يحاول الكاتب السعودي عبد الله الغذامى في كتاب اللابس والمتلبس من أوراق أبى الطيب المتنبى الإجابة على سؤال هو لماذا يعجبنا المتنبى ولماذا يثير الاهتمام والجدل على الجانب الشخصى مفتشا في أوراق أحد أشهر الشعراء في التاريخ العربي.
يقول المتنبي:
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني/ وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
بيت خطير يكشف حال المتنبي نفسه بين حال الحكيم الشجاع، أو الشجاع غير الحكيم، أي حال المتنبي بين اللابس للحكمة أو المتنبي المتلبس بالنسق، وقد ظل المتنبي حكيماً وحكمته تنتشر على الألسنة وتعمر ذاكرة الثقافة، وهو حكيم ولا شك بمثل ما هو شاعر عظيم كذلك، ولكنه يظل نسقياً تتحكم فيه قوى غير حكيمة وقد مات ميتةً غير حكيمة وإن كانت شجاعةً، وذلك أن حكمته غابت لحظة مواجهته للموت فلم تحصنه الشجاعة، ولنستعرض حال هذا البيت وحال مصير المتنبي صاحب المقولة.
على أن الشجاعة قد تكون فضيلةً وقد تكون رذيلةً، وحسب مقولة سقراط بكون الفضيلة وسطاً بين رذيلتين فإن الشجاعة لكي تكون فضيلةً لا بد أن تقع في موقع الوسط بين الجبن أو التهور، والشجاعة قد تقع في نوع من الجبن أو نوع من التهور، وفي حال الجبن أو حال التهور ستكون حماقةً وهي ما قصد المتنبي بقوله (يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ/ وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ)! فالجبن المتلبس بصفة التعقل هو من خديعة الطبع اللئيم، وهذا هو الوجه المقلوب للشجاعة، وكذلك سيكون التهور الذي هو حماقةٌ واضحةٌ، وينتج عنه سلوكيات حمقاء في فعلها وفي ردود الفعل عليها، ولو أصيبت الشجاعة في علة التهور فهي تعادل الحماقة لأنها تتحكم بصاحبها وتكون قوةً متسلطة عليه. أما الشجاعة مع الرأي والحكمة فستصبح قوةً ناعمةً ومنها الشجاعة المعنوية والعقلية وشجاعة الرأي والتدبير، وهنا تكون فضيلةً، ولهذا قارن المتنبي بين موت رخيص وموت ثمين (فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ/ كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ). فالموت رخيص أو ثمين في قيمته ولكن طعمه سيظل واحداً في الحالين. وقد أعلى المتنبي من شأن الرأي في قوله (الرأي قبل شجاعة الشجعان / هو أول وهي المحل الثاني).