رأت مجلة بولتيكو أن إيران تبدو الآن في وضع معقد، حيث تتصاعد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية في الوقت الذي تحاول فيه إيجاد سبل لتخفيف التوترات مع الإدارة الأمريكية المقبلة.
وأشارت المجلة إلى أنه في ظل حرب إقليمية مستمرة، وعلاقات دبلوماسية متوترة، لا يمكن الجزم ما إذا كانت إيران تسعى حقًا لتغيير سياستها أم أنها مجرد محاولة للتكتيك مع الإدارة القادمة.
ولفتت المجلة إلى أنه مع استعداد طهران لفترة أخرى من حكم ترامب، بدأت في إظهار بعض المؤشرات على استعدادها لتخفيف حدة النزاع، ما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية.
وفي خطوة غير معتادة، نقلت تقارير إعلامية عن لقاء جمع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، حليف ترامب، مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي. وبحسب المسؤولين الإيرانيين، كان اللقاء مخصصًا لمناقشة سبل تخفيف التوترات بين البلدين. ورغم عدم تلقي تعليق رسمي من ممثل ماسك، أو من فريق حملة ترامب، فإن اللقاء يلفت الانتباه إلى محاولات إيران لفتح قنوات دبلوماسية مع الإدارة المقبلة.
كما يتزايد الحديث عن مفاوضات لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، الموالي لإيران، بعد شهور من القتال. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن "حزب الله" لن يوافق على أي هدنة دون الحصول على الضوء الأخضر من طهران، ما يعكس استمرار تأثير إيران على تلك الجماعات المسلحة.
وإلى جانب ذلك، وافقت إيران على السماح لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، بزيارة طهران لأول مرة منذ مايو الماضي. وكانت إيران قد فرضت حظرًا فعليًا على زيارات مفتشي الوكالة لمواقعها النووية، ما يجعل هذه الزيارة خطوة هامة في سياق محاولات طهران تقديم إشارات تدل على استعدادها للتعاون في الملف النووي.
وفيما يتعلق بالسياسات المستقبلية، من المتوقع أن يتبع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نهجًا مشابهًا لما اتبعه في فترته الأولى، وهو دعم غير مشروط لإسرائيل واستراتيجية "الضغط الأقصى" على إيران. وهذه السياسة تهدف إلى تدمير اقتصاد إيران وعزلها دبلوماسيًا بسبب برنامجها النووي وسلوكها الإقليمي.
ولكن ترامب، المعروف بتوجهاته التفاوضية، قد يجد نفسه في موقف صعب؛ فبينما اختار صقورًا مؤيدين لسياسة متشددة تجاه إيران في المناصب العليا، إلا أنه عين أيضًا مستشارين يدافعون عن سياسة ضبط النفس. وهذا قد يمنح إيران فرصة للضغط من أجل تخفيف الضغوط الدبلوماسية، شريطة أن يعتبر فريق ترامب هذه المبادرات جادة.
وفي هذا السياق، قال بهنام بن طالبلو، المحلل في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، إن إيران قد تستخدم أي فرصة لتخفيف أو تباطؤ "الضغط الأقصى"، بما في ذلك من خلال الدبلوماسية أو الإنكار أو الخداع.
ومن جانب آخر، يرى بعض الخبراء مثل تريتا بارسي، أن إيران قد ترى في هذه الفترة فرصة جديدة لإقامة علاقة مع ترامب قبل بدء أي مفاوضات. وأكد بارسي أن طهران قد ارتكبت خطأً عندما رفضت عرضًا أمريكيًا للقاء حلفاء ترامب في 2016، وهو ما أثر سلبًا على فرص التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية.
وأضاف بارسي: "الإيرانيون أدركوا أنهم ارتكبوا خطأ في الفترة السابقة. رفضوا ترامب لأسباب متعددة، لكن ذلك ترك المجال للمسؤولين الإسرائيليين والصقور الأمريكيين لإقناع ترامب بأن الطريق الوحيد للاتفاق مع الإيرانيين هو فرض العقوبات عليهم حتى الموت."
وأشارت المجلة إلى أن الوضع في الشرق الأوسط قد تغير منذ فترة ترامب الأولى. فالحرب الدائرة بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان وقطاع غزة قد أضعفت اليد العسكرية الإيرانية في المنطقة، وتسببت في تدهور كبير في صفوف الميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران. وهذا قد يجعل إيران في موقف ضعيف، ومن غير الواضح ما إذا كان سيدفعها ذلك للقبول بالضغوط الأمريكية أو يدفعها لمزيد من التصعيد.
وتتزايد المخاوف من أن استراتيجية ترامب قد تكون أكثر دعماً لإسرائيل في تنفيذ هجماتها الانتقامية ضد إيران، على عكس موقف الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، الذي سعى لتوجيه إسرائيل للحد من هذه الهجمات.
ومن جهة أخرى، تواصل إيران تنفيذ محاولات لاغتيال مسؤولين أمريكيين سابقين على خلفية عملية اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني في 2020. هذا الأمر، بحسب العديد من الخبراء، قد يعرقل أي مساعٍ لإيران لتحسين علاقتها مع إدارة ترامب، التي لا تنسى مثل هذه التحركات العدائية.
وقال أحد المسؤولين السابقين في إدارة ترامب: "قد يحاولون التظاهر باللطف، لكننا نتذكر دائمًا محاولاتهم لقتلنا، بغض النظر عن محاولاتهم لإظهار مواقف دبلوماسية."