دومًا ما كان اسم المخرج الكبير يسرى نصر الله بمثابة ماركة مسجلة للإبداع، فهو صاحب البصمات المميزة بتاريخ السينما المصرية والعربية سواء من حيث مضمونها الذى دومًا ما يمتلك إشارات لما سيحصل مستقبلاً بقراءته للواقع أو باكتشاف أهم النجوم على الساحة في أعماله.
وهو ما جعل تكريمه الأخير في مهرجان القاهرة السينمائى حينما منحه جائزة إنجاز العمر، محل تقدير من جانب صناع السينما أنفسهم ممن أثنوا على هذا التكريم مؤكدين أنه جاء في محله وللشخص المناسب خاصة أنه يمتلك تجربة سينمائية فريدة استلهمها من حياته الخاصة مثلما يقول بنفسه - والكلام هنا على لسانه - خلال حوار أجراه معه الزميل زكي مكاوي استرجع فيه أهم محطات مشواره.
ذكى مكاوي مع المخرج يسري نصر الله
التمرد على الطفولة وسر ترك معهد السينما
"من صغري كنت طالبًا في مدرسة ألماني كنت بحس إن الجو اللى فيها خانق زي معسكرات الجيتو، ولما كبرت ودخلت معهد السينما فرحت في البداية جدًا، إلا أنني قررت بعدها تركه لأني لاقيت نفس الجو اللى كان موجود في المدرسة هو بالظبط في المعهد، وبالتالي ما حبتش أكمل أما حسيت إنى مخنوق".. وهو ما يعكس شخصيته الرافضة للقيود والباحثة عن الحرية في فعل ما يحلو له.
عمل مُدرس لتقديم أول أفلامه عن الأطفال الفلسطينيين
يبدو أن القضية الفلسطينية ارتبطت بالمخرج يسري نصر الله من بداية مشواره، فقد حكي أنه وخلال تواجده بالقاهرة بعد تخرجه بفترة اقترحت عليه صديقته ريما سالم عمل فيلم عن الأطفال الفلسطينين وتقديمه في مسابقة بلبنان بمناسبة عام الطفل، وقد قال عن ذلك نصاً : "سافرت إلى لبنان لهذا الغرض مقررًا أن أستمر هناك شهرين أعمل فيلم وأرجع، ولأن المسابقة بمناسبة عام الطفل قررت الذهاب لمدرسة بها أطفال فلسطينين كي أكون صادق، ثم اشتغلت مًدرس، وهناك قررت إخراج فيلم يدور موضوعه حول أهمية وجود منهج فلسطيني يحكي تاريخهم ولا يكونوا تابعين لأي أنظمة، وحينما وضعت المشروع تم رفضه من قبل القائمين على المسابقة .
أبكي اليهود بفيلم "باب الشمس" وسرد القضية الفلسطينية كما يجب أن تكون
مثلما يقال دائمًا أن "الدور يختار صاحبه" لم تكن لتجد رواية باب الشمس للراحل إلياس خوري أفضل من المخرج يسري نصر الله لها ليجعل القضية الفلسطينية لا تحظي بنيل اهتمام الفلسطينين أو ثناء العرب فحسب وإنما تتجاوز ذلك للحد الذى أبكي اليهود أنفسهم ووضعهم أمام المرآة وهو يشاهدوا زيف رواياتهم أمام السردية الحقيقية الذى قدمها بعمل مُتكامل.وهو ما حصل حينما تم عرض فيلم باب الشمس في نيويورك للمرة الأولى قائلاً: "احتفلوا بالفيلم بصورة كبيرة ومجلات اختارته من بين أهم 10 أفلام في العام إلا أنني بعد ذلك وجدتهم لم يوزعوا الفيلم تمامًا بأى دار عرض وأخبرني شخص بأن الفيلم حلو لكن ما يتوزعش".
وعن عرض الفيلم بمهرجان كان قال: "عمل هزة كبيرة، فيكفى أن مديرة السينما الإسرائيلية استمرت في الصراخ وتقول كذب وهي تشاهد الفيلم، كما أن هناك مدير بنك يهودي اتصل بجده وأخبره بأنه شاهد فيلم يحكي عن الأهوال الذى عاني منها الشعب الفلسطيني ليؤكد له الجد حقيقة ذلك".
يوسف شاهين ووحيد حامد علامة فارقة في مسيرته
ارتبط المخرج يسري نصر الله بالراحل يوسف شاهين بصورة كبيرة، وعمل معه كمساعد مخرج في أهم أفلامه، ودومًا ما أكد أنه تعلم منه الكثير، في تجربة مميزة على مدار أفلام أصبحت من بين الأفضل في كلاسيكيات السينما العربية.
أيضًا وحيد حامد كان علامة فارقة حينما عملا معًا بفيلم "احكي يا شهرزاد" الذى كان بمثابة صرخة أنثوية من خلال حكايات أبطاله قدمهن فيها بصورة مميزة.
يسري نصر الله في حديثه عن وحيد حامد أكد أن الكاتب الكبير مثله ومثل إلياس خوري مؤلف باب الشمس، يتميزوا بأنهم يعوا أهمية دور المخرج وأنه صاحب الحق في توصيل المكتوب للجمهور وإلا فلماذا جاء لإخراج الفيلم.
سر نبؤات أفلامه
دومًا ما ارتبطت أعمال يسري نصر الله بقدرتها على استشراق المستقبل ورؤية أمور يتساءل الكثيرون حول سر تنبؤه بها، وهو ما فسره المخرج الكبير بقوله إنه أثناء العمل على تلك الأفلام لم يكن بذهنه التنبؤ بأية أمور ستحصل على أرض الواقع بقوله: "أوقات كثيرة بلاقى ناس تقولى معقول أنت توقعت في الفيلم الفلاني كذا، وبرد عليهم إنى لم أتنبأ بشيء، الفكرة كلها إنى بعمل فيلم بيناقش الواقع وبيتطرق ليه، بس أنا ببقى عايز أنقل منه حاجات زي ما هيا بالظبط، ولكن الناس مش بتبقى شايفه أو عامله مش شايفه، وبيبقوا عايشين في الماضى ومش عايزين يشوفوا، لكن بعد فترة بيبتدوا يشوفوا أو أولادهم بيبقوا شايفين ومش عايشين في الماضى وبالتالي بيقولوا ايه ده الفيلم الفلاني تنبأ والحقيقة انه لم يتنبأ ولكنه شاف اللى الناس مش عايزه تشوفه".
اكتشاف النجوم على مدار أفلامه من عبلة كامل لـ عصام عمر
لا ينكر أحد أن يسرى نصر الله أحد أهم المخرجين ممن يمتلكوا نظرة ثاقبة يكتشف من خلالها موهبة أي فنان حقيقي ويثقلها معه بأعماله، وهو ما دللت عليه التجربة التي أثمرت عن نجوم بحجم باسم سمرة، عصام عمر، عبلة كامل، فيكفي قصة اكتشافه للأخيرة بعرض مسرحي شاهده فيها ورشحها ليوسف شاهين في فيلم وداعاً بونابرت قبل أن تعمل معه بفيلم سرقات صيفية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة