صناعة الجريد هى واحدة من أقدم الحرف اليدوية التى تميز محافظة سوهاج، والتى تعكس التاريخ والحضارة العريقة للمنطقة هذه الحرفة، التى يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، تجمع بين الأصالة والابتكار، بين الحرفية العالية والقدرة على تطويع الموارد الطبيعية المحلية لتلبية احتياجات الحياة اليومية رغم المنافسة الشرسة من الصناعات الحديثة، لا تزال صناعة الجريد فى سوهاج حية، محمولة على أكتاف الحرفيين المخلصين الذين يعملون بلا كلل للحفاظ عليها من الاندثار.
وتعتبر صناعة الجريد إحدى الركائز الأساسية للحرف اليدوية فى محافظة سوهاج، وتمارس بشكل رئيسى فى القرى والمناطق الريفية، حيث تنتشر أشجار النخيل بكثرة يعتمد الحرفيون فى هذه الصناعة على جريد النخيل، وهو المادة الخام الرئيسية التى يتم استخدامها فى صنع مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الأسرّة، الطاولات، الأقفاص، والكراسى، بالإضافة إلى العديد من الأدوات المنزلية الأخرى.
ما يميز صناعة الجريد فى سوهاج هو ارتباطها الوثيق بالحياة اليومية للسكان فالمنتجات التى يصنعها الحرفيون من الجريد ليست مجرد أدوات بسيطة، بل هى جزء من الثقافة المحلية الأسرّة المصنوعة من الجريد مثلاً لا تزال تستخدم فى بعض البيوت القروية، حيث تتمتع بسمعة جيدة فيما يتعلق بالراحة الصحية والمتانة كذلك، تُستخدم الأقفاص المصنوعة من الجريد لتربية الطيور والدواجن، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياة المزارعين فى المنطقة.
التقى "اليوم السابع" أحد أقدم صناع الجريد فى محافظة سوهاج، وهو "عم أحمد"، الذى يعمل فى هذه الحرفة منذ أكثر من 45 سنة ورث عم أحمد هذه المهنة عن والده وجده، وقد بذل جهدًا كبيرًا فى تعليم أبنائه أسرار المهنة لضمان استمرارها يقول عم أحمد "هذه المهنة تتطلب الكثير من الصبر والإبداع ليس كل شخص يستطيع أن يحول جريد النخيل إلى قطعة فنية صالحة للاستخدام اليومى نعمل بأيدينا ونعتمد على أدوات بسيطة مثل المسياف والمسامير، ولكن النتيجة دائمًا تكون مدهشة."
يضيف عم أحمد أن صناعة الجريد تتطلب تفكيرًا إبداعيًا، حيث يجب على الحرفى أن يكون قادرًا على تحويل المواد الخام إلى منتجات متعددة الاستخدامات بالإضافة إلى الأسرّة والطاولات، يقوم الحرفيون بتصنيع الكراسى والطقطوقة، التى تلقى رواجًا بين أصحاب المقاهى والكافتيريات ويشير إلى أن "الطقطوقة" المصنوعة من الجريد تتميز بالمتانة، حيث يمكنها تحمل أوزان كبيرة دون أن تتأثر، وهو ما يجعلها الخيار المفضل لدى أصحاب المقاهى الذين يبحثون عن الأثاث الذى يدوم لفترة طويلة.
رغم التاريخ العريق لهذه الحرفة، تواجه صناعة الجريد فى سوهاج العديد من التحديات التى تهدد استمرارها يقول محمد، نجل عم أحمد، الذى ورث المهنة عن والده "المهنة تحتاج إلى دعم حقيقى نحن نواجه صعوبات فى الحصول على جريد النخيل، حيث ارتفعت أسعاره بشكل كبير فى الفترة الأخيرة كنا نستطيع شراء 1000 جريدة نخيل بسعر مناسب، لكن الآن يصل السعر إلى 1700 جنيه، وهذا يؤثر على قدرتنا على الاستمرار.
إلى جانب ارتفاع تكاليف المواد الخام، يشير محمد إلى أن هناك منافسة قوية من المنتجات البلاستيكية التى بدأت تنتشر فى الأسواق الأقفاص البلاستيكية مثلاً أصبحت بديلاً شائعًا للأقفاص المصنوعة من الجريد، نظرًا لكونها أخف وزنًا وأرخص سعرًا ومع ذلك، يظل هناك قطاع من الزبائن الذين يفضلون المنتجات التقليدية المصنوعة من الجريد بسبب جودتها العالية وقدرتها على التحمل.
محمد يوضح أن المهنة ليست مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هى جزء من التراث الثقافى للمنطقة وأنا أعمل مع والدى منذ سنوات، وأتعلم منه كل يوم هذه المهنة تعتمد على الابتكار والتفكير، فهى ليست مجرد عمل يدوى نحن نستخدم أيدينا وعقولنا لتحويل جريد النخيل إلى منتجات يحتاجها الناس فى حياتهم اليومية."
فى النهاية، تُعد صناعة الجريد فى محافظة سوهاج واحدة من الحرف التراثية التى تحتاج إلى رعاية واهتمام من المجتمع والحكومة على حد سواء، فهى ليست مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هى فن يتطلب إبداعًا ومهارة، ويُعتبر جزءًا من التراث الثقافى للمنطقة ومع الدعم المناسب، يمكن لهذه المهنة أن تستمر وتزدهر، وتظل شاهدًا على التراث العريق الذى تتميز به محافظة سوهاج.
طقطوقه من لجريد
طقم جلوس من الجريد
عامل يحول الجريد لتحف
كراسى من الجريد
كرسى وسرير من الجريد
منتجات من الجريد من بينها المرجيحه