الحمض النووي.. كيف "فك" أسرار العالم القديم

الأربعاء، 13 نوفمبر 2024 10:00 ص
الحمض النووي.. كيف "فك" أسرار العالم القديم الحمض النووى
محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

غيرت الكثير من الاكتشافات العلمية مجرى التاريخ، ويعتبر إعلان العالمين فرانسيس واتسون وجيمز كريك في عام 1953 عن اكتشاف بنية الحمض النووي منقوص الأكسجين "دي أن أيه" نقطة تحول علمية هائلة، إذ إنها أدت إلى تغيير فهمنا للحياة وكانت إيذانا ببدأ حقبة جديدة لعلم الأحياء الحديث، وأدى هذا الاكتشاف العلمى الذي صنف على أنه اكتشاف القرن العشرين إلى تغيير مسار علم البيولوجى في العالم كما استخدم على نطاق واسع في مجالات عدة منها تحديد النسب ودراسات أصل الأنواع وأبحاث التاريخ والآثار، وبفضل علم الجينوم، يمكننا الغوص في ماضي الجنس البشري وفهم حياة أسلافنا بشكل أفضل، ومعرفة الأسباب التي جعلتهم يهاجرون من مكان إلى آخر.

وبفضل تحليل الحمض النووي القديم، توالت الاكتشافات العلمية التي فكّت ألغاز الكائنات الحية التي عاشت في حقب غابرة. وكان تحليل حمض نووي لفيل ماموث عاش قبل أكثر من مليون عام من بين آخر تلك الاكتشافات. كما حدّد العلماء مسار تطور الإنسان منذ أن ظهرت أولى أصنافه قبل مئات آلاف السنين. كان كل ذلك بفضل "علم الوراثة الأثري"

كشف أسرار المومياوات الفرعونية

واستطاع تحليل الحمض النووي على سبيل المثال على نسف الكثير من الأسرار التاريخية، حيث كشف خطأ العلماء والأثريين الذين ظلوا لسنوات عديدة يعتقدون أن مومياء الملكة حتشبسوت الموجودة بالمتحف المصري ولا تخص مرضعتها أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات حول أسرار التاريخ الفرعوني لدرجة أن البعض ذهب إلي أن الحمض النووي ينسف مسلمات وحقائق كثيرة من هذا التاريخ بالنسبة للملك اخناتون وزوجته الجميلة نفرتيتي ووالدة الملك اخناتون وأثبتت التحاليل والأشعة التي أخذها الفريق العلمي المصري برئاسة حواس خطأ نسبتها لهؤلاء الملوك.. وأنها مومياوات عادية.. فهل بدأنا طريقا جديدا من أسرار التاريخ الفرعوني.

الرد على أكاذيب الأفرو سنتريك

كما كشف تحليل الحمض النووي أكاذيب تشويه التاريخ الفرعوني، فرغم انتشار مزاعم بعض المنتمين إلى حركة المركزية الأفريقية بأن المصريين القدماء كانوا أفارقة توالت عليهم الغزوات الأجنبية من الإغريق والرومان والعرب وغيرت من ديناميكية السكان؛ تأتي الدراسات الجينية الأخيرة لتثبت عكس ذلك. بل والمثير للاهتمام حقا ما كشفت عنه دراسة حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر" (Nature) من أن المصريين المعاصرين يتشاركون في الأصل مع الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى أكثر بكثير مما فعل أسلافهم من المصريين القدماء، الذين كانوا أكثر ارتباطا بشعوب الشرق الأدنى القديمة.

أظهرت الدراسة أن الجينوم البشري الخاص بالمصريين المعاصرين يتشارك في الجينات مع سكان أفريقيا الوسطى بنسبة تصل إلى 8%، وهي نسبة أكبر بكثير مما تشاركه أسلافهم من القدماء؛ إذ بدأ تدفق جينات جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى بين الشعب المصري منذ نحو 1500 سنة ماضية، وهو ما أرجع الباحثون سببه إلى حركة التجارة المتزايدة بين الشعبين على طول نهر النيل في تلك الفترة.

الـ دي إن إثيه يوضح أن الصورة الذهنية عن الفايكنغ زائفة

عادة ما تستحضر كلمة "فايكنغ" صورة ذهنية لا لبس فيها، وهي الصورة النمطية للغزاة الإسكندنافيين الجريئين، واللصوص المخيفين ذوي البشرة البيضاء والشعر الباهت، الذين يداهمون بلا رحمة ويسافرون في طريقهم عبر العالم منذ أكثر من 1000 عام، لكن، على ما يبدو، فإن التفاصيل الحاسمة في هذه الأسطورة القديمة خاطئة، كما يكشف بحث جديد نشر في دورية نيتشر Nature.

ووفقا لتحليل جيني كبير لأكثر من 400 هيكل عظمي من الفايكنغ منتشرة في جميع أنحاء أوروبا، لم يكن العديد منهم من أصل إسكندنافي، وكان العديد منهم لديهم شعر داكن وليس أشقر، يقول عالم الوراثة التطورية إسك ويلرسليف، المنتسب إلى كل من جامعة كامبريدج University of Cambridge وجامعة كوبنهاغن University of Copenhagen في البيان الصحفي المنشور على موقع الأولى إن "النتائج تغير مفهومنا عن الفايكنغ في الواقع". مشيرا إلى أن هناك مشكلة متكررة بالنسبة لناشري كتب التاريخ بعدما ثبت أنها "بحاجة إلى تحديث".

كشف عوالم ضائعة

اكتشف العلماء حمضا نوويا لحيوانات ونباتات وميكروبات يعود إلى قرابة المليوني عام، وهو أقدم حمض نووي مسجل على الإطلاق، في رواسب في أقصى نقطة من شمال  غرينلاند  تم استخراجها حول مصب مضيق بالمحيط المتجمد الشمالي، مما يكشف عن عالم ضائع مذهل في هذا المكان القصي.

وقال إسكي فليسليف، مدير مركز لاندبك فاونديشن جيو جينيتكس ورئيس الدراسة المنشورة في دورية نيتشر "الماستودون كان مفاجأة كبيرة. لم يُعثر عليه في جرينلاند من قبل قط. وكانت المفاجأة الأكبر هي هذا النظام البيئي الفريد لأنواع (الطقس) القطبي والمعتدل المختلطة معا دون وجود نظير في العصر الحديث".

وعلى الرغم من أن الحمض النووي القديم قابل للتلف بدرجة كبيرة، فقد أظهرت الدراسة أنه في ظل الظروف المناسبة، في هذه الحالة التربة الصقيعية، يمكن أن يعيش لفترة أطول مما كان يُعتقد. وقال فليسليف إنه لن يتفاجأ الآن في حالة العثور على حمض نووي يعود إلى أربعة ملايين سنة على الأقل.

حقيقة البشر الأوائل

اكتشف علماء ألمان أقدم تسلسل للحمض النووي البشري، مستخرج من عينات من أسنان متحجرة وعظام فخذ في إسبانيا يزيد عمرها على 430 ألف عام.

وجد الفريق الألماني دليلا على أن السلف القديم للإنسان الحديث انقسم عن أسلاف البشر البدائيين منذ مئات الآلاف من السنين، أي في وقت سابق عن المتعارف عليه علميا، واكتشف العلماء هياكل عظمية في سلسلة كهوف ديل سيلو شمال وسط إسبانيا، وتحتوي الكهوف على رفات بشرية متحجرة لـ28 فردا، وبذلك يسيتطيع العلماء إعادة رسم شجرة العائلة البشرية إلى ما قبل 100 ألف عام مضت.

ووضع الفريق بقيادة ماتياس ماير من معهد ماكس بلانك لعلم تطور الإنسان في ألمانيا، حدا للالتباس بشأن تسلسل الحامض النووي والـ"دي إن إيه" بالميتوكندريا المأخوذة من خمس عينات عظام من أكثر من هيكل عظمي بالكهف، وأظهرت نتائج البحوث أن الجينوم المكتشف في هذه الهياكل يعود لإنسان يسبق وجود إنسان النيانديرثال، المثير للاهتمام أن نتائج هذه البحوث من شأنها أن ترشد العلماء إلى الاتجاه الصحيح، نحو اكتشاف أقرب سلف مشترك مع الغوريلا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة