يرجع تقديس الإنسان للحيوان وتقديسه لهم فى العصور المبكرة من التاريخ، إما إلى الاستفادة والنفع منه، أو للخوف والرغبة فى دفع شره عنه، وقد برز تقديس الحيوان خلال العصور التاريخية بشكل أوضح، كما أن العديد من الآلهة قد اتخذ هيئات حيوانية، أو مزيجاً بين الهيئة الحيوانية والبشرية، وما يدلل على مدى تحلى المصريين بالرحمة، والرفق بالإنسان والحيوان، فقد كانت الحيوانات رفيقة حياة قدماء المصريين، شاركتهم دنياهم ولقيت منهم رعاية شديدة واهتماما خاصا.
ومن مظاهر تدليل المصريين القدماء لحيواناتهم، أنهم كانوا يغنون لها الأغانى الطريفة ويعـزفـون لها أحيانًا على الناى، كما نرى على جدران المقابر بعض المواشى المزدانة بأجراس من البرونز معلقة فى رقابها للزينة ومنع الحسد عنها، وحتى يستطيع كل راع أن يستكشف حركتها عند تحركها فيسمع رنين أجراسها، هذا ما قاله الدكتور عاطف محمد كامل وكيل كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس، عضو اللجنة العلمية لاتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة، مضيفا: وما اكتشفه قدماء المصريين أن الحيوان يطرب لسماع الموسيقى، وكان لذلك تأثير على حلبه مما يؤدى إلى زيادة إدرار الألبان التى تنتجها يوميا.
وأضاف كامل: كما حرص المصريون كذلك على أن يربتوا على مواشيهم وملاطفتها، وكانوا يتحدثون إليها كما يتحدث البعض حاليا إلى حيواناتهم، ولم يكن الاهتمام برعاية الحيوان فى مصر القديمة يقتصر على إبداء العطف عليها والرفق بها، وإنما بالعناية الطبية الشديدة لها، فقد كان الأطباء البيطريون يقومون بفحص الحيوانات بأنواعها المستأنسة والبرية المريضة، ووصف العلاج اللازم لها وإعطاء الدواء بأيديهم، ومن بردية ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة نجد أن كل مزارع كان عليه أن يعتنى بماشيته، والأمراض المحتمل أن تصاب بها وأساليب علاجها، لذلك حرص قدماء المصريين على استئناس أعداد كبيرة من الحيوانات البرية وترويضها، وتربية بعضها فى المنازل ومن أهمها القطط والكلاب والقردة.
أما القصور الملكية فكانت الأسود من الحيوانات المعتاد استئناسها بها، ووجد بعض الملوك سعادة كبرى فى إنشاء حدائق حيوانات لما كان يُجلب من البلاد الأجنبية منها الفهود والزراف والفيلة وغيرها، كما اشتهر بعض الفراعنة بهذه الهواية مثل حتشبسوت وتحتمس الثالث وأخناتون، وكانوا يخصصون لهذه الحدائق أطباء بيطريين للعناية بها، وكان الفراعنة القدماء يستخدمون الطيور والزواحف كـقرابين يقدمونها للآلهة أو تستخدم كـرموز عن القوة والذكاء، أما بعض الطيور الجارحة فجعلوا منها آلهة يعبدونها، كما قاموا بتحنيط بعض الحيوانات ودفنوها مع أمواتهم لكى ترافقهم فى حياتهم الثانية.
وأشار إلى أن أهم الحيوانات التى قدسها قدماء المصريين، هى: الجعران المقدس "أحد أنواع الخنافس"، وهذه الحشرة هى رمز للخصوبة والعطاء عند قدماء المصريين، كما رمزوا لهذه الحشرة بإله الشمس وصنعوا لها العديد من التماثيل فى المعابد، أما العقرب : كان رمزاً للشمس المشرقة ورمزاً للإله الّذى يدعى " رع " كما أنّه يرمز للمجوهرات، وكذلك رمزاً للأشخاص الأقوياء، وثعبان الكوبرا: هى نوع من أنواع الثعابين وكانت رمزاً للإله الّذى يدعى " وادجت "، كانت تعيش فى المستنقعات، كما ضعوا لها تمثالاً فوق تاج الملك لحمايته، و"الضفدع" حيث يرمز للإله " هاكت " الّذى يعتبرونه رمز للحياة والخضوبة وكانوا يرسمونه على شكل امرأة تحمل رأس ضفدع، بالإضافة إلى القطط وبنوا لها العديد من المعابد وكانت كذلك رمزاً للخصوبة والأمومة، بالإضافة لما سبق كان قتل القطط جريمة يعاقب عليها القانون.
وتابع: أما الكلاب، فهى بلغت منزلة لا تقل عن القطط فى مصر القديمة، فاعتبر المصرى القديم أن الكلاب لما لها من طبع الوفاء تعمل دور الوسيط بين الإنسان والآلهة بعد الموت، فوجدوا أكبر مقبرة فى مصر القديمة والمدفون فيها أكثر من 8 ملايين كلب، والتى اعتقد الباحثون أن هذا العدد الكبير دُفِن لهذا الغرض تحديدًا وهو لعب دور الوسيط بين الإله “أنوبيس” والإنسان، كما اهتموا باقتناء أفضل السّلالات من الخيل وكانوا يرسمون الخيل على جدران المقابر كما صنعوا تماثيلاً للخيل من الذّهب، الثور: أكثر الحيوانات نفعًا لدى المصرى القديم، فلولاه لما اخضرت الأرض، ولا جادت بخيراتها، قدس المصرى القديم الثور وجعلوه فى منزلة الآلهة، وصنعوا له تماثيل فى المعابد القديمة ورمزًا لآلهة القوة (حقا نخت)، ورمز دائما للملوك برأس الثور، ووجد فى مقابر مصر القديمة تماثيل للثيران، ورؤوس ثيران محنطة، واستمرت عبادة الثيران وتقديس المصريون لهم فترة طويلة من الزمن.
وأشار إلى أن المصريين القدماء قدسوا البقرة، حيث كانت رمزاً للجمال والحب والسعادة كما كانت تنتشر عبادة البقر عند بعض الفراعنة، وترجع الجذور الأولى للربة "حتحور" إلى عبادة وتقديس البقرة الوحشية منذ ما قبل وبداية الأسرات، والتى قدست آنذاك كتجسيد للطبيعة والخصوبة، والقرود: فقد كانوا يعتقدون أن صراخ القرود صباحاً عند شروق الشّمس هى تحيّة للإله رع، كما كانت رمزاً للمرح، فضلا عن التمساح، حيث كان التمساح رمز للآلهة أوزوريس، ورمز إليه أيضاً بالإله “سات” إله الشر عند المصريين، ومن ذلك يتضح أن للتماسيح رموزا متناقضة فى الحضارة المصرية القديمة، وفى المعابد الفرعونية نجد حفريات التماسيح فى أسوان والأقصر والفيوم، ما يدل على عبادة التماسيح فى العديد من بقاع مصر.
وامتاز الصقر، بسرعته وقوته فى الطيران، وقد كان الصقر من أهم الطيور التى قدست، وكان لوجوده فى السماء أن ارتبط برب السماء والمَلَكية، وجرى تقديسه منذ عصور ما قبل التاريخ، وقد ظهر كصورة وهيئة لعدد من الأرباب، مثل "رع" فى هيئة آدمية برأس صقر فى صورته "رع حور آختى"، وأشهر الأرباب فى هيئة الصقر كان "حـور" "حورس" بكل صوره ومسمياته التى عُبـد بها فى شتى العصور.