شهدت السنوات الأخيرة في مصر تنفيذ ما يمكن أن يعد أكبر برنامج إصلاح اقتصادي في الشرق الأوسط، وعملت الدولة على تنفيذه في كل القطاعات مجتمعة، وليس في أحد القطاعات فقط، وهو ما قاد الاقتصادي المصري ومنحه القدرة على على مواجهة الأزمات العالمية المتعددة، وكان أهمها أزمة فيروس كرونا الذي تسبب في إغلاق عام في معظم القطاعات الاقتصادية في العالم كله، وأزمة الحرب الأكرانية الروسية التي خلقت أزمة حبوب في العالم، ثم جاءت حربي غزة والسودان اللتين خلقتا أزمة نزوح غير مسبوقة.
وفي عام 2019 عندما اشتدت أزمة انتشار فيروس كورنا، ونفذت معظم الدول عمليات إغلاق شاملة، ما أدى إلى تأثر سلاسل الإمداد في أغلب القطاعات، كانت المشروعات التي نفذتها الدولة في السنوات السابقة للأزمة توفر العديد من المنتجات محليا، واستطاعت تغطية جزء كبير من الاحتياجات المحلية، سواء في قطاع الأدوية أو مدخلات إنتاج العديد من الصناعات، أو حتى السلع كاملة الصنع، وهو ما ساهم في دعم قدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمة.
ولم تبدأ أزمة كورنا في التلاشي نسبيا حتى تبعتها أزمة الحرب الروسية الأوكرانية والتي تسببت في العديد من الأزمات في العالم كله، خصوصا ما يتعلق بالحبوب الرئيسية والطاقة، وهو ما ساهمت المشروعات العملاقة التي نفذتها الدولة المصرية في مجال الزراعة في كل أنحاء الجمهورية في تغطية جانب كبير من النقص الناتج عن الحرب، حيث كانت الدولة قد استصلحت أكثر من 2 مليون فدان ساهمت بشكل كبير في سد العجز.
ولم ينتهي عام 2023 حتى جاءت الحرب في السودان وغزة لتخلق أزمة جديدة، حيث شهدت مصر عملية نزوح واسعة خاصة من السودان وغزة بسبب الحرب، وهو ما تسبب في ضغط شديد على الموارد، ولولا العمليات المستمرة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بالتعاون مع الشركاء الدوليين خاصة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي ومجموعتهما الاقتصادية، والتي تنفذ مصر معها برنامج إصلاح اقتصادي ضخم تعدت قيمة آخر اتفاق فيه 12 مليار دولار.
كما تقوم وزارة المالية بعملية واسعة لإعادة هيكلة الضرائب والجمارك كان آخرها تسهيلات وحوافز لمشروعات ريادة الأعمال و«الفري لانسرز» تشمل كل الأوعية الضريبية «الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة»، ضمن الحزمة الأولى للإصلاحات الضريبية في إطار مسار «الثقة والشراكة والمساندة» مع المجتمع الضريبي.
وسيتم، لأول مرة، وضع نظام ضريبي مبسط ومتكامل للشركات الناشئة والصغيرة والمهن الحرة وأنشطة ريادة الأعمال أيضًا حتى حجم أعمال 15 مليون جنيه، لافتًا إلى الإعفاء من ضرائب «الأرباح الرأسمالية» و«توزيعات الأرباح» و«الدمغة» ورسوم الشهر والتوثيق للمنضمين لهذا النظام المبسط، والإعفاء أيضًا من تطبيق نظام الخصم أو الدفعات المقدمة، على أن يتم تقديم أربعة إقرارات فقط للقيمة المضافة خلال العام وسيكون أول فحص ضريبي بعد 5 أعوام، ويتم تقديم إقرارات ضريبة المرتبات والأجور على إقرار التسوية السنوية.
ولم تغفل الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي المشروعات الصغيرة سواء من ناحية التمويل أو الدعم الفني لما لها من أهمية كبيرة في توفير فرص العمل وتوفير المستلزمات للشركات الكبرى، حيث تعد مشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة هى القاطرة التى يعول عليها الجميع حاليا لقيادة النهضة الاقتصادية المنشودة، وهو ما دعا مجلس الوزراء مؤخرا إلى تشكيل مجموعة وزارية خاصة لريادة الأعمال بهدف تحقيق نمو اقتصادى مستدام ومتسارع قائم على التنافسية والمعرفة ويسهم فى خلق فرص عمل لائقة.
ويعد تشكيل مجموعة وزارية متخصصة لريادة الأعمال خطوة كبيرة ومؤشر إيجابى لاتجاه الحكومة المصرية الهادف لتمكين الشركات الناشئة، حيث كانت المجموعة مطلبًا لكثير من المعنيين بقطاع الشركات الناشئة من أجل التنسيق بين كافة الجهات الحكومية فيما يتعلق بالمبادرات التى تُطلقها الدولة لرواد الأعمال، كما تعمل على بلورة المجهودات فى شكل مختلف ينعكس إيجابًا على النهوض بهذا القطاع ضمن برامج الإصلاح الشاملة.