وليد فكرى يكتب: الطلاسم.. جذور حجاب الحماية الشعبية «2»

الأربعاء، 20 نوفمبر 2024 12:53 م
وليد فكرى يكتب: الطلاسم.. جذور حجاب الحماية الشعبية «2» وليد فكرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما زلنا مع الحديث عن «الطلاسم»، تلك الجذور التاريخية المثيرة لـ«حجاب الحماية» فى الثقافة الشعبية.. فأرجو من القارئ العزيز أن يراجع المقال السابق.

.4. عين حورس

نراها أحيانا كرمز طبى على روشتات بعض الأطباء. إنها عين حورس، رمز الحماية والشفاء.
تقول الأسطورة المصرية القديمة: إن الإله الشرير سِت، خلال صراعه مع حورس، داهم هذا الأخير واقتلع عيناه وتركه جريحا شريدا فى الصحراء، فهرعت الإلهة حتحور إلى حورس، وعالجت جروحه وصنعت له عينان بديلتان، فمن هنا أصبحت عينه رمزا للشفاء.
وتقول نصوص «الجبتانا» المثيرة للجدل حول صحة نسبتها للمؤرخ المصرى مانيتون: إن طقوس بعث أوزيريس بعد تقطيع سِت لجسده كانت تقتضى أن يضحى الابن حورس بإحدى عينيه، فينتزعها ويضعها بين عينى أبيه ليستعيد حياته.
استخدم المصريون القدماء عين حورس- التى جمعت فى شكلها بين عينى الإنسان والصقر- كتميمة للحماية من الشرور والأذى، خاصة أن حورس مثل قوة الحماية الإلهية والقوة الملكية، التى تحل فى الفرعون، وفسرها البعض لاحقا بأنها تمثل «البصيرة» أو «العين المعنوية الثالثة» عند الإنسان.

.5. خمسة وخميسة.. كف مريم أخت هارون وفاطمة بنت الرسول

من الأشكال المنتشرة فى الفن الشعبى، الكف المفتوحة المزخرفة، التى تعنى فى الثقافة الشعبية «خمسة فى عين الحاسد»، و«التخميس»- أى إشهار الكف وفتح أصابعها بحركة متكررة فى وجه من يُخشَى حسده- حركة مصرية شهيرة، والبعض يعلقونها على أبواب بيوتهم أو فى سياراتهم أو فى شكل سلسلة فى العنق، بل وأحيانا نراها على عربات الباعة الجائلين وأعناق خيلهم وحميرهم التى تجر تلك العربات، وكثيرا ما يرسمها الناس بغمس أيديهم فى دم الذبيحة، والضغط بها على حائط البيت لتنطبع الخمسة وخميسة دامية.
تعددت أصول هذا الطلسم المخصص لدفع الحسد، فمن تفسير أنه يرمز لكف يد السيدة مريم أخت النبيين موسى وهارون عليهما السلام، التى كانت إمرأة صالحة، وكان لها دور فى إنقاذ أخيها موسى من الذبح بتقصيها إياه، وهو فى الصندوق الذى ألقته أمه فيه فى النيل حتى بلغ قصر فرعون، حسب القصص الدينى.
وتفسير آخر أن الكف للسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، التى اشتهرت بالحنان والرعاية لأبيها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بعد وفاة زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، حتى عُرِفَت بـ«أم النبى» أو «أم أبيها»، وترمز الأصابع الخمسة فى هذا التفسير لأركان الإسلام الخمسة.
ولوحظ وجود للكف المفتوحة فى ثقافات قديمة فى حضارات الشرق القديم وشمالى أفريقيا، لنفس غرض الحماية، وتفسيرى لذلك أن الحركة التلقائية من الإنسان لدفع الضرر المادى هو دفعه بكف يده على غرار علامة «توقف/Stop» فى اللافتات الحديثة، فمع الوقت تحولت هذه الحركة إلى رمزية خوارقية لدفع مختلف أنواع الأذى، والأصابع الخمسة هنا ترمز لخمسة عناصر، أربعة طبيعية هى الماء والهواء والنار والتراب، والخامس هو عنصر الروح، وفتح أصابع الكف، وفقا لهذا التفسير هو رمز للتوازن الكونى بين تلك العناصر، فكأنما يحقق إشهارها فى وجه الأذى التوازن المطلوب لرده.

.6. أيو الهول، طلسم الحماية من عواصف التراب والرمال وشريكة حياته المجهولة

حسب المعتقد المصرى القديم مثل تمثال أبوالهول «حارس الأفق» أو «رع حور أختى»، وفى تفسير آخر أنه مثل مع معبد الشمس المواجه له تأليه الملك خوفو ودمجه بالإله رع، وتوجه التمثال برأسه الذى يقول هذا التفسير إنه على هيئة الملك خفرع للمعبد يمثل إقرار خفرع بعبوديته لأبيه الملك الشمس.

أثار أبوالهول فضول المؤرخين العرب، فدون بعضهم حكايات عن أن المصريين القدماء قد صنعوه ليكون طلسما يحمى وادى النيل من العواصف الرملية والترابية، بل وذكروا أن ثمة تمثال قديم لإمرأة تحمل إناء ماء أطلقوا عليها «سرية أبوالهول»- أى ملك يمينه التى يتسرى بها- وذكروا أنها كانت مواجهة له تماما، بحيث لو مددت حبلا بين رأسها ورأس أبوالهول لرسم خطً مستقيم، وقالوا: إنها مثلت «طلسم الماء» الذى يحمى مصر من الفيضانات المدمرة، وقالوا: إن أحد أمراء المماليك قد هدم تمثال سرية أبوالهول ظنا أن تحته كنزا.

ومنا ذُكِرَ كذلك عن أبوالهول أنه كان يعقل ويتكلم ويستشيره الناس فى شؤونهم وأماكن ما سُرِقَ منهم من أموال، فلما بعث الله موسى عليه السلام عرض عليه موسى دعوته فرفض أبوالهول الإيمان بنبى بعد إدريس، فغضب موسى وضربه على وجهه بعصاه، فكسر أنفه وأصيب أبوالهول بالخرس.
والمؤرخ تقى الدين المقريزى يذكر أن فى العصر المملوكى بادر أحد المتشددين دينيا، ويدعى محمد صائم الدهر، بمحاولة تشويه وجه أبوالهول لما رأى البعض يعتقدون فى كرامات التمثال، فلما فعل ذلك تعرضت مصر لعاصفة ترابية، فغضب الناس وقتلوا محمد صائم الدهر، وهى رواية يشكك فيها بعض المشتغلين بالتاريخ، لكنها تؤكد لنا كذب القصة الشائعة عن قيام جنود الحملة الفرنسية، بقيادة ناپوليون بوناپارت، بكسر أنف أبوالهول.

.7. قميص الحماية

من أشهر معروضات متحف الفن الإسلامى بالقاهرة، قميص من الكتان عليه مربعات ورموز، وقد استخدم الصديق الكاتب أحمد مراد فكرة هذا القميص فى روايته الشهيرة «الفيل الأزرق».

هذا القميص هو- حسب بعض المعتقدات الخرافية فى مصر وبعض الأقطار الإسلامية فى العصور الوسطى- قميص حماية، مهمته حماية مرتديه من أن يصاب بطعنة أو ضربة سلاح، سواء خلال القتال أو اغتيالا.

ومن الوقائع المثيرة فى العصر المملوكى، عندما جرت محاولة مسلحة لخلع أحد السلاطين، وتقاتلت قوات المتمردين مع حرس القلعة- مقر السلطان- فلاحظ الحرس أن أحد أمراء المماليك المتمردين لا تصبه سهامهم ولو أصابته فإنها لا تؤذيه، فأرجعوا ذلك لأنه يرتدى قميصا مطلسما، وثمة تكملات لمثل تلك الروايات تحاول تفسير مقتل بعض من ارتدوا مثل تلك القمصان بأنهم أصيبوا فى مواضع من أجسامهم لا تغطيها القمصان المطلسمة، على غرار مقتل البطل الإغريقى أخيل بسهم فى كعبه، الذى كان الجزء الوحيد من جسده غير المحصن بماء نهر ستيكس السحرى، حسب ملحمة الإلياذة للشاعر هوميروس.

.8. طلاسم الحماية من التماسيح والطيور الجارحة والأفاعى

القارئ فى التاريخ الإسلامى يصادف أخباًا متنلثرة عن طلاسم متفرقة، فثمة طلاسم لوقاية البحارة والصيادين فى النيل من خطر هجوم التماسيح التى يحجزها حاليا السد العالى، يضعونها على المراكب وأدوات الصيد، وطلسم آخر فى القدس الشريف للوقاية من لدغات الأفاعى، وطلسم بقلعة الجبل لحمايتها من الطيور الجارحة، وغيرها،ولا توجد تأكيدات تاريخية حول حقيقة وجود مثل تلك الطلاسم.

المؤكد من قصص الطلاسم هو مدى قدم الاعتقاد فيها، وتعدد الروافد التى غذته، وكذلك القدرة المدهشة لتلك المعتقدات على التكيف مع التغيرات التاريخية - فى الفكر والدين والتعليم والعلوم - لتجد لنفسها أماكن محفوظة فى الوجدان الشعبى لقطاع كبير من الناس.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة