نجاح الدولة المصرية في السنوات العشرة الأخيرة، في استعادة دورها الإقليمي والدولي، يبدو مرتبطا بصورة كبيرة في قدرتها منقطعة النظير في تصدير تجربتها للعالم، وهو ما بدا في العديد من المشاهد، تحمل في جزء منها إطارا دبلوماسيا، عبر اعتماد منهج التوافق الدولي، وبناء الشراكات الدولية، والتي أصبحت بمثابة البديل لمفهوم التحالفات الذي ساد خلال عقود ماضية، وآخر اقتصادي، يقوم في الأساس على تجربتها التنموية التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة، وهو ما لا يقتصر على أزمنة الاستقرار، وإنما امتد إلى حقبة الأزمات، على غرار نجاحها في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال حقبة الوباء، وكذلك تمكنها من مواصلة مشروعاتها في لحظة استثنائية على مستوى الإقليم بأسره، خلال العدوان على غزة وامتداده إلى دولا أخرى بالمنطقة.
إلا أن نقطة الانطلاق في نجاح التجربة المصرية تجلت بوضوح في الحرب على الإرهاب، ومعها القوى الرئيسية في المنطقة العربية، خاصة بعد ثورة الـ30 من يونيو، والتي أعادت الاعتبار إلى الدولة ومؤسساتها، وحققت خلاصا سياسيا، من سيطرة الجماعة، ليتبعها بعد ذلك حرب ضروس خاضتها ضد إرهاب الجماعة، حملت بعدا أمنيا، يقوم على تطهير كافة أراضيها من الميليشيات المسلحة، بينما لم تخلو من أبعاد أخرى، تبدو استثنائية، تتجلى في المعركة الفكرية، والتي اعتمدت نهجا يدحض الأفكار التي تروجها الجماعات المتطرفة، عبر حملات إعلامية ودعوية عملاقة، فندت المفاهيم المغلوطة، التي طالما أطلقتها جماعات الظلام، لاستقطاب الشباب، بينما كان توغل المشروعات التنموية في مختلف مناطق الجمهورية، بعدا أخر ذو صبغة اقتصادية، لحماية الشباب من الانجذاب إلى الدعوات المغرضة بالانضمام لتلك الجماعات، والتي استغلت بدورها احتياجاتهم المالية، لتوظيفهم بين صفوفها.
ولعل الحديث عن المعركة التي خاضتها مصر، والقوى الإقليمية العربية، ضد جماعات الظلام، لم يقتصر على الداخل، وإنما امتد إلى العديد من الدوائر الأخرى، ربما أولها في النطاق الإقليمي، عبر استلهام روح الثورة المصرية، في تطهير العديد من الدول الأخرى من سيطرة الميليشيات المتطرفة التابعة للجماعة الإرهابية، بينما كانت هناك دائرة أخرى دولية أوسع نطاقا، في ضوء التهديدات الكبيرة التي واجهت العديد من دول العالم جراء توغل عناصر إرهابية إلى أراضيها، ناهيك عن نجاح عدة جماعات متطرفة في استقطاب أعداد كبيرة من الشباب من سكان دول الغرب، خاصة في أوروبا الغربية، عبر دعوات على الانترنت، لاقت استجابة ملموسة في تلك الفترة، مما وضع أمن تلك الدول في دائرة الخطر.
نجاح مصر في تصدير تجربتها على النطاق الدولي الواسع، تجلى في العديد من المسارات، ربما أبرزها استلهام المعركة المصرية بكافة أبعادها، وهو ما يبدو في الحالة الفرنسية، والتي استهدفت الجماعة، من خلال العديد من القوانين والإجراءات، إلى جانب الملاحقة الأمنية، منها على سبيل المثال منع استيراد الأئمة من الخارج، تشكيل مجلس وطنى لهم، وهو ما يمثل جزءً لا يتجزأ من البعد الفكري للمعركة التي خاضتها مصر، من قبل، وذلك حتى لا يخرج الخطاب الديني في البلاد عن روح الجمهورية الفرنسية.
الأمر نفسه ينطبق على ألمانيا، والتي قام فيها المجلس الأعلى للمسلمين، في العام الماضي، بطرد أحد قياداتها لانتمائه لتنظيم الإخوان، بالإضافة إلى تطهيره من كافة الوجوه التابعة للجماعة، في المركز الإسلامي في ميونيخ، وهو ما يمثل إدراكا بخطورة تواجد هذه العناصر على الأوضاع الأمنية في البلاد، بالإضافة إلى دورهم في تشويه صورة المسلمين، في ظل مخاوف كبيرة جراء ما يسمى بظاهرة "الإسلاموفوبيا".
اجتثاث الجماعة وذيولها لم يقتصر على ألمانيا وفرنسا، وإنما امتد إلى بريطانيا، والتي تعد أحد أبرز الدول الحاضنة لها لعقود طويلة من الزمن، حيث وضعتها في شهر مارس من العام الجاري على رأس قائمة التطرف، في ضوء الدور الذي اعتبرته حكومة لندن، يمثل تعزيزا للعنف والكراهية والتعصب مما يساهم في تدمير الحقوق والحريات الأساسية.
وتعد المخاوف الكبيرة في المجتمعات الغربية، جراء تنامي النزعة المتطرفة، التي تسعى الجماعة الإرهابية إلى تعزيزها، سببا رئيسيا في صعود كبير لحركات اليمين، في أوروبا، والولايات المتحدة، وهو ما يتزامن مع صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى عرش البيت الأبيض، في 2016، وذلك بالنظر إلى الخطاب الانتخابي الذي تتبناه تلك التيارات السياسية في الغرب، والقائمة في الأساس على مجابهة الهجرة، والتوجه نحو إغلاق الحدود، خاصة مع زيادة التوتر جراء احتمالات توغل عناصر متطرفة إلى أراضيها.
وهنا يمكن القول بأن نجاح التجربة المصرية، ومن ورائها التجارب العربية الأخرى، في مواحهة التطرف، في أعقاب ثورة الـ30 من يونيو، يمثل حجر الأساس في تعزيز الإدراك الدولي بالمخاطر التي تحملها تلك الجماعات على الاستقرار والأمن المجتمعي، كما يمثل بعدا رئيسيا من أبعاد الدور الكبير الذي باتت تلعبه الدولة المصرية في محيطيها الإقليمي والدولي، خاصة وأن قدرتها على تصدير تجربتها في هذا المجال، بالإضافة إلى تجاربها الأخرى، ساهم بصورة في كبيرة في تعزيز الصورة العالمية للدولة المصرية، وقدرتها على قيادة مناطقها الجغرافية نحو مزيد من الاستقرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة