت حركة حماس بهجومها في السابع من أكتوبر.
إلى جانب هذا، حاول ترامب تصوير موقف الديمقراطيين إزاء دعم إسرائيل بالضعيف، وقال في المناظرة أمام هاريس فى سبتمبر الماضة إن الأخيرة "تكره إسرائيل"، وتحدث عن عدم حضورها خطاب نتنياهو الذى ألقاه أمام الكونجرس فى يوليو. وذهب ترامب إلى حد القول بأنه لو أصبحت هاريس رئيسة الولايات المتحدة، لن تكون إسرائيل موجودة خلال عامين من الآن.
وخلال كلمة ألقاها امام مؤتمر لمحاربة معاداة السامية في الولايات المتحدة، قال ترامب إن اليهود الأمريكيين مدينون له بأصواتهم بسبب مواقفه من إسرائيل.
ماذا تقول استطلاعات الرأى؟
في أوائل أغسطس، أجرت مؤسسة زغبي استطلاعا للرأي بين الناخبين الأمريكيين، بتكليف من المعهد العربي الأمريكي، وطلبت من الناس على وجه التحديد اختيار ثلاث قضايا هي الأكثر أهمية لتحديد تصويتهم. واحتلت "الأزمة في غزة" المرتبة الـ11 من بين 12 اختيارا، بحسب ما جاء فى تقرير لقناة الحرة الأمريكية.
وجاءت قضية غزة في المرتبة الأخيرة من بين القضايا التي تم تسميتها بنسبة 7%، رغم أن 15% قالوا إنها كانت مهمة للغاية عندما سئلوا بشكل منفصل عن هذه القضية.
كما وجد وجد استطلاعان للرأي أجرتهما مؤسسة زغبي بين الأميركيين العرب في الولايات المتأرجحة في أكتوبر 2023 ومايو 2024، عندما كان بايدن لا يزال المرشح، أن 20% فقط قالوا إنهم ينوون التصويت له، أي 32 ألف صوت، بما يعنى خسارة نحو 62 ألف صوت ديمقراطي من عام 2020.
كما كشف استطلاع للرأي أجرته منظمة كير عن تحول كبير في توجهات الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين بعيدا عن كامالا هاريس، لصالح مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين. حيث قال 40% من الناخبين المسلمين في ولاية ميشيجان إنهم يؤيدون ستاين، بينما حصل ترامب على 18%، وجاءت هاريس في المرتبة الأخيرة بنسبة 12%.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة