للغضب وجهان البعض يراه سلبيا مدمرا يسحق الأخضر واليابس، والبعض الآخر يوظفه إلى قوة دفع إيجابية لتحقيق نتائج بناءة، لنثر بذور الخير والعدالة، سواء على المستوى الشخصى أو المجتمعى أو حتى الدولى.
عزيزى القارئ عند تفسير معنى الغضب وأثره على المجتمع وكذلك دراسة معدلاته بالنقص أو الزيادة على كل المستويات الاجتماعية والدولية، نجد أن الغضب ليس وليد الساعة وإنما نتاج التحديات المصدرة بنوعيها الداخلية والخارجية المستقبلة.
ومما لا شك فيه أن الحضارة المصرية القديمة والتى وقف العالم إلى الآن عاجزا أمام هذا الصرح الثابت عن تفسير النتائج التى توصلوا إليها أوجزت الغضب كجزء من فهمهم للعالم والعلاقات الإنسانية والكونية على أنه عاطفة سلبية تجلب الفوضى، سواء على المستوى الشخصى أو الجماعى.
لذا، كان هناك اهتمام كبير بكيفية التحكم فى الغضب والتعامل معه، خاصة من قبل الكهنة (حلقة الوصل بين البشر والآلهة) لتحقيق التوازن الروحى والنفسى بين البشر والآلهة المقدسة لدرجه أنه فى بعض الأحيان، كان المصريون القدماء يُصورون الآلهة على أنها قد تغضب، مثل الإلهة سخمت، التى كانت تُعرف بغضبها الشديد لكنها أيضًا قادرة على الشفاء، الكهنة كانوا يعتقدون أنه بإرضاء هذه الآلهة من خلال الطقوس والتضحيات، يمكنهم تهدئة غضبها وضمان الحماية والشفاء، لذا فالتعامل مع الغضب يتطلب مجموعة من الطقوس والأساليب الروحية لضمان استعادة التوازن الروحى والنظام الكونى، والذى كان هدفًا أساسيًا فى الحياة المصرية القديمة، وهنا نتطرق لمعنى "توظيف الغضب" فنجد أنه أشبه ببطاقة يمكن استثمارها فى تحقيق أهداف مفيدة.
ويتم ذلك من خلال عدة محاور رئيسية منها على سبيل المثال لا الحصر هو الاعتراف بالغضب وفهم مصدره حتى يمكن التعبير عنه بأسلوب حضارى، بدلاً من تفجير الغضب فى مواقف نهايتها الخسارة من خلال التركيز على الحلول المبتكرة بدلاً من التركيز على المشكلة، وكذلك يتم تسخير واستغلال الغضب كدافع للعمل: كثير من الأشخاص حولوا غضبهم من الظلم أو الفساد إلى دوافع لتحقيق الإصلاحات.
مما سبق نجد أن مجتمعنا لابد أن يسخر أعمدته لوضع استراتيجيات للتحكم فى الغضب وتحويله إلى طاقة على مستوى الإعلامى والسياسى، وأيضا بيئة العمل لخلق بيئة إيجابية تخدمه وتخدم المجتمع ككل، مما يؤثر على الإنتاجية التى نصل بها إلى تحقيق أكبر معدل للرضا كونه ثروة طبيعية، لذا عزيزى القارئ تذكر أن العقول القوية تناقش الأفكار، العقول المتوسطة تناقش الأحداث والعقول الضعيفة تناقش الأشخاص، وجدير بنا أن نتذكر قول سيدنا على بن أبى طالب أن "الغضب شر إن أُطلق دمّر، وإن قُيدَ كسّر"، مشيرًا إلى أن الغضب إذا لم يتم التحكم فيه يمكن أن يؤدى إلى نتائج كارثية.
وتذكر عزيزى القارئ أن الغضب، إذا ترك بلا ضابط، كان ولا يزال سببًا فى العديد من النزاعات التى أدت إلى هدم دول وتفكك مجتمعات، فى السياق العربى الحديث، فنجد أن الغضب غير المنضبط والانفعال فى التعامل مع الخلافات السياسية والاجتماعية كان له دور فى تفاقم الانقسامات الداخلية، وإشعال الفتن، والصراعات التى أضعفت وحدة الدول الشقيقة، مما سهّل التدخلات الخارجية وزعزع الاستقرار، لذا ضبط الغضب بالحكمة والتعقل هو أساس استقرار الأفراد والمجتمعات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة