السريانية: الإلحاد آفة مميتة والاحتضان والرعاية هم الدواء الشافى
ظاهرة نفسية.. فلسفية.. اجتماعية.. دينية، تفسيرات كثيرة والموضوع واحد، فهو أحد الأمراض التى انتشرت بشكل مفاجئ وفى وقت تتزايد فيه الأزمات والتحديات الإقليمية والعالمية، وتتوتر الصراعات فى إقليم مضطرب، وتكمن في استهدافه الإنسان والمجتمع، حقا الإلحاد يضرب عصب التنمية والبناء في المجتمعات، ولأنه لا يفرق بين الأديان والطوائف، فكان لابد من مواجهته بشكل علمى أكثر، ولذلك أردنا معرفة مختلف الآراء للطوائف الكنسية المختلفة في مواجهته ومحاربته وكيف ينشأ وسبل انتشار وأسبابه وكيف يتم التخلص منه.
ومن منطلق أن لكل إنسان حريته لا يعنى أن يتم استهداف المجتمع وضرب عصب التنمية والبناء فهو ظاهرة تحتاج إلى وقفة من المجتمع بشكل عام ومن كل المؤسسات الدينية المختلفة.
وتواصل اليوم السابع مع القس بطرس فؤاد عزيز، كاهن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعضو لجنة الرعاة بـ مجلس كنائس مصر، حيث أكد أن إهمال الثوابت الإيمانية المعروفة فى حقيقة وجود الله، تمثل خطورة على المجتمع، مضيفا أن هذه الثوابت تقودنا للصواب والخطأ والإلتزام بوصايا الله، موضحا أن الإنسان المصري بطبيعته منذ القدماء الفراعنة لديه بوجود الله وعبادته، ومن ذلك فإن الإلحاد هو خروج عن المألوف الذي اعترف به المصريين قديما.
ومن جانبه أكد الأب أغسطينوس موريس راعى كنيسة العائلة المقدسة للأقباط الكاثوليك بالزيتون، أن الإلحاد ظاهرة طبيعية، وموجودة في الفلسفة والفكر، بالإضافة إلى أنها فى مصر تحديدا ظاهرة صحية، فهناك مجموعة من البشر يرفضون ما يقدم ويعرض لهم عن الله ولا يرفضون الله نفسه، موضحا أن بعض الكنائس والوعاظ والخطباء، تجعل الشباب يبعد عنه، لأنها تقدم لهم صورة مغلوطة مشوهة عن الإله، وهى فرصة لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وعرض الإيمان الحقيقى، واختبار للمؤمنين لفهم الإيمان والكتب المقدسة وتقديم الله بالصورة التى يجب أن يقدم عليها وليس بحسب كل واعظ، وتأتى كونها ظاهرة صحية في مصر تحديدا لأن لدينا بيئة إيمانية متسعة وثرية تمتلئ بالفكر الإيمانى سواء في الدين الواحد أو بين الأديان.
ورأى الأب فيليبس عيسى كاهن الكنيسة السريانية فى مصر، إن الإلحاد يعتبر آفة مميتة تنهش فى مجتمعاتنا الطيبة، التى نشأت ونمت على قيم إيمانية تستمد من الله وحده، كالمحبة والإيمان والخير، وبسبب هذه البذور نحارب بشدة الشر فى العالم، موضحا أن قوى الشر لا تترك الوضع الذى نحن عليه، فهو يجول ويزرع الشوك، حتى يخنق الإيمان فيحوله إلى الشك ثم الإنكار والإلحاد وبالتالي تدمير مجتمعنا.
وأضاف: لابد من حماية أنفسنا من مخاطر الإلحاد، فالبداية من الأسرة التى ينشأ فيها الملحد قبل أن يصل للإلحاد، مشيرا إلى أن لابد التوعية و تثقيف الأهل والآباء والأمهات على الروحانية من الكتاب المقدس، وتوضيح أهمية الالتصاق بالكنيسة التى تقوم بالحماية من الآثار المدمرة الناتجة من البعد عن الإيمان، مؤكدا أن دور المجتمع الإنساني يعضد و يساند الأسرة والكنيسة في بناء سور حصين حول الشاب الملحد.
وأكد القس رفعت فكرى أمين عام مشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط عن الطائفة الإنجيلية، أن القيم الدينية تقلل الشرور والمفاسد، بالإضافة إلى أن هناك خطأ يفعله رجال الدين ألا وهو أن يشنوا هجوما على الملحدين ويوجهوا لهم اتهامات باعتبار الملحد كافر ومشرك، ولكن هنا على رجال الدين أن يتبنوا فكرة حرية الاعتقاد المطلقة، وأن الله هو من يحاسب الناس.
وفى السياق نفسه أشار كاهن الكنيسة الأرثوذكسية إلى أن لابد من مواجه الإلحاد بالتوعية المستمرة بمخاطره لأنه طريق خاطئ يؤدي إلى عدم ضمان الأبدية، مؤكدا أن وجود الله لن يطغي على حرية الإنسان، الأمر الذي اتفق معه كاهن الكنيسة الكاثوليكية، موضحا أن الأديان تساعد الإنسان على تقبل الواقع وتجاوزه، وهذا الواقع يرتقي بالإنسان ويجعله أكثر حرا.
بينما رأى أب الكنيسة الإنجيلية أن مخاطر الإلحاد تتمثل في إحداث توتر عن طريق مهاجمة الملحدين على بعض المقدسات الدينية بوجه عام، موضحا أن الإلحاد أنواع، فشخص لا يؤمن بالله الأديان ويرى أن هناك إله آخر، ونوع ثاني في رحلة بحث عن الله، وثالث لا يدرى شئ إن كان الله موجود أم لا، ورابع وهو الإلحاد الأخلاقي يوجد بين المؤمنين، فيأمنون بوجود الله ولكن هناك سرق ونهب وزنا وقتل، وهنا يأتى دور الخطاب الديني، الذي يوضح أن التدين والعبادة والصوم والصلاة كل هذه الأمور ليست شكلية فقط، فالدين سلوك وحياة.
وعن دور الكنيسة، أكد الأب فيليبس أن دورها هام في رعاية أبنائها، من خلال الكتب والمؤتمرات والعظات وغيرها، والتي يهدف الكثير منها إلى المزيد من الوعي الروحي للرجوع إلى الكنيسة، وأضاف الأب بطرس أن الكنيسة تتبنى الجميع، من الابتدائي ووصولا للجامعة وما بعدها، وأنها دائما تقيم مؤتمرات ودورات على مستويات متنوعة للتوعية بالإيمان وحقيقة وجود الله، مشيرا إلى أن الكنيسة لم ترفض أي فرد يراوده فكر الإلحاد أو حتى وصل فيه لمراحل متعمقة ولكن تتعامل معه بكل محبة، وتناقشه لمعرفة ما السبب، التي ربما يعود لأسباب نفسية خاصة بالتربية منذ الصغر، بينما قال الأب رفعت عن دور الكنيسة إنه يتمثل في الحديث عن الله ووجوده، والتأكيد أن العلم ليس ضد الدين أو النصوص الدينية وأن الكنيسة تحترم العلم ونظرياته، الأمر نفسه الذي أكده الأب بطرس أن العلم نفسه يثبت وجود الله من خلال أجهزة جسد الإنسان وأيضا الفلك والنباتات.
ولفت القس بطرس عزيز أن الشاب الملحد في البداية وداخله بذرة صغيرة، يمكن إزالتها من خلال التحدث مع آباء الكهنة، على النقيض الآخر فيكون الموضوع في غاية الخطورة عندما يغرز الفرد في فكر الإلحاد ويتأثر به، من جانبه، أوضح الأب فيليبس أن لابد القدوة الجيدة، والمثل الحسن أكثر ما يجذب الملحد، مع الحوار الصادق والدقيق المبني على أساس كلمة الله، بالإضافة إلى أن الاحتضان والرعاية هم الدواء الشافى، للإنسان الذي وصل إلى الحالة الحرجة عن طريق العثرة والعنف والإساءة بكل أنواعها، وأكد الأب رفعت فكري أيضا على أهمية الحوار والاحتواء واحترام الآخر، فالله لم يجبر أحد على الإيمان به، فلا داعي للمهاجمة، مضيفا أن من الممكن أن يكون لدى عدد من الملحدين مبادئ وأخلاقيات بدون دين وربما العكس، كما أوضح الأب أغسطينوس موريس، أن في الإيمان المسيحي كلمة الله المتجسد للسيد المسيح، الذي صار إنسانا ليعيش واقع الانسان، ويحترم ويقدر قيمة وكرامة الإنسان وكل مشاكله الوجودية، فالله يسند الإنسان ويقويه ويصحح له المفاهيم المغلوطة سواء عنه أو عن الإنسان ذاته.
وأشار الأب فيليبس عيسى إلى أن مصر هي عضو حي وموقع متميز من خريطة هذا العالم تؤثر وتتأثر به، فمع الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تدور حولنا يزيد الإلحاد، ويزيد معه التحديات والمصاعب، والمواجهة تكون شاقة والحلول صعبة، لكن يبقى لدينا رجاء لا يخيب فمع الجهود المبذولة والعمل المستمر الذي يقوم به الجميع بنشاط وحكمة والتزام، سنتغلب ونجتاز هذه المخاطر ونتعافى منها بروح الإيمان والتمسك بالجذور والحب العميق بعضنا لبعض.
بينما أوضح الأب بطرس خطورة الشخص الملحد على المجتمع، الذي يرى أن الله غير موجود، فلا يوجد لديه مواطنة وتضحية بالنفس من أجل وطنه، هذا بالإضافة إلى أن الإلحاد من الممكن أن يشكل حرب ممنهجة ضد مصر، من خلال زعزعة وجود الله، وأيضا للرموز المسيحية والإسلامية لزعزعة الثقة في القيادات الدينية، ويصبح المجتمع مفككا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة