استطاع الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت أن يصبح أول حاكم لفرنسا بعد اندلاع الثورة الفرنسية، بعدما نصب نفسه قنصلا مدى حياة على عرش باريس، ومن ثم أول إمبراطور لفرنسا بعد الثورة التي أطاحت بالملكية عام 1789، واستطاع توحيد أرجاء واسعة من أوروبا بالقوة.
عرف نابليون بونابرت شهرته العسكرية بعدما تم تنصيبه قائدا على حملة إيطاليا في سنة 1796، وهى الحملة التي أبلى فيها بلاءه المشهور وانتصر انتصارًا باهرًا في مواقع شتى؛ كمونتنونتي وميليسيمو وموندوفي ولودي وأركولي وريفولي وغيرها، إلى أن أرغم النمسا على عقد محالفة كامبو فورميو التي ضمنت حرية إيطاليا وجلاء النمسا عن أراضيها.
يوضح كتاب "حكم نابليون" تأليف محمد لطفي جمعة، أن نابليون عاد إلى فرنسا بعد تلك الحملة وهو موضع إعجاب أمته، وموضع حسد وبغض أعضاء حكومة الديرقتورية، ولم ينسَ نابليون قبل عودته أن يسلب كنوز إيطاليا ومتاحفها، فنقل إلى وطنه ما استطاع من الآثار والعاديات والتحف، ومعظم ما نراه اليوم في متحف اللوفر وغيره هو من بقايا تلك الهدايا الإجبارية التي قدمتها إيطاليا للقائد الشاب ثمنًا لحريتها؛ لأنه لم يكن يحارب الطليان أنفسهم، إنما كان يحارب النمسا التي كانت مستوليةً على إيطاليا ترهق أهلها وتهضم حقوقهم وتستغل ثروتهم.
ويبدو أن مطامع الجنرال الفرنسي زادت بعد عودته إلى باريس بعدما رأى نجمه صاعدًا وفوزه مؤكدًا، فصحت عزيمته على أن يكون سيد فرنسا ومولاها، وقد أقر بذلك في مذكراته فقال: "أريد أن أسود فرنسا فلا بد لي من أن أكون رجلًا لا يُستغنى عنه، ولا يكون هذا إلا إذا ساءت حال حكومة الديرقتورية في غيبتي فتستنجد فرنسا بي فأعود ويعود النصر معي" وكان هذا هو السبب الحقيقي الذي دعا نابليون إلى الإلحاح في تجريد حملة مصر، وإذ كان بونابرت غائبًا في وادي النيل ساءت حال حكومة الديرقتورية بفرنسا، وأصبحت ممقوتة في عين الشعب لأسباب شتى، منها ما لقيه الجيش الفرنسوي من الصعوبات الأولى في مصر، ومنها بعض القوانين التي سنتها الحكومة خاص بعضها بالتجنيد وبعضها بالقرض الإجباري، وبذا صح نظر بونابرت في نتيجة سياسة الحكومة العاجزة.
وقد رأى بونابرت إذ ذاك أن الفرصة قد سنحت، وأن في طاقته حينئذ أن ينفذ غايته التي كان يرمي إليها منذ البداية، فسرعان ما عاد إلى فرنسا وقلب نظام الحكومة وصيَّرها قنصلية بدلًا من الديرقتورية، وكان ذلك في 9 نوفمبر سنة 1799، وعين ذاته قنصلًا أولًا ثم سعى في الحصول على التثبت من وظيفته طول حياته، فكان ذلك، وانتخب قنصلًا للحياة (1802)، وذلك بعد أن أمضى معاهدات الصلح مع إنكلترا وغيرها (لوينفيل وامينز).