وسط أزمة اقتصادية بالغة، انهار الائتلاف الحكومى في ألمانيا، وتسبب في أزمة لأول مرة تحدث في أقوى اقتصادات أوروبا، بعد أن أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنه سيطلب التصويت على الثقة في 16 ديسمبر المقبل، مما سيفتح الطريق لإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها في فبراير 2025.
وتتزامن الأزمة السياسية الألمانية مع ظرف محلي ودولي، وفقًا لدويتش فيله، فقد زاد من تعقيده فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ إذ ترى النخب السياسية الألمانية في ترامب تحدياً حقيقياً ينذر بمواجهة قد تضعف التحالف بين ضفتي الأطلسي، دفع الإدارة الجمهورية باستمرار نحو زيادة الإنفاق على التسليح والأمن سيضع برلين في دائرة الضوء بشكل خاص، كما أن الأزمة الحالية لا تساعد الحكومة على تعزيز موقع ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي.
وانهيار التحالف، جاء بعد إقالة شولتس لوزير ماليته كريستيان ليندنر بسبب خلافات حول الملف الاقتصادي، وداخلياً يتعرض المستشار أولاف شولتس لضغوط من المعارضة المحافظة، وأيضاً من قبل أهل الاقتصاد والصناعة.
ونشرت صحيفة الجارديان أن ألمانيا ستواجه فترة من عدم الاستقرار تحت حكومة أقلية ضعيفة، مشابهة لما حدث في فرنسا بعد حسابات ماكرون الخاطئة في الصيف الماضي، وهذا ليس مثالياً في وقت يخطط فيه دونالد ترامب لإعادة تشكيل السياسة الغربية تجاه أوكرانيا والتشويش على الاتحاد الأوروبي في قضايا التجارة، وفي لحظة حاسمة يتباطأ محرك التكامل الأوروبي بين ألمانيا وفرنسا، في عالم متعدد الأقطاب، حيث تتفكك عقائد التجارة الحرة القديمة، يمثل نهج شولتس مفترق طرق بالنسبة لألمانيا.
ومع استعداد الأحزاب للانتخابات، يواجه شولتس تحديات كبيرة في الحفاظ على منصبه، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المعارضة بقيادة فريدريش ميرتس.
وتتصدر الأحزاب المحافظة في ألمانيا نتائج استطلاعات الرأي مع اقتراب الانتخابات العامة المبكرة، ويستفيد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إلى جانب شقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي (البافاري)، من تقدم واضح في هذه الاستطلاعات، حيث أظهر 33% من الناخبين تأييدهم للتحالف الذي يقوده فريدريش ميرتس، وهو ما يمثل زيادة طفيفة مقارنة بالاستطلاع السابق.
وأجرى معهد يوغوف استطلاعاً بين 8 و12 نوفمبر شمل 2193 شخصاً، وأظهرت نتائجه أن الوضع السياسي في ألمانيا لم يشهد تغييرات كبيرة بالنسبة للأحزاب الأخرى.
وحسب الاستطلاع، خسر كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر نقطة مئوية واحدة، ليصبحا الآن في المرتبتين 15% و11% على التوالي، وفي المقابل، حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي زيادة بمقدار نقطة مئوية، ليصل إلى 19%، بينما تراجع "تحالف سارا فاغنكنشت" بمقدار نقطة ليحصل على 7%. أما الحزب الديمقراطي الحر وحزب "اليسار"، فلا يزالان عند 5% و3%، مما يعني أنهما يواجهان تحديات كبيرة للتمكن من دخول البرلمان الاتحادي (بوندستاج).
وكتبت صحيفة "تاغس آنتساغر" الصادرة بالألمانية، أن شولتس هو المرشح المتوقع، ولكن داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بدأت الثقة تتراجع في شولتس وقدرته على تكرار المعجزة التي جعلته يصل إلى منصب المستشارية في انتخابات 2021، وعلى عكس ما كان عليه الحال حينها، عندما كان يظهر للكثيرين باعتباره الأقل ضعفاً من بين ثلاثة مرشحين للمستشارية، يعرفه الألمان الآن.
غير أن موقع "شبيغل" الألماني ذهب في اتجاه آخر معلقاً: "إذا كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي يرغب في تحقيق نسبة أكبر من الـ 15 في المئة الحالية في استطلاعات الرأي خلال الانتخابات في فبراير المقبل، فيجب عليه أن يمنع شولتس من إلقاء المزيد من خطب الحملة الانتخابية، وتحتاج الاشتراكية الديمقراطية إلى مرشح آخر، كلما كان ذلك أسرع، كان أفضل.
ويواجه فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) تحديات كبيرة في سعيه للفوز بمنصب المستشارية في الانتخابات المقبلة على الرغم من أن حزبه يعد أحد القوى السياسية التقليدية في ألمانيا، وميرتس سيعتمد على استغلال القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الشارع الألماني، مثل إدارة الأزمات الاقتصادية والتغير المناخي، بالإضافة إلى ذلك، قد يحاول استقطاب الناخبين الذين يشعرون بالقلق إزاء سياسات الحكومة الحالية، لكن نجاحه سيتوقف على قدرته في بناء تحالفات قوية داخل البرلمان، وتحقيق وحدة داخل حزبه الذي يعاني من بعض الانقسامات الداخلية.
وعلى الرغم من أن ميرتس يملك الخبرة السياسية ويعتبر من الشخصيات المحترمة في الساحة الألمانية، فإن مستقبله السياسي مرهون بمدى نجاحه في تأكيد نفسه كبديل قادر على قيادة البلاد وسط التحديات الحالية.
وحتى الآن لم يحسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني هوية مرشحه لمنصب المستشار، وتراجعت شعبية المستشار أولاف شولتس مما طرح إمكانية استبداله بوزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يحظى بشعبية حسب استطلاعات حديثة.
ووفقا لما صرحت به متحدثة باسم الحزب، كان هناك مؤتمر هاتفى عادى مع نواب رئيس الحزب لتنظيم الحملة الانتخابية المبكرة من حيث المواعيد والمهل الزمنية.
وفي الأيام الأخيرة، ارتفع عدد الساسة داخل الحزب، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، الذين أبدوا دعمهم علنا لترشح بيستوريوس، الذي يعتبر الوزير الأكثر شعبية في الحكومة، وفقا لاستطلاعات الرأي.
ومن المتوقع إجراء انتخابات وطنية مبكرة في فبراير المقبل بعد انهيار الائتلاف الحاكم الثلاثي الذي يقوده شولتس في وقت سابق من هذا الشهر، عقب قراره بإقالة وزير المالية السابق كريستيان ليندنر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة