في ظل تفاقم أزمات الجوع وسوء التغذية حول العالم، أجرى اليوم السابع حوارًا مع الدكتور فرانسيسكو برانكا، مدير إدارة التغذية وسلامة الأغذية بمنظمة الصحة العالمية، حيث تناول الدكتور برانكا مجموعة واسعة من القضايا الملحة، بما في ذلك تأثير الصراعات وتغير المناخ على الأمن الغذائي، وأزمة هدر الطعام، وسبل مكافحة السمنة.
وكشف برانكا بالأرقام عن الوضع الغذائي الحالى والأزمة الحقيقية التى يعانى منها العالم كله ومناطق الصراع بشكل خاص، كما قدم رؤى قيمة حول الحلول المبتكرة التي تتبناها منظمة الصحة العالمية لمواجهة هذه التحديات المعقدة، وذلك على هامش تواجده مؤخرًا فى قمة الابتكار العالمية "WISH7"، وإلى نص الحوار:
مدير منظمة الصحة العالمية لسلامة الغذاء فى حوار لـ"اليوم السابع"
- كيف تتعامل منظمة الصحة العالمية مع أزمة تأمين الغذاء وتبعاتها فى مناطق الصراع؟
الصراع هو أحد الأسباب التي تؤكد أنه ما زال لدينا أزمة سوء تغذية حول العالم جنبًا إلى جنب مع تغير المناخ وكذلك التحديات الاقتصادية، وفى هذه اللحظة لدينا 190 مليون شخص يعانون من نقص الطعام، خاصة في غزة وجنوب السودان ومالى، في غزة بمفردها لدينا 1.8 مليون شخص يواجه انعدام فى الأمن الغذائي وأكثر من 130 ألف شخص في وضع كارثى يصل للمجاعة.
وضع خريطة للأزمة هي الخطوة الأولى لحل المشكلة ولكن الخطوات الأخرى تعتمد على رد الفعل من جانب المنظمات الدولية المعنية مثل صندوق الطعام العالمى ومنظمة الصحة العالمية خاصة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بسوء التغذية في الأطفال والحالات الصعبة التي تحتاج لتدخل سريع، وبالطبع نحتاج لأن يسمح لنا أطراف الصراع أن نقم بهذه المساعدات وهذا غير متاح في بعض الحالات، فرأينا صعوبة الوصول إلى المواطنين في غزة وهذا مسئول عن سوء الأوضاع.
مدير منظمة الصحة العالمية لسلامة الغذاء
بينما لدينا في منظمة الصحة العالمية حلول قائمة على أحدث التكنولوجيات لتخصيص منتجات بها نسب طاقة عالية وقدرة علاجية، ويمكن استخدامها دون الوصول إلى مستشفى.
- ذكرت أزمة المناخ كسبب أساسي من الأسباب المهددة لسلامة الغذاء، كيف تتعامل منظمة الصحة العالمية مع التأثير المتزايد لتغير المناخ على الأمن الغذائي والتغذية؟
العلاقة بين تغير المناخ والغذاء تتجه في مسارين، الأول هو ما يحدث من مناخ قاسٍ أو نقص ماء، وبالتالي ينعكس ذلك على الكمية والجودة الخاصة بالأغذية.
ويعد تغير المناخ مسئولاً بشكل كبير عن الأمن الغذائي وسوء التغذية وكذلك الأغذية الملوثة، وفى نفس الوقت نظام الغذاء له تأثير على المناخ، وهنا يتمثل المسار الثانى، فى حقيقة أن بعض الأغذية يخلف عن إنتاجها أنواع من الغازات الدفيئة وكذلك تتصل بشكل وثيق بالماء ومساحات الأرض.
ويتضح دور منظمة الصحة العالمية في هذا الإطار من خلال مساعدة الدول على تقييم المخاطر وتنظيم ردود أفعالهم لسوء التغذية وتأمين الطعام.
نريد التأكد أيضًا من أن الدول تتبع سياسات متعلقة بأمن الغذاء وخطط للمناخ، وبالتالي نقدم الدعم التقنى للدول من أجل تقليل تأثير تغير المناخ، ومن ذلك مبادرة تغير المناخ والتغذية التي أطلقناها مع حكومة مصر ومنظمة الطعام والزراعة التي تعمل على تحسين التغذية.
ونتجه أيضًا لتبنى مفهوم النظام الغذائي الصحى المستدام، وبالتالي نتجه إلى زراعة الأطعمة التي لها تأثير أقل على البيئة، وهذا ما نحاول أن نوضحه وندعمه.
مدير منظمة الصحة العالمية لسلامة الغذاء مع الزميلة أميرة شحاتة خلال إجراء الحوار
- بالنظر إلى الكمية الهائلة من هدر الغذاء حول العالم، ما هى الاسترتيجات التى يمكن تنفيذها للحد من هدر الغذاء وتحسين الأمن الغذائي؟
لسوء الحظ، حوالى ثلث كمية الطعام الذي يتم إنتاجه يتم إهدارها لأسباب كثيرة، منها أننا لا نملك أنظمة جيدة لحماية المحصول في الانتقالات على سبيل المثال، خاصة الخضراوات والفاكهة، وهذا يحدث بشكل أكبر في الدول ذات الدخل الأدنى والمتوسط.
كما أننا نفقد كميات هائلة من الطعام من جانب المستهلك نفسه وهذا يحدث بشكل خاص في الدول ذات الدخل العالى، لذلك يجب أن نعمل لنقلل فقد الطعام خلال سلسلة دعم الطعام من خلال تحسين أنظمة التخزين، وكذلك مساعدة المستهلكين لشراء ما يريدونه فعلاً وبالكمية المناسبة وأخذ في الاعتبار تاريخ انتهاء الصلاحية لأن الكثير من الأشخاص يتخلصون من الطعام وهو ما زال صالحًا للاستخدام.
هناك عدد من المبادرات للتوعية بعدم التخلص من الأطعمة التي اقتربت من تاريخ انتهاء صلاحيتها ولكنها ما زالت صالحة، ويجب أن تصل التوعية إلى مستوى صفر فقدان أغذية في كل منزل.
- هل يمكن حل مشكلة الجوع العالمى من خلال التحكم فى كمية الطعام المهدر؟
يمكن حل مشكلة الجوع العالمى بالتأكيد من خلال التعامل مع فقدان الطعام، وبالتالي سيساعد في تحقيق التوازن في توزيع الطعام حول العالم، حيث إننا لدينا مناطق بها وصول جيد للطعام وأخرى تعانى من النقص، وبالتالي بالتأكيد التقليل من النفايات سيساعد ولكن يجب أن نهتم أيضا بعدم المساواة في توزيع الطعام حول العالم.
د. فرانسيسكو برانكا
- على جانب آخر، هناك مشكلة السمنة التى تهدد العالم كله، ما هى الاسترتيجات التى يمكن تنفيذها للوقاية من السمنة والسيطرة عليها؟
السمنة هي مشكلة صحة عامة كبرى في العالم، والتي قدرت بأكثر من بليون شخص في العالم يعانى من مشكلات السمنة، وهى مسئولة عن عبء كبير من الأمراض، حيث إن 5 ملايين شخص يموت من تبعات السمنة كل عام، والتكلفة ضخمة جدًا على المجتمعات، فإن 2 تريليون دولار هي تكلفة السمنة في العالم.
في بعض البلاد، 2% أو 3% من الناتج المحلى يتم استهلاكه في السمنة بما فيها تكلفة الرعاية الصحية وقلة النشاط، يجب أن نفعل أكثر لتجنب السمنة، نحتاج لأن نبدأ مبكرًا بدعم الرضاعة الطبيعية لأن تستمر حد أدنى 6 أشهر وتستكمل إلى عامين وأن يكون هناك نظام غذائى جيد للطفل مع تقليل كمية السكر.
من المهم أن نوفر نظام غذائى صحى بوضع ضرائب معينة على الأطعمة غير الغذائية ودعم الطعام الصحى، وكذلك أن نغير الرغبة تجاه أنواع الأطعمة بتنظيم السوق لأطعمة الأطفال، بوضع تسميات على الأطعمة المخصصة وغير المخصصة للأطفال، ومد المدارس والمستشفيات وأماكن العمل بالأطعمة الصحية، ولدينا بعض الأدوية التي تتعامل مع السمنة ولكننا نفضل دعم النظام الصحى، ويجب أن نوعى بالتحرك النشط وممارسة الرياضة والاستخدام الجيد لوقت الفراغ وهناك حاجة لدعم الفقراء لأنهم أكثر تعرضا للسمنة وذلك من خلال برامج الحماية الاجتماعية وما تقدمه.
- كيف يمكن الاستفادة من تقنيات الصحة الرقمية لتحسين التدخلات الغذائية؟
تساعدنا التكنولوجيا الرقمية من خلال عملية جمع البيانات بجودة جيدة في الوقت الفعلى، وبالتالي يمكن الاستفادة منها على سبيل المثال فى تشخيص أشكال مختلفة من سوء التغذية، تجعلنا على وعى أفضل بالوضع وتوفير أفضل رد فعل تجاهه.
و تمدنا التكنولوجيا الرقمية بالمعلومات والنصائح بشأن استهلاك الطعام الصحى وإين نجده ولكن مع ذلك الأسواق كلها تتجه للإعلام الرقمى بما فيها السوشيال ميديا مثل فيس بوك ويوتيوب ولسوء الحظ فإن معظم هذه الأسواق يكون بها منتجات غذائية ذات سعرات عالية وتكون غير جيدة للصحة وهى موجهة للأطفال والمراهقين وبالتالي نحتاج إلى تنظيم قانونى للتسويق الرقمى لهذه المنتجات.
هناك طرق للوصول إلى الأطعمة التي تقترب على الانتهاء، والأنظمة الرقمية يمكنها أن تجنب إهدار الطعام.
- فى هذا الشأن، كيف يمكننا تعزيز معايير سلامة الغذاء الدولية وضمان تنفيذها الفعال؟
معايير الأمن الغذائي العالمية المتفق عليها، معتمدة على آخر التحديثات العلمية، ولكنها معتمدة على كل دولة ومدى استجابتها لتطبيق هذه المعايير بتشريعات مناسبة، نحن نساعد بالتمويل لفعل ذلك وكذلك طورنا استراتيجيات للأمن الغذائي، وهذا هو دورنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة