كانت الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز وأختها هدى والأخوان الرحبانى «عاصى ومنصور» فى زيارة للقاهرة خلال أكتوبر 1966، وكان الاحتفاء الفنى والثقافى والإعلامى بهم كبيرا، بلغت درجته أن 15 شخصية من كبار الموسيقيين والكتاب والمثقفين والفنانين والتشكيليين شاركوا فى ندوتهم بمجلة «الكواكب» التى أدارها رئيس تحريرها الكاتب والناقد رجاء النقاش، وهم، عبدالرحمن الخميسى، الدكتور مصطفى محمود، شفيق أبو عوف، هدى سلطان، فؤاد شبل، محمد الموجى، حورية حسن، جمال كامل، حلمى التونى، بهجت عثمان، صافنياز كاظم، عبدالحليم نويرة، جلال فؤاد، محمد عفيفى، سليمان جميل.
تناولت الندوة المدرسة الرحبانية ومنها انتقلت إلى مشاكل الفن العربى المعاصر، ونشرته «الكواكب» على ثلاث حلقات ولكى تعطى المجلة وجبتها الكاملة والمشبعة عن فيروز والرحبانية، نشرت حوارا آخر معهم أجراه الكاتب الصحفى عبدالتواب عبدالحى، شمل المحطات التاريخية والذاتية لفيروز والرحبانية، ونشرته «الكواكب» فى عددها رقم 798، يوم 15 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1966.
تحدثت «فيروز» فى حوارها عن نشأتها فى «زقاق البلاط» أقدم أحياء بيروت وأحدثها، أفقرها وأغناها، تقول: «فى زقاق البلاط قصور لأغلب الحكام والشخصيات السياسية، وفيه مثل شقتنا القديمة، غرفتان بالبلاط، أجر أبى - الأسطى وديع حداد - من جمع حروف الطباعة بمطبعة جريدة «ليه جرر» يعنى «النهار» التى تصدر بالفرنسية، لا يسمح بغرفة ثالثة، فى 21 نوفمبر سنة 1935 ولدت فى إحدى الغرفتين، لم يفرح أبى بابنته البكر، كان يريد ولدا، الله أعطاه الولد بعدى، أخى يوسف، ثم استأنفت أمى خلفة البنات، أختى هدى شريكة فنى، وأختى آمال».
تضيف: «كنت فى طفولتى وصباى عنيدة، شقية، مقاتلة، أظافرى طويلة متحفزة دائما، أبى يدلل يوسف، يعطيه أكثر، أغار، أتصنع الأعذار لأضرب يوسف كل حين علقة ساخنة، لأسباب طفولية صغيرة أجذبه من شعره وأقصه بقدمى بحركة بارعة لا يجيدها إلا قبضايات بيروت، يجئ أبى، يشيلنى من فوق يوسف، يصفعنى حتى تدمى شفتي، يتساءل قلبى الصغير: لماذا يحميه أبى؟ لماذا يعطيه من حقى أكثر من حقه؟، الآن تغيرت، تركت القتال، لم أستبق لى إلا عنادى فى فنى».
تذكر مدرستها الأولى فى بيروت قائلة: «مدرسة الإناث الأولى فى بيروت مدرستى، مدرسة ابتدائية يعنى، درست فيها 4 سنين فقط، لم أخذ الشهادة الابتدائية، أخذنى الغناء قبل الامتحان بأشهر، نصف ساعة بالأسبوع ندرس موسيقى وأناشيد، من أجل هذه النصف ساعة كنت أتحمل دراستى طوال الأسبوع، بالبيت لا أذاكر، لا أفتح كتابا، يكفينى ما أسمعه فى الحصص لأنجح، أمضى الوقت فى لعب «الجلة»- يعنى البلى - مع أخواتى، أو الطابة «الكرة الكاوتش»، أو أتشاجر مع يوسف لآخذ منه حقى، أحيانا أشتغل مع أمى بالبيت، أطبخ، أكنس، أمسح، أذنى على الراديو، ساعات أدندن لنفسى «ياما أرق النسيم» لليلى مراد، و»يا ديرتى مالك علينا لوم» للمرحومة أسمهان».
وعن اكتشافها تقول: «فى حفلة مدرسة الإناث الثانوية فى ربيع1949، اشتركت فى نشيد جماعى مع بنات المدرسة اسمه «يا وطنى الأغر»، سليم فيلفل أستاذ السولفيج بمعهد الموسيقى ببيروت يحضر الحفل ليستكشف أصواتا جديدة يقدمها فى ركن الأناشيد الوطنية الذى يشرف عليه بالإذاعة، اختارنى مع بنتين من زميلاتى».
ألحقها «فيلفل» بمعهد «الكونسرفتوار»، كانت الدراسة فيه بالمجان، كما التحقت بفرقة كورال الإذاعة بمرتب 100 ليرة لبنانية «12 جنيها مصريا تقريبا وقتها»، تتذكر: «كنت فتاة كورس يعنى من ضمن الأصوات الخلفية التى تردد وراء أية مطربة، كنت أدرس أصوات المطربات وطريقة كل منهن فى الأداء، وأدرس السلم الموسيقى وعلم الأصوات فى المعهد، كنت أريد أن أصنع من نفسى شيئا مهما، لكنى لم أكن أتصور لنفسى أيامها مستقبل فيروز».
تكشف حقيقة تسميتها باسم فيروز، قائلة: «لست صاحبة الاسم، اسمى فى جواز السفر «نهاد وديع حداد»، حليم الرومى الملحن ورئيس قسم الموسيقى بإذاعة بيروت «والد الفنانة ماجدة الرومى» هو الذى اختار لى اسمى الفنى، كان سيسمينى «شهر زاد»، ولأنه اسم شائع، وفيه مطربة مصرية بهذا الاسم، استقر على تسميتى «فيروز».
لم يكن عاصى الرحبانى أول من لحن لها، هكذا تؤكد، مضيفة: «أول ألحانى بعد أن خرجت من حزمة الأصوات الخلفية وضعها لى حليم الرومى، من أشهرها «يا حمام يا مروح بلدك» إلى أن التقيت بعاصى، لو سارت الأمور بعد أول لقاء بطبيعية ما كنت، وما كان الرحبانية»، توضح ذلك: «فى أواخر 1950 مكتوب من حليم الرومى إلى عاصى الرحبانى ليحضر حالا لدار الإذاعة، حضر، قدمنا لبعض من شأن يسمعنى ويعمل لى ألحان، غنيت له «يا ديرتى» لأسمهان ما عجبته، قلت له «يا حمام» قاطعنى فى نص الأغنية، وقال: يا مدموزيل صوتك بالحاضر ما بينفع، بدك تدريب كتير»، بعد سنتين من الشقاء والدراسة والانزواء فى حزمة الأصوات الخلفية، جاى عم بيقول بدى تدريب كتير، كرهته لحظتها وتمنيت لو أصفعه».