تمر اليوم الذكرى الـ 107 على إعلان بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، إذ اعلن وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر بلفور في 2 نوفمبر عام 1917، عن وعد بلاده بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك في رسالة بعثها إلى اللورد ليونيل روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور.
واتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من وعد بلفور مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وبحسب الأديب الكبير عباس العقاد في كتابه "الصهيونية العالمية" فأن فكرة الوطن القومي، أو فكرة الدولة اليهودية، ظلت كالسحاب الذي يتشكل على حسب أوهام الناظرين إليه، حتى أوشك القرن التاسع عشر أن ينتهي دون أن تستقر على وضع محدود، ثم تبلورت على شكل ثابت في مؤتمر بال بسويسرة سنة 1897، وتم تشكيلها على الوضع الأخير بوعد بلفور بعد عشرين سنة.
وأوضح العقاد، أنه بعد نشوب الحرب العالمية، فاتصل الصهيونيون بالمعسكرين وساعدتهم ألمانيا والنمسا عند الباب العالي لتحقيق هذا المطمع في فلسطين، وعلم جمال باشا أنهم يمهدون لانتصار دول الغرب على دول أوروبا الوسطى فاشتد في مقاومة مشروع التعمير، واتفق في أثناء ذلك أن أستاذًا كيمائيًّا في جامعة مانشستر كشف طريقة لاستخراج المواد اللازمة للمفرقعات من بعض الحبوب، فطلبت الجامعة مكافأته، وأبى هو أن يطلب شيئًا لنفسه، قانعًا بوعد من الحكومة البريطانية أن تصغي إلى مطالب قومه.
هذا الأستاذ هو الدكتور حاييم وايزمان الذي اشتهر بعد ذلك في زعامة الحركة الصهيونية، وشفاعته هذه كانت المقدمة «المرغوب فيها» لإعلان وعد بلفور، ولكنه لم يعلن يومئذ في البلاد العربية، بل حظرت الإشارة إليه في الشرق العربي كله إلى ما بعد الهدنة بشهور، وما كانت شفاعة الدكتور وايزمان إلا تعلة لإصدار هذا الوعد الذي كان جزءًا من السياسة البريطانية العامة ومعدًّا قبل إعلانه لتنفيذه في الوقت المناسب، وقد كان في طريق التنفيذ بغير هذه الشفاعة، وإنما أصدرته الحكومة البريطانية ليكون ثمن الدعاية الصهيونية في الولايات المتحدة كي تحصل بريطانيا على المساعدات الأمريكية التي كانت في حاجة ملحة إليها للمضي في الحرب العالمية الأولى.