فوجئت القاهرة بخبر قيام قوة عسكرية بريطانية بالقبض على عدد من نواب البرلمان المصرى من بيوتهم فى 27 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1924، وكان السؤال: «كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟، وما موقعه من تصريح 28 فبراير 1922 الذى أعلنته الحكومة البريطانية»، ونص فى بنده الأول: «انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة»، وترتب على ذلك إعادة منصب وزير الخارجية الذى ألغى فى عهد الحماية، وتحقيق التمثيل السياسى والقنصلى لمصر، وإزالة عقبة إعلان الدستور مما ممكن مصر من أن تجعل نظام الحكم فيها دستوريا، وفقا لما يذكره عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919».
كانت بريطانيا تحتل مصر منذ عام 1882، وحين قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وحتى نهايتها فى 11 نوفمبر 1918، أعلنت فرض الحماية على مصر، ما جعل كلمتها هى الأولى والأخيرة فى شؤون مصر الداخلية والخارجية، وعلى هذا النحو خلعت الخديو عباس حلمى الثانى يوم 19 ديسمبر 1914، ووضعت السلطان حسين كامل بدلا منه على عرش مصر.
ورغم أن تصريح 28 فبراير 1922 نص على استقلال مصر، إلا أن «الرافعى» يؤكد «بقاء الاحتلال جعل هذا الاعتراف بالاستقلال صوريا أكثر منه جديا، لأن الاحتلال هادم للاستقلال، والجلاء هو الأساس الصحيح للاستقلال الصحيح»، وكانت باقى بنود التصريح هى الشاهد على رأى الرافعى، حيث نص على «تأمين المواصلات البريطانية فى مصر، والدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبى، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات، والسودان».
كانت عملية القبض على عدد من النواب شاهدا على هذا «الاستقلال الصورى»، وتبدأ قصة القبض من اليوم الذى وقعت فيه عملية اغتيال «سيرلى ستاك» سردار الجيش المصرى وحاكم عموم السودان، يوم 19 نوفمبر 1924 فى شارع «قصر العينى»، وهى الحادثة التى هزت مصر وبريطانيا، ويراها الدكتور محمود متولى فى كتابه «مصر وقضايا الاغتيالات السياسية»: «أخطر جريمة وقعت فى مصر فى القرن العشرين، ذلك أن «سيرلى ستاك» كان من كبار العسكريين فى الجيش البريطانى وفى الخارجية البريطانية.. يضيف: «نفذ العملية مجموعة من الشباب الوطنى هم «الإخوة عبدالفتاح وعبدالحميد عنايت، محمود صالح، إبراهيم موسى، محمود راشد، على إبراهيم محمد، شفيق منصور، راغب حسين، محمود أحمد إسماعيل».
فور وقوع الجريمة تم القبض على عدد من المشتبه فيهم والتحقيق معهم، ويذكر «متولى» أن التحقيقات تناولت شبهات ضد أشخاص بناء على تقرير تقدمت به إدارة الأمن العام بتاريخ 27 نوفمبر سنة 1924، جاء فيه أن قتل السردار كان نتيجة خطة وضعت من جمعية أعضائها شفيق منصور المحامى، وأن الجناية حصلت فعلا بإرشاد هذه الجمعية، وبمعرفة بعض أعضاء اللجنة التنفيذية للطلبة، وأرفق بهذا التقرير كشف يحوى أسماء أشخاص كثيرين من الموظفين والطلبة وغيرهم، ومن بينهم بعض أعضاء مجلس النواب.
بمقتضى هذا التقرير الذى يتهم نواب فى البرلمان، قامت قوة عسكرية بريطانية بإلقاء القبض على عبدالرحمن فهمى بك، وليم مكرم عبيد أفندى عضوى مجلس النواب، ومحمود أفندى النقراشى وكيل وزارة الداخلية، وفقا للرافعى، مضيفا أنه تم القبض على آخرين.. ويذكر: «قبض البوليس المصرى تنفيذا للتعليمات البريطانية على كل من الأستاذ شفيق منصور، والشيخ مصطفى القاياتى، والأستاذ راغب إسكندر، والأستاذ حسن يسن، وكلهم من النواب، ولم تكترث الحكومة لما كان لهم من الحصانة البرلمانية، وقبض على كثيرين غيرهم من النواب».
يذكر «متولى»، أن المقبوض عليهم عارضوا حبسهم، كما عارض أعضاء مجلس النواب أمام رئيس محكمة مصر، على أساس تمتعهم بالحصانة البرلمانية طبقا للمادة 10 من الدستور، ولكن النيابة أبدت حججها وأقوالها فى هذا الدفع، ما جعل المحكمة تجيز تصرفات النيابة..يرصد أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية، الحولية الأولى 1924» ردود الفعل على هذا الحدث مؤكدا: «قابل الناس هذا النبأ بشىء غير قليل من الدهشة، واجتمعت الهيئة الوفدية البرلمانية فقررت احتجاجها على تصرفات الوزارة الجديدة «وزارة زيور باشا»، وجاءت بعد استقالة وزارة سعد زغلول.
يضيف: «اهتمت الوزارة لحادث الاعتقال الذى كان له أكبر تأثير على النفوس، وبدا إهانة ظاهرة ظهورا كليا لسلطتها الشرعية، فذهب زيور باشا إلى دار المندوب السامى، وتفاوض معه فى الأمر، وأسفرت المفاوضة عن تسليم المقبوض عليهم إلى السلطة القضائية المصرية لاتخاذ الإجراءات معهم عن التهمة الموجهة إليهم وفقا لأحكام القوانين المصرية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة