أكرم القصاص يكتب: "فود بلوجر".. تريند الفشخرة وتسويق "العبط" وسد النفس

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 10:00 ص
أكرم القصاص يكتب: "فود بلوجر".. تريند الفشخرة وتسويق "العبط" وسد النفس أكرم القصاص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

معروف أو أصبح معروفا، أن عصر الاتصالات يتيح للناس فى أركان الأرض ميزات التواصل والتفاهم وتبادل الأفكار، وأيضا له مثل كل الأشياء أعراض جانبية، أهمها أن الطعام والحياة والتصوير والفسح، مطالب إنسانية وتتحول تحت الإلحاح والفشخرة إلى مجرد تريندات وتنمر ونميمة، اللحظات والمتع تفسدها المبالغة والتفعيص الافتراضى.


من أعراض أدوات التواصل عدم احترام الخصوصية، ومنها وعلى رأسها، ظاهرة من يسمون أنفسهم «فود بلوجر» أو مراجعى الطعام، وهى ضمن ظواهر أفرزها عصر الاتصالات، ومزاعم إنتاج محتوى تشجعه مواقع التواصل، ويدر عوائد على منتجى هذا المحتوى، الذى لا يحتوى فى الغالب سوى التسول أو الابتزاز أو ادعاء المعرفة بجهل.


«فود بلوجرز» أو مراجعو الطعام، ظاهرة بدأت فى الغرب، وبدأها صحفيون متخصصون فى متابعة المطاعم ومنحها درجات على الخدمة أو التعامل مع الجمهور، وكشف ما إذا كان المطعم يمارس تمييزا أو يخدع الجمهور، بدأت أساسا من الصحف والمجلات بهدف حماية المستهلك ومنح درجات للمطاعم بناء على عناصر الشكل والتقديم والتعامل مع مقدمى الخدمة، هى فى الأساس صحافة لخدمة القارئ وتنويره حول المطاعم وتصنيفها وتنويعها وأسعارها إلى آخره.


انتقلت ظاهرة متذوقى الطعام إلى  قنوات شهيرة مثل فتافيت المتخصصة فى كل ما يخص الأكل والشرب، وقدمت مذيعين يتابعون الأطعمة والمشروبات فى دول العالم ويركزون أحيانا على ما هو غريب من طعام أو مقارنة بين بلد وآخر، ثم ظهرت فضائيات مصرية وعربية تقدم مذيعين يأكلون ويجربون الإطعام ويزورون مطاعم مشهورة، ليستعرضوا مهارات المطاعم والطباخين، ومع الوقت ظهر عدد من الطباخين بأسماء «الشيف فلان وعلان وترتان»، وسعى كل منهم إلى اختراع لازمة أو إفيه يعرف به، وفى التسعينيات ظهرت سيدة تقدم برنامج «صحى ومفيد»، وبعد أن اشتهرت افتتحت مطعما وسوبر ماركت يقدم الخضار والفاكهة التى يفترض أنها طبيعية أو «أورجانيك»، وهى نوع آخر من الموضة نما وترعرع على شاطئ برامج الطعام.


تبدأ الظواهر بأعداد قليلة ثم يبدأ آخرون فى تقليدها، وهو ما ظهر فى عشرات البرامج والمحلات ثم المطاعم التى تدعى أنها أورجانيك وصحية وغير ذلك، حيث يلتقى الاستثمار بالمصالح بالدعاية وهو أمر مشروع طالما احتفظ بالجودة والسعر المناسب.


وبدأت قنوات متنوعة تنتج برامج للأكيلة والذواقة، بعضها كان جادا والبعض الآخر بيزنس ودعاية، لتمويل البرنامج، ومع ظهور وانتشار مواقع التواصل، انتشرت ظاهرة «فود بلوجر»، لكنهم ظهروا كالعادة ضمن فوضى إنتاج المحتوى، وخلطة إعلانات ودعاية، يصعب داخلها التفرقة بين الجاد والهازل والباحث عن أكلة أو مال، وفى ظل فوضى إنتاج أى كلام باسم محتوى، ظهر عشرات وربما مئات، ممن قرروا امتهان شغلانة «فود بلوجر»، فى ظاهرة مبالغ فيها، بعض «فود بلوجر» ناس عاوزة تأكل ببلاش مع جذب المشاهدات، وبعضهم بالفعل لا يعرف شئئا عن أنواع الطعام وجودته ويتمسك بجمل وتعبيرات تافهة أشهرها إن الفراخ أو السمك أو الجرجير «جوسى» أو أن التوابل تودى الطعم فى حتة تانية، وقيمة مقابل سعر، ومنهم بعض البلوجرات بتستعبط وتقلب الكلام وتدعى أنها لا تعرف النطق، من أجل ترويج محتواها التافه.


طبعا هناك مطاعم استغلت هؤلاء فى الدعاية مع رفع الأسعار بصورة مبالغ فيها، وتتوجه إلى فئة يريد أعضاؤها أن يشعروا بالتميز وأنهم مختلفون عن غيرهم من الناس العادية، وهؤلاء زبائن للدعاية التى تداعب طموحهم فى الفشخرة بصرف النظر عن الطعم والجودة، أو القيمة، هم يشترون الشهرة، بصرف النظر عن القيمة.


بعض الـ«فود بلوجر» يمارسون الابتزاز على المطاعم، يأكلون ويدعون أصدقاءهم ويتصورون، وإذا اعترض المطعم يطلقون دعاية سلبية، وإذا صالحهم يقلبون الدعاية، وهناك مطاعم تأخذ شهرة من المبالغة وتدفع كثيرا على دعايات السوشيال ميديا، ليشدوا المدعين وهواة الفشخرة، الذين لم يتغيروا، منهم من يصر على تصوير الفاتورة الضخمة إما لادعاء الصدمة أو الفشخرة والاستعراض، وهناك نوع ثالث من «فود بلوجر» يتفق مع المطعم لإطلاق الفاتورة الآلية، لينفى المطعم وتتحقق النتيجة.


وهناك نوعية من الزبائن اعتادت أن تنشر فواتير المطاعم المبالغ فيها، وآخرها مطعم منسوب لشيف تركى استعراضى يركب التريند بحركاته، واستعراضاته، وأخيرا نسب البعض له فاتورة بـ21 ألف جنيه وأخرى بـ115 ألفا، وأن طبق الشوربة بألف جنيه والسلطة بألفين، والفرخة بخمسة آلاف، ووصلت الفاتورة إلى بعض المواقع التى أعادت النشر، لعل ينوبها من التريند جانب.
الشاهد أننا أمام استمرار وامتداد لظاهرة التريند والبيزنس، والفود بلوجر الذى حول مراجعة الطعام إلى سد النفس، واستهلاك المشاعر المجمدة ، مثل الطعام البارد، حيث يحرص المتفشخرون على التصوير أكثر مما يبحثون عن الفسحة.

p.8









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة