أثار فيلم "الهوى سلطان" جدلًا كبيرًا ما بين مؤيد ومعارض حول الفيلم وأحداثه التي تدور حول قصة صداقة من الطفولة بين "سارة" منة شلبي و"علي" أحمد داود، ومع تطور الأحداث نرى قصة حبهما تتوج بحفل زفاف بسيط لتأتي كلمة النهاية.
تبدو هذه القصة عادية للغاية، فقد ترى أنها تخلو من الصراع الذى هو أساس أي عمل درامي، وقد ترى أيضًا أنه عمل قد شاهدته من قبل في قصص مكررة في أعمال فنية أخرى، لكن مع التعمق قليلاً في أحداث الفيلم، سنجد أن سرد قصته بشكل مختلف ومحترف يضيف الكثير لمخرجة ومؤلفة الفيلم هبة يسري التي سبق وقدمت رائعة "سابع جار"، وحققت نجاحًا كبيرًا في عام 2017.
رسم الشخصيات.. ما بين البساطة والعمق
كتابة الشخصيات ورسمها بدقة وبتفاصيل من أكثر العناصر أهمية في إنتاج عمل درامي قوي، وهو ما تحقق في شخصية البطلة "سارة" التى تبدو فتاة عادية تعيش حياة روتينية، فتقضي وقتها بين عملها كموظفة في إحدى الهيئات الحكومية، وبين مجتمعها الصغير المكون من "علي" صديق الطفولة والمراهقة والشباب.
حياة سارة تبدو خالية من الآلام والوجع، فتظهر متصالحة مع حياتها، لكن مع سير الأحداث سنجد تطورًا في شخصيتها، ليدهشنا هذا الوجه الضاحك بقصة ألم غير عادية بالمرة.
تفاصيل شخصية سارة.. فوبيا التعلق والخذلان والفقد
عانت "سارة" -وهي التي تخشى الفراق طيلة حياتها- من فقد والدتها، وخلال مدة قصيرة فقدت ظل أبيها الذى تركها ليتزوج بأخرى بعد أيام من وفاة أمها، حاربت سارة شعور الفقد بالتخلي ومقاومة الميل نحو أي شخص قد يجعلها تتعلق بيه خوفًا من خسارته، وجعلت قلبها على وضع "الطيران" حتى لا يهمس ولا يدق ولا يتعلق؛ ظنًا منها أن هذا سيكون كفيلًا لحمايتها من الفراق والألم، وهو ما جعلها تتجاهل شعورها نحو صديق حياتها الوحيد "علي"؛ فكانت تنكر ميلها نحوه، رغم أنه لم يكن أبدًا مجرد صديق مقرب، بل هو شريك وحبيب.
منة شلبي أضافت الكثير لشخصية "سارة"
شخصية "سارة" من الشخصيات المركبة التى تجعل الجمهور يحتار في أدائها، وهذا ما كشف عن قوة واحترافية منة شلبي التى أضافت لهذه الشخصية الكثير من مشاهد تبدو لك عادية، لكنها تكشف الكثير عن جوهر الشخصية التى تظهر وكأنها تعيش حالة من اللامبالاة، فلا ترغب في السفر أو الركض وراء فرصة عمل مميزة، أو حتى ممارسة رياضة معينة، حالة لا مبالاة تكشف عن شعور حقيقي بالاستنزاف من كثرة الألم والوجع، وشعور آخر بأنك خارج المنافسة وخارج السباق حتى تأخذ هدنة وراحة ما حدث لك في الماضي، وهذا ما ظهر في مشهد سارة وهى تتجنب رؤية أبيها وتتوارى عنه داخل السيارة؛ حتى لا تتذكر ما سببه لها من ألم.
تطور الشخصية من أحد أهم عناصر نجاح البناء الدرامي للعمل، وهذا ما تحقق في شخصية "سارة" و"علي"، فمع الوقت نرى "سارة" تتخلى عن قناع اللامبالاة والقناعة، ونكتشفت أنها ما زالت تتحاشي لقاء والدها ومصافحته؛ لخشيتها العودة تحت ظله والتعلق به، ثم يتركها أيضًا، لذا اعتادت على تجاهله حتى إذا جاءت لحظة الفراق يكون ذلك أسهل وأخف على قلبها، لكنها -مع الوقت ومع تأزم الأحداث- تلجأ له في مشهد من أهم المشاهد في الفيلم، بل إنه من أجمل المشاهد في السينما المصرية التى تناولت علاقة الآباء بالأبناء، وقد أضاف الفنان القدير عماد رشاد للمشهد قوة وإبداعًا، فقد جسد شخصية الأب الذى يشتاق لحضن ابنته التي هجرته لسنوات، ليفاجأ بها أمام باب منزله، فتغمره السعادة، فيندفع نحو المرآة، ليتأكد من ارتداء ملابس مهندمة احتفاءً بعودتها؛ لتراه في أبهى صورة، فلا أنسى لهفته وهو يروى لها قصة وروده التى زرعها بنفسه في شرفة منزله والدموع تتساقط من عينيه، وكأنه يريد أن يحكي لها كل ما فعله في غيابها عنه من إنجازات صغيرة.
سنرى سارة في هذه المشاهد صامتة لم تخرج من فمها كلمة، لكنها قالت لنا كل شيء يدور داخلها عن احتياجها لوالدها مهما كان الخلاف والخذلان وأنها تحبه رغم ما فعله، فلن تجد الأمان إلا بين أحضانه، ويعد هذا المشهد من أهم مشاهد الفيلم التى أظهرت توهج منة شلبي وعبقرية عماد رشاد الفنية.
"علي" أهم أدوار أحمد داوود المركبة.. جسد المعني الحقيقي لعدم الانتماء في العلاقات العاطفية
أما عن شخصية "علي" فهي من أهم الأدوار التي جسدها داوود، فقد نجح في تجسيد الشاب الذى يفتقد ثقته بنفسه، ويرغب في التطوير والتغير، فيعلم -من داخله- بمدى حبه وتعلقه بـ"سارة"، لكنه يخشى المصارحة -بينه وبين نفسه- خوفًا من فقدها، ثم يقرر حسم موقفه ويرتبط بغيرها، ويكسر هذا التعلق، ومن هذا القرار تتطور الأحداث، ويظهر الصراع الداخلي في غيرة "سارة" التى اكتشفت أنها تحب "علي" بالفعل "حب كبار" على حد وصفها، وأنه ليس مجرد صديق طفولة فقط.
يزداد الصراع أكثر مع ارتباط سارة بدكتور "رامي" الذي جسد دوره أحمد خالد صالح، وهنا يدرك "علي" مدى حبه وغيرته عليها، بعد أن تورط كلاهما -بالفعل- في علاقات عاطفية، وازدادت الحيرة في بناء شخصيات طبيعية يمكن التعايش معها، فلم نجد شخصية "ليلى" التي جسدتها الفنانة جيهان الشماشرجي كالشخصيات المعتادة لهذا الدور، فلم تجسد دور البنت المادية أو المغرورة، بل كانت شخصية متزنة ترغب في إرضاء "علي" وتتقبل ارتباكه واختلافه بسلاسة ويسر، لكن هذا لم يكن كافيًا حتى يصل لسعادته التى لمسها مع سارة، حتى في اللقاءات العادية التى كانت تجمعهما في سيارته على أنغام بهاء سلطان.
ماذا يريد أن يقول الفيلم؟
قارن "علي" بين "ليلى" وصديقته "سارة"، ومالت الكفة لصالح سارة، فهي التي تفهم لغته.. ارتباكه.. ذوقه.. وحتي "هزاره"، وهذا ما افتقده مع ليلى، وهنا ظهرت رسالة الفيلم واضحة عن أهمية أن تشعر بالانتماء مع شريكك الذى تختار أن يكمل معك بقية رحلتك، وأن لغة الحب بينك وبينه لابد أن تكون بنفس القدر حتى تتحقق الألفة.
يؤكد الفيلم أن شعورنا بالخوف من الفقد والفراق، قد يدفعنا إلى ترك الأشياء التي تسعدنا خوفًا من فقدها، وهذا ما يجعلنا نموت -ونحن أحياء-، وننجو من الألم دون علاجه، لكننا نُحرَم من الشعور بالسعادة طيلة حياتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة