هل ورد أن "نيل مصر" له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟.. دار الإفتاء تجيب

الأربعاء، 09 أكتوبر 2024 08:00 ص
هل ورد أن "نيل مصر" له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟.. دار الإفتاء تجيب دار الإفتاء - أرشيفية
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل ورد أن "نيل مصر" له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟..سؤال أجابت عنه دار الإفتاء، وجاء جواب الدار كالآتى: نيل مصر أفضل الأنهار فى هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى فى كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق؛ وقد وردت الآثار والأخبار التى تُقرِّر وتُبيِّن ذلك.

مفهوم التفضيل فى الشرع

جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل فى خلقه بما يشاء وكيف يشاء؛ فمن البشر: فضَّل الأنبياء والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكة المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان على ما ورد فيه التفاضل بينهما، ومِن الشهور: فضَّل شهر رمضان على ما عداه من الأشهر، ومِن حيث الليل فضَّل ليلة القدر على سائر الليالى، ومِن حيث النهار فضَّل وقفة عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّل جبل الطور بتجليه، وجبل أُحُد؛ لما جاء فيه مِن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» متفقٌ عليه، ومِن الأنهار: فضَّل نهر النيل.

وهو نهرٌ تاريخى يتدفق فى شمال شرق إفريقيا، استمدَّت منه أمم كثيرة حضاراتها ورقيَّها، ومنها الحضارة المصريَّة؛ حيث يُعدُّ المصدر الأكبر فيما لها مِن الثروات والرخاء؛ كما جاء فى كتاب "نهر النيل" لمحمد عوض (ص: 3، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر).

أفضلية نهر النيل

وممَّا يُعلم به أفضلية نهر النيل على غيره من الأنهر أمور عديدة، منها:

- أنه النهر الذى تفرد بشرف الذِّكر فى القرآن الكريم فى عدة مواضع، منها ما هو بالنص عليه والتصريح، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح.

فأما ورود ذكره فى القرآن الكريم تصريحًا: فقد ذُكر نهر النيل باسم "اليم" -وهو لفظ عبرانى يقصد به نهر النيل- ست مرات فى القرآن الكريم، لبيان فضله مِن أنه آية من آيات الله تعالى ينجى بها عباده الذين اصطفى؛ وذلك فيما ذُكر فى قصة سيدنا موسى عليه السلام، حيث كان نهر النيل هو الوسيلة التى اتخذتها أمُّ موسى بوحى من الله تعالى لنجاة ابنها، حيث حمله النهر إلى قصر فرعون سالمًا محفوظًا؛ حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إلى أُمِّكَ مَا يُوحَى ۝ أن اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِى وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38-39]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أن أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].

وأما وروده فى القرآن الكريم إشارة وتلميحًا: فقد وردت الإشارة إلى أن نهر النيل فى مصر مما يُستدل به على قدرة الله تعالى المطلقة وإعجاز خلقه فى كونه، حيث يحدث به ظاهرة فيزيائية عجيبة وهى التقاء مائه العَذْب بماء البحر المالح، دون أن يمتزجا، فيظل ماؤه عذبًا رغم سريانه بالماء المالح، ولا تفسير لذلك إلا إطلاق قدرة الله تعالى وخالقيته، وتقع هذه الظاهرة فى مدينة "رأس البر" بمحافظة دمياط حيث يشق أحد أفرع نهر النيل البحر المتوسط فى منطقة تسمى "اللسان" وفى مشهد مبدع مميز مصدق لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53]، وقول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِى وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: 61]، وقول الله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19-20].

وقد وردت الإشارة إليه أنه من النعم التى تفضل الله تعالى بها على عباده من أهل مصرإلى الحد الذى يُعَدُّ معه خروجهم منها ومفارقتهم لنيلها من العقوبة التى يعاقبهم بها الله تعالى، وفى ذلك حثٌّ على دوام شكر الله تعالى وحمده على ما امتنَّ به على مصر من نعمة نهر النيل.

- وأنه النهر الذى تفرَّد بكثرة النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين فى ذكر أفضليته، ومن ذلك:

ما روى عن يزيد بن أبى حبيب، أن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه سأل كعب الأحبار: "هل تجد لهذا النيل فى كتاب الله خبرا؟ قال: إى، والذى فلق البحر لموسى، إنى لأجده فى كتاب الله أن الله يوحى إليه فى كلِّ عام مرتين يوحى إليه عند جريه: أن الله يأمرك أن تجرى فيجرى ما كتب الله له، ثم يوحى إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدا".

وما روى عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما من أنه قال: "لمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، فى سفحه أشجار مثمرة، فروعها فى الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم فى النيل بالبركة، ودعا فى أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خَلَتْكِ يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبرى وتتكبرى أو تخونى، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك". فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.

وممَّا يُعلَم به أفضلية نهر النيل بالإضافة إلى ما قد سبق ذكره: اختصاصه مع بعض الأنهار بكثير من الفضائل والمزايا كنهر الفرات، وكنهرى سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ؛ فقد جاء فى "الصحيحين" عند ذكر قصة الإسراء والمعراج أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدث "أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، «مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ»؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِى الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ"، وجاء أيضًا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ: كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» رواه مسلم، والمراد من قوله "يخرج من أصلها" أي: "من أصل سدرة المنتهى" كما قال الإمام النووى فى "شرح مسلم" (2/ 224).









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة