يواجه الاقتصاد الأمريكي خلال الأعوام القليلة الماضي أزمات متتاليه أشعلتها دور الولايات المتحدة في الحروب حول العالم سواء في اوكرانيا أو في غزة، تسبب في ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، أخرها ما كشفه تقرير شهر أكتوبر عن ارتفاع أسعار المستهلكين وتباطؤ التقدم نحو انخفاض التضخم منذ منتصف العام، وهو ما قد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أقل في 2025، وفقا لشبكة سي ان ان الامريكية.
قالت وزارة العمل الامريكية إن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع 0.2% للشهر الرابع على التوال. وخلال الاثني عشر شهرا حتى أكتوبر، ارتفع المؤشر 2.6% بعد ارتفاعه 2.4% في سبتمبر، وكشف استطلاع أجرته رويترز لعدد من الخبراء الاقتصاديين انهم توقعوا ارتفاع المؤشر 0.2% على أساس شهري و2.6% على أساس سنوي.
أما عن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي - الذي يستبعد الغذاء والطاقة- فارتفع 3.3% على أساس سنوي، مستقرًا عند قراءة سبتمبر السنوية، وصعد بنسبة 0.3% على أساس شهري، وأوضح مكتب إحصاءات العمل في بيان، أن أغلب الزيادة في التضخم جاء من ارتفاع بنسبة 0.2% في تكاليف المسكن على أساس شهري، وبمعدل مماثل في أسعار الغذاء، لتعوض الاستقرار الواقع في أسعار الطاقة.
وعلى أساس سنوي، تراجعت تكاليف الطاقة بنسبة 4.9%، مع انخفاض أسعار البنزين 12.2%، فضلًا عن هبوط مؤشر زيت الوقود بنسبة 20.8%، فيما ارتفع سعرا الكهرباء بنسبة 4.5%، والغاز الطبيعي 2%.، وصعدت أسعار كل من الرعاية الطبية بنسبة 0.3% على أساس شهري، والسيارات المستعملة بنسبة 2.7%، وتذاكر الطيران بنسبة 3.2%، والخدمات الترفيهية بنسبة 0.4% على مدار الشهر الماضي.
ويتوقع خبراء الاقتصاد ارتفاع التضخم العام المقبل إذا مضى الرئيس المنتخب دونالد ترامب قدما في سياساته الاقتصادية، ومنها التخفيضات الضريبية وزيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، كما تعهد ترامب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين بشكل جماعي، وهو ما يقول خبراء الاقتصاد إنه سيؤدي إلى تقليص المعروض من العمالة ورفع التكاليف على الشركات التي تنتقل بعد ذلك إلى المستهلكين
وتسبب الأرقام في تراجع الدولار الأمريكى عن أعلى مستوى فى الأشهر الستة والنصف الماضية مقابل العملات الرئيسية بعد أن أظهرت بيانات أن التضخم فى الولايات المتحدة ارتفع ما يشير إلى أن مجلس الاحتياطى الفيدرالى سيواصل خفض أسعار الفائدة.
كان للمساعدات الأمريكية التي أقرها الكونجرس طوال فترة الحرب دورا في المشكلات الاقتصادية التي تواجه واشنطن، حيث صوت الكونجرس منذ بدء حرب أوكرانيا على 5 مشاريع قوانين ضمنت لكييف مساعدات مستمرة اخرها في ابريل 2024 وبلغت 175 مليار دولار وتساعد هذه المبالغ مجموعة من المؤسسات الأوكرانية، بما في ذلك اللاجئين، ووكالات إنفاذ القانون الا ان معظمها كان لاهداف العسكرية وتحصل حكومة أوكرانيا بشكل مباشر على 106 مليار دولار والباقي يتجه لتمويل معظم الأنشطة الامريكية الأخرى المرتيطة بالحرب ويدعم جزء صغير منها أماكن أخرى متضررة في المنطقة .
ويري متابعون للشأن الأمريكي أن الحرب الأوكرانية كانت أحد أبرز نقاط الضعف في إدارة جو بايدن، وكانت سبباً رئيسياً في فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب علي منافسته ، نائبة الرئيس كامالا هاريس ، حيث فشلت الإدارة الأمريكية من إرغام روسيا على وقف القتال بعدما أثبتت العقوبات الأمريكية ـ الأوروبية فشلها في عرقلة موسكو، وبعدما ارتدت تلك العقوبات بأزمات كبري داخل أوروبا ، تتعلق بإمدادات الغاز وأزمات الطاقة شبه المتكررة كل شتاء، وعلي الاقتصاد الأمريكي الذي عاني كذلك من تلك الأثار، ففي إبريل 2022 سجلت الولايات المتحدة أعلي معدل تضخم في تاريخها منذ 40 عاماً، حيث ارتفعت أسعار السلع بنسبة قاربت 9%
ولطالما شهد الكونجرس انقساما بين الحزبين حول المساعدات المرسلة الى أوكرانيا حيث يري الديمقراطيون ان دعم أوكرانيا هو نوع من أنواع الحماية للولايات المتحدة وجزء من الامن الأمريكي، بينما يتبنى الحزب الجمهوري رؤية الرئيس المنتخب حديثا دونالد ترامب بان المساعدات لاوكرانيا أصبحت اكثر من اللازم ويجب ان تخضع لقيود .
وهناك قلق الآن بين أوكرانيا وحلفاؤها بعد فوز ترامب في الانتخابات الأخيرة، فطوال فترة حملته الانتخابية لم يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتقاده أن أوكرانيا هي الطرف المتسبب في اندلاع الحرب مع روسيا، ودائما ما تباهي بعلاقته التي وصفها بصداقة قوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما أثار غضب دول الناتو كما أعرب عن رفضه للكم الهائل من المساعدات التي ترسلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى كييف
ويتبع ترامب دائما سياسة " أمريكا أولا" ما يعني أنه من الممكن أن يتراجع عن وعود الدفاع الأمريكية لحلفائها اذا رأي فيه مصلحة واشنطن، خاصة دول الناتو الذين طالما انتقدهم.
ويعارض ترامب حزم التمويل الكبيرة التي أقرتها إدارة بايدن لأوكرانيا، ما أثار الشك في استمرار واشنطن في الدعم العسكري والدبلوماسي لكييف حال فوزه، واقترح بدلاً من ذلك أنه قد يتوصل إلى اتفاق مع فلاديمير بوتين لإنهاء القتال وقال إنه سينهي الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة من خلال تسوية تفاوضية مع روسيا وخلال الحملة الانتخابية، لم يقف ترامب بقوة إلى جانب أوكرانيا ورفض مرتين أن يقول، أثناء مناظرته مع هاريس، ما إذا كان يريد أن تفوز في حربها مع روسيا.
وقالت مجلة إيكونوميست أن الحرب الاوكرانية لها تأثير على الاقتصاد الأمريكي واستمراراها سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية، مما يغذي التضخم ويؤثر على النمو الاقتصادي الامريكي، كما نتج عن فرض عقوبات واسعة على قطاع الطاقة الروسية بشقيه، الغاز والنفط، زيادة الولايات المتحدة إنتاجها من الوقود الأحفوري، وعززت مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي المسال، للمساعدة في تلبية الطلب في أوروبا.
وجاء رد الولايات المتحدة وحلفائها على بدء روسيا الحرب بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، وقد ارتفع على أثرها سعر النفط ونتج عن هذه الزيادات ارتفاع سعر بنزين السيارات في الولايات المتحدة، ووصل إلى مستويات قياسية، وألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن المنتهية ولايته الان باللوم على حرب روسيا في أوكرانيا في تصريح اثار جدلا وقتها حيث قال ان التدهور الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة السبب فيه هو "ارتفاع أسعار بوتين" وذكر أن الأسعار ستنخفض، لكنه لم يحدد مدى
ودفع ارتفاع أسعار البنزين بالرئيس بايدن للسحب من احتياطي النفط الأمريكي مرتين -وهو اجراء استثنائي- منذ بدء الحرب وضخها في السوق الامريكية في محاولة منه لخفض وتثبيت سعر النفط الا ان الخطوات لم يكن لها أي تأثير في استمرار ارتفاع أسعار البنزين، وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، انخفض مستوى الطلب على السلع والخدمات الأخرى، كما ساهم ذلك في زيادة شاملة في مستويات تضخم أسعار المستهلكين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة